لا يكاد يمر شهر من دون فضيحة جديدة تُضاف إلى الرصيد الزاخر لعالم الاحتيال في مجال الاستثمار في العملات المشفرة حول العالم، وجديدها عملية احتيال كبرى عبر منصة "جيه بي إي إكس" JPEX الافتراضية غير المرخصة في هونغ كونغ. فما الحكاية؟ إليك التفاصيل.
علمت جيني المستثمرة في العملات المشفرة لأول مرة عن الأصول الرقمية في أحد متاجر هونغ كونغ التي روّجت لبورصة العملات المشفرة JPEX في مارس/آذار الماضي، لكن بحلول سبتمبر/ أيلول كانت من بين أكثر من 2000 ضحية "عديمة الخبرة" قالت الشرطة إن المنصة احتالت عليهم.
وقالت جيني، وهو ليس اسمها الحقيقي، التي خسرت مبلغاً من "6 أرقام" بدولارات هونغ كونغ، للصحافيين: "لقد شارك العديد من زملائي وأصدقائي في استثماراتنا، ولم نعتقد أبداً أنها ستكون عملية احتيال".
وشهدت الفضيحة المحيطة بمنصة JPEX حتى الآن اعتقال 11 موظفاً في الشركة وأصحاب النفوذ التابعين لها هذا الأسبوع بتهمة "التآمر للاحتيال"، مع تجاوز خسائر الضحايا 175 مليون دولار.
ويلقي سقوط JPEX بظلاله على احتضان هونغ كونغ للأصول الرقمية، حيث يقول الخبراء إنه كشف عن ثغرات تنظيمية بعد 3 أشهر فقط من نشر القواعد التي تتطلب من بورصات العملات المشفرة الحصول على ترخيص وتلبية معايير حماية المستثمرين.
وأصدرت لجنة الأوراق المالية والعقود الآجلة الأسبوع الماضي، تحذيرا ضد المنصة، قائلة إنها أعلنت عن نفسها بشكل خاطئ على أنها "مرخصة" وأظهرت ميزات مشبوهة مثل عوائد مرتفعة للغاية. وعلى الفور، أوقفت JPEX منتجاتها المدرة للعائد وفرضت رسوما باهظة على عمليات السحب.
وما لبثت الشركة أن دهمت يوم الاثنين، 20 مبنى، بما في ذلك شركات العملات المشفرة والمنازل الخاصة، وصادرت الأموال وأجهزة الكمبيوتر وحقائب اليد الفاخرة.
وأكد اثنان من مقدمي خدمات الاتصالات يوم الخميس أنهما امتثلا لأمر الشرطة لمنع الوصول إلى موقع JPEX الإلكتروني، فيما يحقق المحققون فيما إذا كانت JPEX تآمرت مع أصحاب النفوذ والمحلات التجارية لتسليط الضوء على الوضع القانوني للمنصة وقيمة العملات الافتراضية الصادرة عن JPEX.
وقال كبير المشرفين كونغ هينغ- فون إن "الضحايا كان لديهم في كثير من الأحيان عقلية الخوف من تفويت الفرصة، وكانوا يؤمنون بشكل متهور بالإعلانات، لكن لا يوجد شيء اسمه وجبة غداء مجانية"، واصفا حجم القضية بأنه "مروّع".
وانتقدت شركة JPEX - التي يقع مقرها الرئيسي في دبي وفقا لموقعها على الإنترنت - الإجراء التنظيمي ووصفته بأنه "غير عادل" و"متحيز"، فيما لم تستجب لطلبات وكالة "فرانس برس" المتعددة للتعليق.
لاعبون مارقون في تجارة العملات المشفرة
تجدر الإشارة إلى أن تداول العملات المشفرة محظور في الصين، لكن هونغ كونغ التي لديها لوائحها المالية الخاصة تلقت دعم بكين لمواصلة طموحاتها لتصبح مركزاً للأصول الرقمية.
