فضيحة فساد جمركي في سورية.. كيف خدع مكتب مقرّب من أسماء الأسد عشرات الموظفين والتجار؟

20 نوفمبر 2023
الضحايا خدعهم مكتب الليث للتخليص الجمركي المرتبط بمقرب من زوجة الأسد (Getty)
+ الخط -

ضجت الصفحات والمواقع المقربة من النظام السوري قبل نحو شهر، وتحديداً في 22 أكتوبر/تشرين الأول، بما وصفته بأكبر عملية قبض على متورطين بقضية فساد جمركي في سورية، أُلقي خلالها القبض على أكثر من 140 مواطنا بين موظف وتاجر، بتهمة تزوير بيانات جمركية واختلاس 200 مليار ليرة سورية، وأودع 60 منهم السجن فيما طُرد 83 آخرون من وظائفهم.

وقررت جمارك النظام آنذاك إيقاف أكثر من 10 شركات تعمل في التخليص الجمركي عن العمل بسبب قضايا فساد، وإدخال بضائع بقصد الترانزيت ثم تهريبها كلياً أو تهريب جزء منها للسوق المحلية أو إدخال بضائع للسوق المحلية ثم تهريبها عبر متابعة شحنها، بطرق غير نظامية.

معلومات حصل عليها "العربي الجديد" عبر مصادر مطلعة أفادت بأن الموقوفين ضحايا خدعهم مكتب الليث للتخليص الجمركي والذي يتبع للمدعو خضر طاهر المشهور بلقب أبو علي خضر المقرب من زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، بالشراكة مع مدير الجمارك ومعاونه.

وبحسب المصادر، فإن مكتب الليث الجمركي زور كتبا صادرة عن المصرف المركزي، ومُررت من قبل إدارتي المصرف المركزي والجمارك العامة من دون تدقيق، مشيراً إلى تورط واضح لمدير الجمارك ماجد عمران ومعاونه خالد عبيد.

وأضافت المصادر أن فرع أمن المعلومات في إدارة الأمن الجنائي في دمشق أجبر التجار والموظفين الموقوفين تعسفياً على الاعتراف بأمور لم يقترفوها ووثقها بطلب من مدير الجمارك العامة بهدف طمس الحقائق والتستر على عمليات التزوير التي قام بها مكتب الليث، وبالتالي ضمان إفلاته وإفلات معاونه والمكتب الجمركي من المساءلة، وإثبات التهمة على هؤلاء التجار والموظفين الموقوفين الذين لا علم لهم بالتزوير أساساً، وإنهم لا يمتلكون حق التدقيق أو الختم والتوقيع على اعتبار أن الكتب صادرة من جهات عليا وهم مجرد موظفين مهمتهم التنفيذ فقط.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

مصدر من الجمارك في محافظة درعا أوضح أن التجار بعد إدخال بضائعهم عبر معبر نصيب يقومون فوراً بتسليمها للجمارك أصولاً عبر مكتب الليث للتخليص الجمركي للمصالحة عليها وفق القوانين والأنظمة المعتمدة، نافياً أي علاقة لهم بالتزوير.

كما أكد أن مكتب التخليص يتلاعب بأرقام البضائع والبيانات الجمركية في صور لكتب صادرة عن المصرف المركزي، مشيراً إلى أن هذه الصور مرفقة بالأضابير تمر على مدير الجمارك ومعاونه ثم تمرر عن طريق رؤساء الأقسام والموظفين الذين ليس لهم أي صلاحيات بالتدقيق وتقتصر مهامهم على تخريج البضائع وفق الأوامر الصادرة من الإدارة.

وبيّن المصدر أن مكتب الليث يمارس تزوير البيانات الجمركية منذ زمن طويل، وأن العديد من التجار الذين يدخلون بضائعهم عبر معبر نصيب شككوا بالبيانات الجمركية لبضائعهم، نافياً أن يكون هنالك إمكانية لتورط موظفي المصرف المركزي أو الجمارك في مثل هذه المبالغ الكبيرة.

وأكدت مصادر مقربة من أحد التجار الكبار في سورية والذي وقع ضحية عملية تزوير البيانات الجمركية الخاصة ببضاعته، من قبل المكتب ذاته وتم تمريرها من قبل إدارة الجمارك، أن هذا التاجر سيقوم مع مجموعة من التجار بالادعاء على مكتب التخليص الجمركي، وأن لا علاقة لرؤساء الأقسام وللعاملين في جمارك درعا بالقضية.

ووفقاً للمصدر، فإن النائب العام في دمشق يعتبر أن هذه القضية قضية إهدار مال عام، ساهمت بانخفاض سعر صرف الليرة والانهيار الاقتصادي، محملاً الموظفين الذين لا قرار لهم وليس لهم شأن به، متجاهلا كل السرقات على أعلى المستويات بانفصال تام عن الواقع.

وفي الرابع عشر من الشهر الحالي وفي جلسة لمجلس الشعب، طالب أعضاء المجلس من وزير المالية كنان ياغي بالإفصاح عن نتائج حملة مكافحة الفساد في مديرية الجمارك العامة، ليؤكد الأخير أنه تم طرد 83 موظفاً من الجمارك العامة، وبات نحو 60 منهم في سجن عدرا.

 تصريح الوزير لقي موجة من التعليقات الساخرة، إذ قال المواطن عامر. د لـ"العربي الجديد": "حكومتنا عوراء لا ترى إلا بعين واحدة، لذلك فإن السرقات الكبيرة أوسع من مجال رؤيتها، والسرقات الأصغر لا يُرى مرتكبوها لأنهم مرتبطون بكبار اللصوص، لذلك تحال القضايا ويتم تلبيسها للموظفين والمواطنين الذين لا ظهر لهم".

فيما علق "سمير. ك" قائلاً: 200 مليار ليرة تسبب أزمة اقتصادية وانهيار للعملة والوضع المعيشي!! إذاً يسار ماذا يسبب؟ (في إشارة ليسار ابراهيم أحد حيتان المال التابعين لأسماء الاسد). مضيفاً: البلد يعثو فسادا، ودائما ما يتم حماية اللصوص الكبار بتوريط واتهام صغار الموظفين.

الناشطة الحقوقية سلام عباس (اسم مستعار) قالت لـ"العربي الجديد" إن "ما يحصل في هذه القضية ليس خارجاً عن سياق الوضع السوري منذ نشأة منظومة الفساد، القوانين مخترقة ومفصلة على قياس السلطة وأذرعها الاقتصادية، طرق الهروب والالتفاف كثيرة طالما أن السلطة القضائية تحت يد السلطة التنفيذية التي تشرع وتقضي، وهذه القضية حلقة مكررة لمسلسل سوري طويل في ظل نظام يعتمد أساليب قد لا تخطر على بال أكثر عصابات العالم تنظيماً، فقبل ثلاثة أشهر وقع موظفون وخمسة تجار من جمارك اللاذقية ضحايا لقضية مشابهة، وتم إيداعهم السجن بتهمة تزوير مستندات من مصرف سورية المركزي، فيما أفلت اللصوص الحقيقيون من القضاء".

وسألت: "من يجرؤ أن ينظر بعين الريبة أو أن يشير بأصابع الاتهام للمرتبطين بأقطاب السلطة؟ من يجرؤ أن يعتقل أبو علي خضر وهو أحد أذرع السيدة الأولى وجابي أموالها؟".

المساهمون