بوادر أزمة تلوح في الأفق بين منتجي الأدوية والحكومة الجزائرية، في أعقاب سلسلة القرارات الإدارية التي فرضتها وزارة الصناعة الصيدلانية، تضاف إلى تخبط في القرارات أرهقت مصانع الأدوية، ما يتعارض مع التوجه العام الذي أقره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الرامي إلى دعم قطاع صناعة الأدوية من أجل كبح الواردات وتجسيد الأمن الصحي.
وفاجأت وزارة الصناعة الصيدلانية المستحدثة، مصانع ومختبرات إنتاج الأدوية بقرارٍ يقضي بإعادة وضع طلبات لاستصدار رخص نشاط جديدة تتماشى ودفتر الأعباء الجديد الذي طرحته، مع إلغاء الرخص الحالية مطلع السنة المقبلة، ما أدخل منتجي الأدوية في سباقٍ مع عقارب الزمن من أجل وضع ملفات الاعتماد لدى الوزارة المكلفة تسيير قطاع الإنتاج.
وقال عبد الحكيم حمادي، مدير مصنع "هيزا" لصناعة الأدوية في محافظة سيدي بلعباس (500 كلم غرب العاصمة) إن "المنتجين كانوا ينتظرون من وزارة الصناعة الصيدلانية أن تُسهم في بعث قطاع هام اقتصادياً واجتماعياً وصحياً كقطاع صناعة الأدوية، إلا أنها فاجأتنا بتجميد التراخيص الممنوحة من سنوات لمصانع إنتاج الأدوية من طرف وزارة الصحة، وتمنحنا مهلة إلى غاية 23 فبراير/شباط 2022، وفي المقابل لم توضح لنا مصير تراخيض المصانع الأجنبية، أو سيكون لها امتيازات؟".
ولفت إلى أن اتخاذ القرارات بطريقة أحادية وعدم احترام المنتج الذي هو متعامل اقتصادي برؤية باحث ومخترع يؤدي إلى اللااستقرار وإلى إحباطات وتصدعات في القطاع.
وشرح أن "أول مهمة تقدمت بها وزارة الصناعة الصيدلانية كانت في السداسي الثاني من سنة 2020، وكانت تهدف إلى تقليص فاتورة الاستيراد بما قيمته 400 مليون دولار على حساب صحة المواطن وعلى حساب استقرار المتعاملين في قطاع إنتاج الدواء بخلق حواجز إداریة تحدّ من نشاطهم، لأن خفض فاتورة استيراد الدواء لا يمكن إلا أن يكون مؤشراً سلبياً، لأن كل المواد الفعالة مستوردة".
وكانت الحكومة الجزائرية قد أعلنت منتصف 2020، عن خطة جديدة لإعادة توطين صناعة الأدوية عبر تشجيع مؤسسات الإنتاج المحلية الحكومية والخاصة، وخفض واردات البلاد من الأدوية التي تلامس الملياري دولار سنوياً، وتقليصها بما يوفر للبلاد ما يقارب نصف مليار دولار قبل نهاية العام الجاري.
وتتضمن الخطة الحكومية استحداث وزارة للصناعات الصيدلانية بعدما كان هذا النشاط بيد وزارة الصحة، مع إعطاء الأولوية لرفع الإنتاج الوطني لصناعة الأدوية وتقليص فاتورة الاستيراد بـ 400 مليون دولار سنوياً، والتركيز على فتح المجال أمام الشباب والمؤسسات الناشئة لولوج عالم الصناعة الصيدلانية وتصدير منتجاتهم، إضافة إلى ضبط عمليات توريد الأدوية وفقاً للحاجات الوطنية، ومراقبة مخزون الأدوية لمنع الاستيراد العشوائي.
وتهدف الخطة إلى التصدي للمخابر واللوبيات المتورطة في عمليات استيراد أدوية بطريقة سرية لمحاربة الإنتاج الوطني وتهريب العملة الصعبة.
وعهدت الحكومة إلى الوكالة الجزائرية للصناعة الصيدلانية التي أصبحت تحت وصاية وزارة الصناعة الصيدلانية بصلاحيات لضبط السوق وتنظيمها وتنمية الصناعة الصيدلانية. وتهدف الخطة إلى تكيّف سوق الدواء في الجزائر مع المقاربة الاقتصادية الجديدة الهادفة إلى تشجيع الإنتاج الوطني بتوفير العملة الصعبة والعناية بصحة المواطن.
وشرح عبد الحكيم حمادي الناشط في مجال صناعة الأدوية في حديث مع "العربي الجديد" أنه " قبل أكثر من 10 سنوات حضرت وزارة الصحة خطة لإنشاء الوكالة الجزائرية للمواد الصيدلانية في إطار استراتيجية صحية متكاملة تطمح إلى تطوير يلبي الحاجة الصحية ويحدد المعايير التي تدفع قطاع الصناعة الصيدلانية إلى الأمام وتنهض به، فلما ضُبط المشروع، جاءت وزارة الصناعة الصيدلانية لفصل الدواء عن الصحة، ما يترجم غياب الاستقرار، وغياباً كلياً لسياسة تتكفل بالبحوث العلمية، وغياب الاستقرار التشريعي".
وأضاف أن "اللافت أن الوزارة سعت عن قصد أو غير قصد لإغراق السوق ببعض الأدوية مع خفض غير مبرر للأرباح على البعض الآخر من الأدوية، ما كبح تقدم الشركات الجزائرية وتوسعها في الاستثمار ببعث أدوية جديدة."
وتشهد الجزائر فوضى كبيرة في مجال صناعة الأدوية وتوزيعها. وانتشرت في الفترة الأخيرة، بشكل لافت، الإعلانات التلفزيونية لعدد كبير من المكملات الغذائية، فيما منعت الحكومة الإشهار للأدوية.
وتستورد الجزائر سنوياً ما يقارب ملياري دولار، أدوية وأدوات جراحية وتجهيزات طبية. ولم تنجح خطط سابقة في خفض وارداتها بسبب إخفاق مشاريع تصنيع محلية.
ورأى رئيس النقابة الجزائرية للصيادلة الخواص (القطاع الخاص)، مسعود بلعمبري في حديث مع "العربي الجديد" أن "قطاع الصناعة الصيدلانية في الجزائر يحتاج لأمرين: الأول: الاستقرار القانوني، لأنه يعطي ثقة للمستثمر، ولا يخلق له مخاوف على استثماره. وثانياً، مبدأ تكافؤ الفرص، بعيداً عن ضغط اللوبيات، التي جعلت بعض المصانع تستفيد من امتيازات دون أخرى، ما أثر بالسوق وأحدث فوضى في العرض، أدت إلى حدوث ندرة في العديد من الأصناف من الأدوية".
وباتت ندرة الأدوية على رفوف الصيدليات في الجزائر ظاهرة اعتادها الجزائريون، ولا ترتبط أساساً بتفشي "كوفيد 19"، إذ بدأت الظاهرة منذ فرض الحكومة قيوداً على عمليات الاستيراد وإخضاعها لرخص إدارية منذ مطلع عام 2015، بعد تهاوي عائدات النفط بحوالى ثلثي الحجم المعتاد.
إلا أن المخاوف في الأشهر الأخيرة تعدت الخطوط المعتادة لتمسّ "مخزون الأمان"، وهو الحد الأدنى من مخزون المستوردين والمنتجين، حيث اضطر الكثير منهم إلى بيع الجزء الأكبر منه، لأول مرة في السنوات الأخيرة.