فوضى شحن عالمية بسبب البحر الأحمر وبنما... وأوروبا تلجأ إلى روسيا

11 مارس 2024
تأخر تسليم البضائع يربك القطاعات الإنتاجية والتجارية في مناطق واسعة من العالم (Getty)
+ الخط -

تتبدل خريطة نقل البضائع عالمياً وسط تصاعد الصراع في البحر الأحمر وجفاف قناة بنما في أميركا الوسطى، إذ ترتفع التكاليف وتطول مدة الرحلات، ما دعا الأوروبيين للاضطرار إلى نقل السلع الواردة من آسيا عبر السكك الحديدية الروسية في تطور لافت رغم العداء الشديد تجاه موسكو بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ عامين.

فقد اصطفت أكثر من 50 سفينة لعبور قناة بنما في أحد الأيام الأخيرة، بدءاً من الناقلات التي تنقل غاز البروبان إلى سفن الشحن المحملة بالأغذية. وقد أدى الجفاف الذي طال أمده إلى قيام مشغل القناة بخفض عدد السفن المارة، ما أدى إلى فترات انتظار أطول، كما أصبحت الرسوم التي تدفعها السفن الآن أكثر تكلفة بنحو ثمانية أضعاف من المعتاد.

وتمر قناة بنما بواحدة من أكثر الفترات جفافاً خلال قرن من تشغيل الممر المائي الاصطناعي. ويأمل المسؤولون أن يتوقف الجفاف، الذي بدأ في منتصف العام الماضي 2023، في نهاية موسم الجفاف في مايو/أيار المقبل.

ويمر ما يقرب من 5% من التجارة العالمية المنقولة بحراً عبر قناة بنما التي تعد بوابة لـ 40% من حركة الحاويات الأميركية، كما تستخدم العديد من دول أميركا الجنوبية القناة لنقل ما يقرب من ربع صادراتها.

ويسمح مشغل القناة عادة بعبور حوالي 36 سفينة يومياً، لكنه خفض العدد إلى 24 سفينة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وخطط لخفض عدد العبور إلى 18 سفينة في فبراير/شباط الماضي، لكن بعض الأمطار ساعدت في استقرار مستويات المياه والعدول عن هذا الخفض.

وانخفض عبور السفن في القناة في يناير/كانون الثاني 2024 بنسبة 36% عن الفترة نفسها من العام الماضي. ويريد مشغل القناة استثمار نحو مليار دولار في مشاريع تسمح بالوصول إلى احتياطيات المياه، لكن المشروع قد يستغرق سنوات حتى يكتمل.

ويتعقد مشهد الشحن البحري العالمي مع تأجج الصراع في البحر الأحمر، إذ يصعّد الحوثيون في اليمن هجماتهم ضد السفن الأميركية والبريطانية والإسرائيلية ردّاً على استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وكذلك تدخل القوات الأميركية بتوجيه ضربات ضد الحوثيين منذ حلول العام الجاري.

وعلى بعد أكثر من 7000 ميل (11.2 ألف كيلومتر) من بنما، تنتظر السفن التي تنقل الحاويات عبر البحر الأحمر حتى ترافقها بوارج حربية لعبور الممر الملاحي الحيوي ومن ثم دخول قناة السويس المصرية وصولاً إلى البحر المتوسط، في حين تتجنب الكثير من الناقلات المرور تماماً، وتفضل القيام برحلة أطول بكثير عبر رأس الرجاء الصالح حول جنوب أفريقيا.

ويخشى مشغلو السفن من تعرض أطقمهم للخطر أثناء الرحلات عبر البحر الأحمر بسبب هجمات صاروخية أو هجمات بطائرات من دون طيار من جماعة الحوثي.

تحالف جيوسياسي ومناخي

وبينما تعد مشكلات البحر الأحمر جيوسياسية، ومشكلات بنما تتعلق بالمناخ، فإنهما يعكران معاً صفو التجارة العالمية. فقد انخفضت أحجام الشحن عبر قناتي السويس وبنما بأكثر من الثلث. وقد تحولت مئات السفن إلى مسارات أطول، مما أدى إلى تأخير التسليم وارتفاع تكاليف النقل وتضرر اقتصادات عدة ولا سيما في أوروبا.

ويستعد مشغلو السفن لأشهر إضافية من عدم اليقين في الممرات المائية حيث عبرت حوالي 18% من أحجام التجارة العالمية البحر الأحمر العام الماضي.

وأوقف بعض مشغلي السفن رحلاتهم إلى أجل غير مسمّى بسبب الضربات التي استهدفت السفن، فقد هاجم الحوثيون أكثر من 50 سفينة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بما في ذلك سفينة شحن محملة بالأسمدة غرقت في البحر الأحمر في فبراير/ شباط الماضي وأخرى أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص من طاقمها أخيراً.

وتراجعت أحجام التجارة عبر قناة السويس بأكثر من 40% في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.

وتستخدم القناة عشرات السفن التي تنقل الصادرات الآسيوية إلى شمال أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، إلى جانب بعض أكبر الناقلات في العالم التي تنقل النفط من الشرق الأوسط. وارتفعت أسعار الرحلات من آسيا إلى أوروبا بنسبة 67%، وفق بيانات لشركة الوساطة المالية البريطانية "برايمار".

وقال تيم هانسن، مدير العمليات في شركة دوريان ومقرها ولاية كونيتيكت الأميركية لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أمس الأحد: "إنها المرة الأولى التي يتم فيها تعطيل الممرين الملاحيين العالميين في وقت واحد، لذا يتعين عليك التخطيط مسبقاً للمكان الذي سترسل فيه سفينتك، وستدفع الكثير بغض النظر عن ذلك".

