فعلها "النرويجي" ولم تفعلها الصناديق السيادية العربية

05 ديسمبر 2024
بعد هجوم من المستوطنين على فلسطينيين في نابلس، 28 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يلتزم صندوق الثروة السيادي النرويجي بإدارة أمواله وفق معايير أخلاقية صارمة، حيث يمتنع عن الاستثمار في صناعات مثل السلاح والتبغ والوقود الأحفوري، ويحظر البرلمان النرويجي الاستثمار في شركات تصنع منتجات خطرة مثل الأسلحة النووية.

- تفتقر العديد من الصناديق السيادية العربية إلى الأسس الأخلاقية في استثماراتها، حيث تستثمر في مشاريع مثيرة للجدل، مما يثير تساؤلات حول دورها في دعم الديكتاتوريات وإجهاض التجارب الديمقراطية.

- سحب صندوق الثروة السيادي النرويجي استثماراته من شركة "بيزك" الإسرائيلية لدعمها المستوطنات، مما يعكس التزامه بالمعايير الأخلاقية ويشكل ضغطاً على صناديق وشركات عالمية لاتخاذ خطوات مماثلة.

يثبت صندوق الثروة السيادي النرويجي أكبر صندوق سيادي في العالم، مجدداً، أنه يدير أمواله وأصوله البالغة قيمتها 1.8 تريليون دولار وفق أسس أخلاقية صارمة ومعايير إنسانية رفيعة، فهو لا يضع فقط الربحية وصناعة الصفقات وحصد المليارات في المرتبة الأولى وضمن قائمة أولوياته، بل يقدم المعايير الأخلاقية، لذا لا يستثمر الصندوق أمواله في أي قطاع أو نشاط اقتصادي أو تجاري أو رأسمالي يمثل خطورة على الصحة العامة أو البيئة، أو يخالف القوانين الدولية، ومنها صناعات السلاح والتبغ والسجائر والفحم والوقود الأحفوري. 

ولا يستثمر أمواله في شركات متورطة في أعمال قذرة مثل انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد والرشى وغسل الأموال وتمويل الإرهاب أو الأضرار البيئية. كما يحظر البرلمان النرويجي على الصندوق الاستثمار في شركات تصنع منتجات خطرة مثل الأسلحة النووية أو الألغام الأرضية. 

في المقابل، لا تضع العديد من الصناديق السيادية العربية، التي يتجاوز حجم أصولها أكثر من 5 تريليونات دولار، أي أسس أخلاقية تنظم استثماراتها الضخمة، فلا مانع لديها من ضخ أموالها في كل أسواق العالم وشرايين الاقتصادات المختلفة وبلا تمييز، حتى لو تم ضخ هذه الاستثمارات داخل مشروعات مقامة في دول احتلال مثل إسرائيل أو داخل المستوطنات المحتلة، أو بمشروعات تنتج سلاحاً يوجه لقتل أطفال ونساء وأهالي غزة والضفة ولبنان من المدنيين العزّل، أو تمثل منتجاتها وسلعها خطورة على الصحة العامة. 

وهنا لا يعلو صوت لدى تلك الصناديق السيادية العربية المملوكة لحكومات فوق صوت العائد المالي والأرباح الرأسمالية وتراكم الثروات وقنص الصفقات، وأحياناً تساهم في وأد تطلعات الشعوب المقهورة في نيل الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية، فجزء من مليارات تلك الصناديق تم توجيهه بالفعل في السنوات الماضية إلى مشروعات وخطط إجهاض تجارب ديمقراطية وليدة في بعض الدول العربية، وتمويل حركات تمرد واستبداد ودعم الديكتاتوريات القائمة أو الوليدة.

أحدث مثال على ذلك قرار صندوق الثروة السيادي النرويجي سحب استثماراته من شركة "بيزك" الإسرائيلية، إحدى أبرز شركات الاتصالات داخل دولة الاحتلال، بسبب تقديمها خدمات للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة

أحدث مثال على ذلك قرار صندوق الثروة السيادي النرويجي سحب استثماراته من شركة "بيزك" الإسرائيلية، إحدى أبرز شركات الاتصالات داخل دولة الاحتلال، بسبب تقديمها خدمات للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وبما يمثل انتهاكاً ومخالفة صريحة للقانون الدولي الذي يعتبر تلك المستوطنات أراضي محتلة. 

قرار الصندوق النرويجي جاء بناء على توصية صارمة صادرة عن مجلس الأخلاقيات التابع له تحظر مثل هذه النوعية من الاستثمارات داخل الشركات الإسرائيلية التي تدعم النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.

الخطوة ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن سحب الصندوق النرويجي استثماراته من تسع شركات إسرائيلية متورطة بالعمل في مجال العقارات والخدمات وأنظمة المراقبة في البؤر الإسرائيلية الاستيطانية في الضفة والقدس الشرقية المحتلة.

وسبق أن كشفت وكالة "رويترز" في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي أن صندوق الثروة السيادي النرويجي قد يسحب استثماراته من إسرائيل، ويتخلص من حصصه في أسهم الشركات التي يمتلكها داخل دولة الاحتلال، والبالغة قيمتها ما يزيد عن 1.4 مليار دولار، بعد تبنيه تفسيراً جديداً لسياسة الأخلاقيات في ما يتعلق بحرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة منذ أكثر من 14 شهراً، واستجابة للضغوط التي تمارس عليه من قبل شريحة كبيرة من الشعب النرويجي والبرلمانيين الذين ينظرون إلى إسرائيل على أنها دولة احتلال لا تزال تمارس أسوأ جريمة إبادة جماعية في القرن الحديث.

قرار صندوق الثروة السيادي النرويجي يمثل ضربة لمناخ الاستثمار داخل دولة الاحتلال، وقد يشجع صناديق سيادية واستثمارية عالمية وشركات متعددة الجنسيات وجامعات أخرى على خطو تلك الخطوة، حيث إنه يمثل بوصلة لكل هؤلاء باعتباره أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، والأسرع نمواً في العالم، حيث زاد حجمه بقيمة تزيد عن 700 مليار دولار خلال السنوات الخمس الأخيرة، ويستحوذ على 1.5% من الأسهم المدرجة في العالم، وحقق أرباحاً تجاوزت قيمتها 214 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2024، مما يمنحه نفوذاً ودوراً مهماً في قيادة الاستثمارات حول العالم.

المساهمون