فوضى النووي الروسي: شركات الطيران تخشى سيناريو كارثياً

17 أكتوبر 2022
حركة نقل الركاب والشحن الجوي مهددة بالتوقف حال استخدمت روسيا أسلحة نووية (Getty)
+ الخط -

يسيطر الخوف على قطاع النقل الجوي وشركات التأمين العالمية من احتمال تطور الصراع في أوكرانيا إلى حرب نووية، بعد التلويح الروسي المتكرر بتوجيه ضربات نووية، ما يحمل مخاطر تدميرية لحركة النقل في كافة أرجاء العالم وليس في منطقة الصراع فحسب، حتى لو استخدمت موسكو أسلحة "منخفضة القوة".

ورغم التكاليف المرتفعة التي تكبدتها الكثير من خطوط الطيران العالمية، لاسيما الغربية، بسبب الحظر الروسي المفروض عليها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا نهاية فبراير/شباط الماضي، إلا أن هذا الحظر لا يمثل تهديداً كبيراً لها، بقدر خطر استخدام الأسلحة النووية، إذ ستوقف جميع الطائرات التجارية وتصاب حركة النقل العالمية بالفوضى، ما يكون له تداعيات كارثية، وفق تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية، التي أشارت إلى أن شركات الطيران والتأمين عليها تناقش ما يجب القيام به في حالة وقوع "هجوم نووي تكتيكي".

ومنذ نهاية فبراير/شباط الماضي، تواجه شركات الطيران الغربية أعباء كبيرة، إذ أضاف الحظر الجوي الروسي، عدة ساعات إلى وقت الطيران الطويل بالفعل بين أوروبا والشرق الأقصى، حيث طاول الحظر ناقلات 36 دولة، رداً على العقوبات الغربية ضد روسيا بعد غزوها أوكرانيا.

تكاليف الحظر الروسي

ودفعت هذه التكاليف شركة الطيران البريطانية فيرجن أتلانتيك، في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى تعليق خط هيثرو (لندن) - هونغ كونغ، وإغلاق مكتبها في هونغ كونغ وعدم استئناف رحلاتها في مارس/آذار 2023، بعد 30 عاماً من عمل هذا الخط، ما يعد انعكاساً للجغرافيا السياسية التي يفرضها الصراع، وفق المجلة الأميركية، التي رجحت أن تنضم خطوط أخرى إلى خط شركة فيرجن أتلانتيك بين لندن وهونغ كونغ.

ودفع الحظر الروسي شركات الطيران الـ36 المستهدفة إلى تحويل طائراتها إما شمالاً إلى القطب الشمالي وألاسكا في الولايات المتحدة أو جنوباً نحو الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وهذا يعني فترات طيران أطول.

لكنّ الأزمة لم تعد فقط في فترات الطيران الأطول والتي تدفع الركاب إلى التململ، وإنما تواجه الشركات أكبر العقبات، فعندما تضطر الرحلة إلى الوصول بعد ثلاث أو أربع ساعات من موعدها المعتاد، فهذا يعني أنّ رحلة العودة المعتادة قد لا تكون ممكنة، وهذا بدوره يعني أن الطائرة قد تضطر إلى قضاء الليل في المطار، مما يؤدي إلى فرض رسوم وقوف وساعات أكثر للطائرة لا تدرّ دخلاً، ثم هناك الوقود الإضافي.

وقال مسؤول تنفيذي أوروبي كبير في مجال الطيران لـ"فورين بوليسي" إن "تشغيل هذه المسارات سيكون بالتأكيد أكثر تكلفة وسيتطلب من العملاء التعمق في جيوبهم أكثر مما اعتادوا عليه".

ومع كلّ هذه المتاعب فإنّها لا شيء يذكر بالنسبة لاحتمال حدوث جمود كامل في السفر الجوي العالمي حال وقوع هجوم نووي روسي على أوكرانيا، إذ سيضيف ذلك خطراً أكثر تدميراً، ليس فقط لشركات الطيران وإنما أيضاً لشركات التأمين العالمية.

ومنذ الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي سابقاً والولايات المتحدة في الفترة الممتدة من منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، استبعدت شركات التأمين على الطيران، خطر الحرب النووية، لكن إذا نشرت روسيا ما يسمى بـ "سلاح نووي صغير" ضد أوكرانيا، فإنّ الطيران العالمي سيتوقف، فجميع وثائق التأمين الخاصة بشركات الطيران لا تغطي مخاطر الهجمات النووية، إذ ستلغى جميع التأمينات لمجرد أنّ العالم سيواجه دماراً تاماً.

جيل جديد من الأسلحة النووية

وهذا التوقف سيكون واسع النطاق على الرغم من التقارير التي تشير إلى أنّ روسيا تعمل منذ عدة سنوات على تطوير جيل جديد من الأسلحة النووية في ساحة المعركة، والتي تُعرف أيضاً باسم الأسلحة النووية منخفضة القوة، وهي أقل قوة من الأسلحة التقليدية، إذ يمكن لسلاح نووي روسي واحد منخفض القوة، أن يقتل عشرات الآلاف من الأشخاص فقط، وأن يحدث دماراً في المنطقة المستهدفة.

الآن، شركات التأمين تناقش ما يجب القيام به في حالة وقوع "هجوم نووي تكتيكي"، وفق فورين بوليسي. ونظراً لأنّ الطيران هو ناقل أساسي لكلّ من البضائع والأشخاص، فإنّ التعليق المفاجئ للرحلات الجوية حول العالم من شأنه أن يعيث فساداً في الحياة اليومية.

تمتلك روسيا أكبر عدد من الرؤوس النووية عالمياً، بعدد يبلغ 5 آلاف و977 رأساً، وبذلك تمتلك حصة 47% من الترسانة النووية عالمياً. وتأتي بعدها في قائمة أكثر الدول امتلاكاً للرؤوس النووية، الولايات المتحدة، التي تمتلك 5 آلاف و428 رأساً. أما ثالثاً، فتأتي الصين بفارق كبير، إذ تمتلك البلاد 350 رأساً، وفق إحصاءات نشرتها وكالة بلومبيرغ الأميركية.

أمل قطاع النقل الجوي في التعافي من تداعيات جائحة فيروس كورونا التي أرهقت قواه على مدار العامين الماضيين، إذ أعلن الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا"، في مارس/آذار الماضي، عن توقعاته بوصول إجمالي أعداد المسافرين إلى 4 مليارات في 2024، ما يعني تخطي مستويات فترة ما قبل أزمة كوفيد-19 عام 2019.

وبلغت أعداد المسافرين الدوليين في عام 2021 نسبة 27% من مستويات عام 2019، ومن المتوقع أن ترتفع تلك النسبة إلى 69% في 2022، و82% عام 2023، و92% عام 2024، و101% في 2025، بحسب "إياتا".

ولا تطاول المخاوف حركة نقل الركاب فقط، إنما الشحن الجوي أيضاً، بينما أشار الاتحاد الدولي للنقل الجوي أخيراً إلى أنّ عائدات الشحن الجوي وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 204 مليارات دولار في عام 2021، وهو ما يزيد عن الضعف مقارنة بعام 2019، ويشكل نحو 40% من إجمالي إيرادات شركات الطيران في عام 2021.

المساهمون