ورغم أن انقطاعات سلاسل التوريد تعتبر متواضعة مقارنة بالاختناقات الأكثر انتشاراً التي شهدها العالم خلال جائحة فيروس كورونا في عامي 2020 و2021، إلا أنّ تداعيات فوضى الشحن تنعكس فعلياً على عمليات الإنتاج والتكاليف التي بدأت تنتقل إلى المستهلكين.

فقد ارتفعت أسعار الشحن اليومية على بعض الطرق بين آسيا والولايات المتحدة إلى أكثر من 20 ألف دولار لكل حاوية، أي ما يقرب من خمسة أضعاف المستويات الحالية.

وقال بيتر ساند، كبير المحللين في منصة الشحن زينيتا ومقرها النرويج للصحيفة الأميركية: "إنها لحظة فاصلة للمستهلكين لأنهم اعتادوا على العولمة.. لقد كانوا يحصلون على البضائع من كل مكان وفي أي وقت، لذلك من الأهمية بمكان حماية سلاسل التوريد البحرية".

بدوره، قال فنسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة "ميرسك" الدنماركية للشحن، الذي تقوم شركته عادة بما بين 15 إلى 17 رحلة عبر السويس أسبوعياً: "للعودة، سنحتاج إلى تلبية حد مرتفع للغاية لضمان عدم تعرض أطقمنا وسفننا للخطر". وأضاف لـ "وول ستريت جورنال": "حتى الآن هناك تصعيد ولا أعرف ما إذا كانت الهجمات على الحوثيين ستساعد في تحسين الأمور".

اللجوء إلى العدو الروسي

وفي ظلّ تعرض الشحن البحري لضغوط مقلقة لعدد كبير من الاقتصادات، ولا سيما الأوروبية، يتزايد اللجوء إلى ممرات بديلة. فقد عززت هذه الأجواء اللجوء إلى السكك الحديدية في روسيا لنقل البضائع إلى أوروبا، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس.

ووفق شركة "دي اتش إل" الألمانية فإن طلبات نقل البضائع عبر السكك الحديدية الروسية قفزت بنحو 40% منذ أن بدأت سفن الحاويات في التحول عبر طريق أطول في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

كما أشارت شركة "RailGate Europe" أن الطلب ارتفع بنسبة 25% إلى 35%، في حين قالت شركة "Rail Bridge Cargo"، ومقرها هولندا، إن حركة البضائع بالسكك الحديدية عبر روسيا هذا العام كانت أعلى بنسبة 31% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

نظرت شركات الخدمات اللوجستية من جديد إلى الطرق عبر روسيا بعد قرار معظم خطوط شحن الحاويات الكبيرة بتحويل الرحلات البحرية من آسيا إلى أوروبا التي تمر عادة عبر البحر الأحمر ومن ثم قناة السويس للسفر عبر رأس الرجاء الصالح.

وأدت عمليات التحويل إلى زيادة أوقات الرحلات من الباب إلى الباب بين الصين وشمال أوروبا بمقدار سبعة إلى 10 أيام، إلى ما بين 50 و55 يوماً. وقالت شركة "دي اتش إل" إن أوقات الرحلات من الباب إلى الباب بالسكك الحديدية عبر روسيا بين تشنغدو في الصين ودويسبورغ في ألمانيا تتراوح حالياً بين 25 و30 يوماً.

ودفعت الحاجة الأوروبيين إلى اللجوء إلى العدو اللدود. وقال مقدمو الخدمات اللوجستية، بما في ذلك شركة "Kuehne & Nagel" السويسرية، إنهم كانوا يتجنبون استخدام خطوط السكك الحديدية عبر روسيا بعد غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وفق ما نقلت الصحيفة البريطانية.

وكانت شركة RZD، التي تمتلك شبكة السكك الحديدية الواسعة في روسيا وتدير معظم القطارات، يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها مرتبطة بشكل وثيق بالكرملين.

وقالت حكومة المملكة المتحدة أوليغ بيلوزيروف، الرئيس التنفيذي للشركة، بأنه يتمتع بـ "علاقات وثيقة" مع الرئيس فلاديمير بوتين عندما فرضت عليه عقوبات في إبريل/ نيسان 2022.

وبموجب عقوبات الاتحاد الأوروبي، هناك شبه حظر على تحركات الشحن البري من وإلى روسيا وبيلاروسيا. وهناك أيضاً قيود على قدرة "RZD" على الوصول إلى بعض الخدمات المالية. ومع ذلك، لا يوجد حظر على نقل البضائع بالسكك الحديدية عبر البلاد.

لكن مايكل ألدويل، رئيس الخدمات اللوجستية البحرية في شركة "Kuehne & Nagel" قال إنّ هناك "المزيد من الطلب" لنقل البضائع من آسيا إلى أوروبا عن طريق السكك الحديدية في ظل الظروف الحالية.

وتذهب غالبية البضائع من آسيا إلى أوروبا بالسكك الحديدية عبر ما تسميه شركة "دي إتش إل" الألمانية "الممر الغربي" عبر كازاخستان إلى روسيا ثم إلى بيلاروسيا. وتمر بعض حركة المرور عبر "الممر الشمالي" الذي يعبر مباشرة من الصين إلى روسيا، شرق منغوليا.

وتقدم بعض شركات الخدمات اللوجستية "طريقاً جنوبياً" يتجنب روسيا، ويمر عبر كازاخستان وأذربيجان وتركيا. لكن هذا الطريق الذي يتضمن عبور بحر قزوين، يستغرق وقتاً أطول بين الصين وأوروبا. وهو صالح أساسياً للسلع المتجهة من وإلى دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان.

المساهمون