قبل أن نطالب المواطن بالتقشف

06 أكتوبر 2022
دائرة الفقر تتسع في مصر والضغوط المعيشية آخذة في التفاقم (فرانس برس)
+ الخط -

خلال الأيام الماضية خرجت علينا دعوات تطالب المواطن بالتقشف وشد الحزام وعدم التكالب على الشراء إلا للضرورة، والاحتفاظ بالسيولة النقدية وعدم التفريط فيها، والامتناع عن الترفيه والسفر للداخل والخارج، وعدم استبدال السلع المعمرة من أجهزة كهربائية وأدوات منزلية وسيارات وغيرها.

بل وحتى الابتعاد عن إقامة الأفراح والحفلات والعزومات والمناسبات الاجتماعية، "فما يحتاجه البيت يحرم على الجامع" كما يقول المثل المصري، والجامع هنا هو جامع الضرائب وليس المقصود به المسجد ودور العبادة، كما أن على الأسرة المصرية أياً كان دخلها ترشيد الاستهلاك خلال الفترة المقبلة.

على الأسرة المصرية أياً كان دخلها ترشيد الاستهلاك خلال الفترة المقبلة

صحيح أن بعض تلك الدعوات ليس الغرض منها هو المحافظة على أموال الناس وتنميتها والمساعدة في مواجهة الأعباء المعيشية، بل الهدف هو تقليل الطلب على السلع المتوافرة في الأسواق، وبالتالي خفض معدل التضخم، وتخفيف العبء عن الإيرادات العامة للدولة والدعم الحكومي.

لكن على أي حال فهي نصائح تصلح لكل زمان أو مكان خاصة في أوقات الأزمات وضيق العيش، كما أنها تتماشى مع الاتجاه العالمي الذي تتعالى فيه الدعوات لترشيد الإنفاق والتقشف والبعد عن الترفيه والتركيز على الأولويات.

من حق الحكومات دعوة المواطنين إلى التقشف في أوقات أزمات التضخم وغلاء الأسعار وندرة الموارد، فالحكومات الأوروبية فعلتها قبل أيام حينما دعت المواطنين إلى ترشيد استهلاك الغاز الطبيعي مع غلاء أسعاره والانقطاعات في إمدادات الغاز الروسي والذي يزود دول القارة بنحو 40% من احتياجاتها من الطاقة، كما كررت تلك الحكومات دعواتها للمواطنين لترشيد استهلاك الكهرباء والمياه للتخفيف من حدة أزمة الطاقة.

وفي ألمانيا دعت أكبر شركة غاز إقليمية المواطنين الألمان لقضاء وقت أقل في الحمام في إطار سياسة تقليل الضغط على شبكة الكهرباء واستهلاك الغاز الطبيعي.

بل إن المفوضية الأوروبية ناشدت الدول الأعضاء توفير استهلاك الطاقة، وتخفيض استهلاك الغاز الطبيعي بما يقدر بـ15% لكي يكون الشتاء القادم أقل بردا على المواطنين الأوروبيين.

من الصعب أن يتقبل المواطن دعوات التقشف وحكومته تعلن عن إقامة بحيرات صناعية ونهر صناعي وبكلفة ضخمة

وفي مطار "هنري كواندا الدولي" ببوخارست انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لعمال يقومون بتحريك حزام نقل الأمتعة بالسير عليه بهدف تقليل استخدام الطاقة الكهربائية.

ويوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري شددت الوكالة الدولية للطاقة على أهمية ترشيد الاستهلاك في هذا التوقيت، وحذرت من أن تدابير ترشيد استهلاك الغاز في أوروبا ستكون حاسمة هذا الشتاء، للحفاظ على المخزون بكميات تكفي في حال الانقطاع التام للغاز الروسي، ووقوع موجة برد متأخرة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

لكن في المقابل فإنه قبل أن تطالب الحكومات الأوروبية مواطنيها بالتقشف وترشيد الاستهلاك فإنها تبدأ بنفسها، حيث ترشد الإنفاق العام وتقلل الاستهلاك في المؤسسات العامة، فلا يعقل أن يستجيب المواطن لدعوات التقشف وهو يرى الحكومة تنفق ببذخ على مشروعات لا تمثل أولوية له، وتبني أفخم القصور والفنادق والمدن الساحلية وناطحات السحاب وتقيم مدن ترفيهية بمليارات الدولارات.

ومن الصعب أن يتقبل المواطن دعوات التقشف وحكومته تعلن عن إقامة بحيرات صناعية ونهر صناعي وبكلفة ضخمة. الحكومات يجب أن تكون قدوة للناس في سلوكياتها، وإلا ستضيع مناشداتها ودعوات وسائل إعلامها في الهواء وتصبح هي والعدم سواء.

المساهمون