وفي المقابل، اتخذ المنظمون في الولايات المتحدة إجراءات صارمة ضد هذا القطاع في أعقاب انهيار منصة "إف تي إكس" FTX العام الماضي، بعدما خسر المستثمرون مليارات الدولارات وأثار ما سُمّي اصطلاحاً "شتاء العملات المشفرة".
في السياق، تقول محامية التكنولوجيا المالية في "دي إل إيه بايبر" DLA Piper كريستي شوارتز، إن هونغ كونغ تواجه موازنة صعبة، لأنها تحتاج إلى جذب شركات العملات المشفرة أثناء تركيب حواجز حماية لحماية مستثمري التجزئة.
ويستهدف نظام الترخيص الذي تم إقراره في يونيو/ حزيران الفائت البورصات، لكنه يستثني "شركات الوساطة خارج البورصة" OTC، وهي شركات تقليدية تشبه ظاهرياً الصرافين - وهو ما وصفته شوارتز بأنه "ثغرة".
أما بالنسبة لإجراءات الإنفاذ ضد JPEX، فقالت شوارتز إن المنظمين "ربما كانوا متشددين بعض الشيء، لكنني أعتقد أن هذه هي الرسالة الصحيحة التي يجب إرسالها... هذه منطقة يوجد بها الكثير من اللاعبين المارقين".
ويتم اعتماد بعض الشركات خارج البورصة من قبل أصحاب النفوذ المشهورين والفصول المضيفة حيث يتعرض الضحايا مثل جيني لتكتيكات البيع عالية الضغط. وهي قالت إن المتجر الذي عرفت فيه لأول مرة عن تقنية "بلوكتشاين" blockchain بدا وكأنه "عائلة كبيرة".
أحد أصحاب شركات العملات المشفرة في هونغ كونغ طلب عدم الكشف عن هويته، قائلاً لوكالة "فرانس برس" إن JPEX عرضت حوافز ضخمة للدخول في شراكة مع متاجر شركات OTC، بما في ذلك أسعار صرف أفضل ودعم للإعلان والإيجار.
صرخة يقظة ضد احتيال شركات العملات المشفرة
وقد اعترف المنظمون يوم الثلاثاء الماضي، بأنهم "ليس لديهم رقم حول عدد متاجر شركات OTC التي تعمل فعليا في هونغ كونغ".
وفي هذا الإطار، قالت مديرة التراخيص السابقة في SFC كلارا تشيو لوكالة "فرانس برس" إن مثل هذه المتاجر كانت أقل شعبية عندما صاغت قواعد التكنولوجيا المالية في هونغ كونغ عام 2019، وبالتالي لم يتم منحها الأولوية.
واعتبرت أنه "قد حان الوقت بالنسبة لنا للنظر في تكثيف وتوسيع نظام الترخيص والإشراف لدينا ليشمل متاجر العملات المشفرة خارج البورصة"، مشيرة إلى التسويق "الأكثر عدوانية" للمتاجر مؤخرا.
أما رئيس أبحاث "بلوكتشاين" والعملات المشفرة في "دياوا كابيتال ماركتس" Daiwa Capital Markets كارلتون لاي فقد قال إن الفضيحة "قد تكون بمثابة دعوة للاستيقاظ" للسلطات، مضيفا: "ربما تكون هناك حاجة إلى مزيد من اللوائح التنظيمية بشأن المتاجر خارج البورصة، من وجهة نظر مكافحة غسل الأموال ومعرفة عميلك"، لكن إدارة المؤثرين ستكون صعبة.
ورغم هذه الحملة، كشفت JPEX النقاب عن "خطة توزيع أرباح لأصحاب المصلحة" على موقعها الإلكتروني يوم الأربعاء، بما يسمح للمستخدمين بالتصويت والاستثمار في مستقبل الشركة، مشيرة إلى أنه "حتى في مواجهة هذا القمع والمعاملة غير العادلة، ستستمر منصتنا في العمل كالمعتاد".
(فرانس برس، العربي الجديد)