فلسطين تخشى التحول إلى "مكب" للشيكل الإسرائيلي

17 أكتوبر 2021
سوق بالبلدة القديمة في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية (Getty)
+ الخط -

ينتاب التاجر الفلسطيني تيسير فريج القلق كلما توجّه لإيداع الأموال التي يجنيها من محله في البنوك الفلسطينية التي لم تعد ترغب في تلقي عملة الاحتلال الإسرائيلي (الشيكل) من التجار، بسبب تراكمه لديها بأرقام كبيرة.

ويستخدم الفلسطينيون الشيكل الإسرائيلي لكنهم يتعاملون به مع نظامين اقتصاديين مختلفين. وتحظر سلطات الاحتلال، بناء على قانون سنته في عام 2018، التعاملات النقدية بما يزيد عن 11 ألف شيكل (نحو 3400 دولار)، في حين تتم عمليات التبادل اليومية في الضفة الغربية المحتلة بالنقد.

ويتدفق شهرياً إلى السوق الفلسطيني قرابة 1.3 مليار شيكل (نحو 400 مليون دولار) من خلال العمال الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل، أو عن طريق تسوّق الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل (عرب إسرائيل) في أسواق الضفة الغربية المحتلة.

ووصلت كمية الشيكل المتراكمة في البنوك إلى أكثر من ستة مليارات (نحو 1.7 مليار دولار)، ويتسبب هذا الفائض بأزمة اقتصادية في السوق الفلسطيني بسبب عدم القدرة على تصريفها.

واضطرت البنوك الفلسطينية بسبب تكدّس العملة هذا إلى اللجوء إلى إجراءات عدة، بينها رفض الإيداعات بمبالغ كبيرة أو فرض عمولة تصل إلى نحو 2 % على المبلغ المودع، كما يوضح تجار لوكالة فرانس برس.

ويقول فريج، وهو صاحب محل للدهانات، "بدأنا نلمس أزمة تكدس الشيكل بشكل حقيقي وأصبحت تعيق عملنا في التجارة الخارجية أو الداخلية". ويوضح كيف أنه توجه أكثر من مرة لإيداع مبالغ مالية بالشيكل في مصارف كانت إما تماطل في استقبال الأموال أو تفرض عمولة عالية.

ويضيف "ليس ذلك فحسب، بل عندما نقوم بأي تجارة خارجية، نحتاج لشراء عملة ثانية غير الشيكل، إما دولار أو يورو أو دينار (أردني)".

ويشير تاجر آخر يملك محلاً في وسط مدينة رام الله إلى أنه أغلق حساباته في ثلاثة بنوك بسبب ما يعانيه جراء أزمة الشيكل، وبدأ العمل مباشرة مع الزبائن بالنقد.

وأضاف التاجر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، وهو يقف خلف الطاولة الرئيسية في محله: "لدي أوراق من إيداعات تثبت أن البنوك تأخذ عمولة عالية على الإيداع، لذلك فضّلت إغلاق حساباتي وسحب أموالي من البنوك".

واعتبر البنك المركزي الإسرائيلي أن الفائض بالشيكل في المصارف الفلسطينية زاد في السنوات الأخيرة "بسبب زيادة التجارة بين الجانبين"، معرباً لوكالة فرانس برس عن قلقه مما وصفها بـ"إساءة استخدام التحويلات النقدية غير الخاضعة للرقابة، خصوصاً في غسيل أموال".

وأفضت مباحثات بين الجانبين إلى موافقة سلطات الاحتلال مؤخراً على استقبال أربعة مليارات شيكل (نحو 1.3 مليار دولار)، في خطوة يفترض أن تحصل كل ثلاثة إلى أربعة أشهر. وبموجب الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، يعتبر الشيكل العملة الرسمية في الأراضي الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي المصدِر له.

وتحاول سلطة النقد الفلسطينية التوصل إلى حلول سريعة مع الجانب الإسرائيلي، ومنها رفع السقف الربع سنوي من قيمة المبلغ المتفق تحويله شهرياً من الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل.

ويقول رئيس سلطة النقد الفلسطينية فراس ملحم إن تراكم الشيكل "يؤثر على الاقتصاد الفلسطيني بشكل سلبي، وخصوصاً على البنوك وعلى التجارة مع إسرائيل". ويضيف "ارتباط الاقتصاد الفلسطيني وتبعيته للاقتصاد الإسرائيلي يجرّان تراكماً كبيراً جداً للشيكل عندنا، خصوصاً أننا لا نملك عملة وطنية".

ويعتبر التطور التكنولوجي المالي في السوق الإسرائيلي، والذي حدّد مؤخراً آليات تعامل الإسرائيليين والشركات بالعملة النقدية من خلال الوسائل التكنولوجية، سبباً آخر لتراكم الشيكل في البنوك الفلسطينية.

ويقول ملحم "لا شك في أن المجتمع الإسرائيلي متقدّم من الناحية التكنولوجية المالية، وهم قطعوا أشواطاً كبيرة في اقتصادهم (..)، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تؤدي إلى هروب الشيكل الإسرائيلي إلينا". ويضيف "كلما تقدموا تكنولوجيّاً، أدى ذلك إلى تراكم الشيكل لدينا".

ويعتمد غالبية التجار الفلسطينيين في تعاملاتهم المالية مع البنوك المحلية الدفع النقدي المباشر، أو الشيكات البنكية، وهو ما تحاول سلطة النقد الفلسطينية تطويره.

ولا توجد لدى السلطة الفلسطينية عملة وطنية خاصة، ويتداول الفلسطينيون بعملات عدة أبرزها الشيكل. وتبحث سلطة النقد في إمكانية إصدار عملة نقدية رقمية خاصة بها، كما يقول رئيس سلطة النقد الفلسطينية.

ويضيف ملحم "نريد أن نواكب التطور التكنولوجي المالي، ولا نريد للسوق الفلسطيني أن يتحول إلى مكب للشيكل، ولا نريد أن يكون هناك نوع من غسيل الأموال في السوق الفلسطيني".

ويلمس العاملون في قطاع الصرافة هذه الأزمة من خلال تعاملهم اليومي مع التجار. ويشير عبد الكريم البرغوثي، وهو صاحب محل للصرافة، إلى أن فائض الشيكل لدى البنوك "ليس جديداً، وقد بدأ منذ حوالى أربع إلى خمس سنوات". ويتابع "تراكم أكثر خلال الفترة الحالية بسبب كورونا، ما انعكس سلباً على التجار الكبار".

ويرى المحلل الاقتصادي جعفر صدقة أن الأزمة تفاقمت بعدما بدأت إسرائيل بحظر التعامل النقدي في سوقها وحددتها بسقف معين. وتعني هذه الخطوة الإسرائيلية، بحسب صدقة، أن إسرائيل لم تعد تحتاج إلى العملة الورقية للتداول، وباتت هذه العملة التي تدخل السوق الفلسطيني عبئاً عليها.

ويضيف "إذا بقيت إسرائيل تتنصل من التزاماتها، سواء في الاتفاقيات الثنائية أو الدولية، في ما يخص استقبال الفائض من عملتها، سيبقى السوق الفلسطيني مكباً لعملة مصدرها لا يحتاج إليها".

ويرفض الاحتلال الإسرائيلي بين الحين والآخر استلام مليارات الشواكل من السلطة الفلسطينية بذرائع مختلفة أو كإجراء عقابي ضدها، ما يكلف خزينة البنوك الفلسطينية مبالغ كبيرة لتأمينها دون مردود اقتصادي.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون