فجأة وبلا مقدمات أطلق رئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، يوم الثلاثاء الماضي تصريحاً مثيراً ولافتاً للانتباه، قال فيه إن "صغار الموظفين في الحكومة ومختلف الجهات يمثلون أزمة ومعاناة للجهاز الحكومي، وإنه يجب التحول للإدارة الإلكترونية للخلاص من هؤلاء العمال غير المدربين الذين تم تعيينهم".
البعض تعامل مع هذه التصريحات على أنها كلام عابر أطلقه رئيس البرلمان في إطار تخفيفه من حدة الأزمة التي خلفتها تصريحات وزير البيئة، خالد فهمي، والتي وصف فيها صغار الموظفين بوزارة البيئة بالجرذان، أي الفئران، لكن تصريحات علي عبد العال تحمل دلالات خطيرة سواء من حيث التوقيت أو المغزى والمضمون.
فمن حيث التوقيت، لا يمكن الفصل بين تصريحات علي عبد العال، حول ضرورة الاستغناء عن صغار الموظفين في الحكومة، وبين قرب وصول بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة والتي من المقرر أن تحل يوم الخميس القادم لإجراء المراجعة الثالثة لما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، بخاصة أن الصندوق يضغط على الحكومة المصرية لإنجاز عدد من الملفات العالقة أبرزها:
الأول: تحرير سعر الوقود كاملاً، وبيع المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز للمواطن بحسب الأسعار العالمية، وهذه الخطوة تم الاتفاق عليها بالفعل خلال لقاء وفد مصري رفيع المستوى بكبار مسؤولي صندوق النقد الدولي جرى بالعاصمة الأميركية واشنطون قبل ايام.
الثاني: تطبيق قانون الخدمة المدنية الذي سيتم من خلاله تقليص عدد العاملين بالجهاز الإداري، للدولة عبر الاستغناء عن مئات الآلاف من الموظفين تحت مزاعم عدة منها عدم الكفاءة والكسل، وأن هؤلاء لا يمثلون قيمة مضافة للمجتمع، بل يمثلون عبئاً شديداً على الموازنة العامة وإيرادات الدولة، ولذا نتوقع إطلاق حملة إعلامية منظمة ضد موظفي الدولة خلال الفترة المقبلة للتمهيد لخطوة الاستغناء عن هؤلاء.
رئيس البرلمان يريد بتصريحه أيضا أن يبعث برسالة قوية لبعثة صندوق النقد الدولي، تقول إن السلطة التشريعية تساند مطالبكم وإملاءاتكم حتى وإن وصلت إلى أبعد مدى وهو فصل مليون موظف من العاملين بالجهاز الإداري للدولة، ليتراجع العدد إلى 5 ملايين موظف كما هو مخطط، وأن البرلمان سيساند الحكومة في هذه الخطوة الحساسة والمرفوضة شعبياً وقد تلقى مقاومة شديدة من قبل الرأي العام، بل وستكون البداية بموظفي البرلمان أنفسهم، وهذا ما يبرر قول عبد العال، في نفس التصريحات المثيرة إن لدينا في البرلمان 3300 موظف، وهو عدد كبير جدا ويعوق العمل، وأن البرلمان الدولي يرى أن 500 موظف فقط من إجمالي هؤلاء قادرون على القيام بالعمل المطلوب.
ومن حيث التوقيت أيضا، لا يمكن الفصل بين تصريحات رئيس البرلمان وقرب احتفال مصر بعيد العمال، فالرسالة التي يبعث بها "عبد العال" تقول بوضوح إن الدولة لا تخشى العمال، وأنها تلوح بفصلهم حتى في قمة الاحتفال بهذا الحدث العمالي السنوي.
ومن هذه الرسالة تنبع رسالة أخرى فرعية يبعث بها "عبد العال" وهي أن على العمال الكف عن المطالبة بتحسين الأجور وزيادة الحوافز خلال الاحتفال بعيدهم، فيكفيهم أن الحكومة ستبقي عليهم في مواقعهم ولن تفصلهم من وظائفهم.
ببساطة، رئيس البرلمان المصري يمهد الرأي العام بقبول فكرة الاستغناء عن الآلاف من موظفي الدولة، ومن لم يخرج من وظيفته بقانون الخدمة المدنية الصادر في العام 2016، فليخرج بفتوى مجلس الدولة الصادرة يوم 28 أبريل الجاري وتقضي بجواز فصل الموظف من دون إنذار لانقطاعه عن العمل.
ومن لم يخرج بتحاليل المخدرات التي سيتم إجراؤها على العاملين بالجهاز الإداري للدولة وسيتم من خلالها إيقاف أي موظف يثبت تعاطيه المخدرات عن العمل، سيخرج بالعصا الأمنية الغليظة، فقانون الطوارئ جاهز.