فساد بالجزائر رغم الحراك... تضخيم تكاليف المشروعات 900% وتهرب ضريبي بالمليارات

29 ديسمبر 2021
من تظاهرات إسقاط نظام بوتفليقة (فرانس برس)
+ الخط -

كشف مجلس المحاسبة الجزائري في تقريره السنوي، تجاوزات وفسادا غير مسبوق تزامن مع سقوط نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2019، حيث حمل التقرير الذي رفعه المجلس للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وللبرلمان، أرقاماً مهولة حول المال العام المُبدد في موازنة 2019، وبلوغ التهرب الضريبي مستويات فاقت توقعات الحكومة.

وحسب التقرير الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، سجل مجلس المحاسبة قفزات في تقييم تكاليف المشاريع الحكومية بنسبة لامست 900%، حيث أنفقت الحكومة قرابة 9 تريليونات دينار (حوالي 64 مليار دولار)، منها 2.6 تريليون دينار لمشاريع مسجلة في موازنة 2019 التي تقدمت بها آخر حكومة في عهد بوتفليقة برئاسة أحمد أويحيى المسجون في قضايا فساد.

وأشار التقرير الذي ينتظر عرضه على نواب البرلمان مطلع الأسبوع القادم، إلى أن هذه المشاريع أشرف على تنفيذها الحكومة المؤقتة بقيادة نور الدين بدوي الموضوع تحت الرقابة القضائية في قضايا فساد وتبديد المال العام.

ديون كبيرة

كما كشف مجلس المحاسبة عن تسجيل ديون كبيرة غير مُسواة بالنسبة للصناديق الخاصة إلى غاية نهاية 2019، وهو ما أثر على تسيير مخططات عمل الحكومة، حيث تجاوزت قيمتها 5 تريليونات دينار (36 مليار دولار)، بزيادة بلغت نسبتها 12% مقارنة بعام 2018، وهي الديون التي بدأت تتراكم منذ مرض بوتفليقة مطلع 2013.

ومست الديون، الصندوق الجزائري لدعم القروض المصغرة، والصندوق الوطني لتأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعم الاستثمار وترقية التنافسية الصناعية، بالإضافة إلى الصندوق الجزائري للثروة الزراعية، صندوق التضامن لأفراد الجالية الجزائرية المعوزين المتوفين في الخارج، ووكالة دعم الاستثمار وغيرها من الصناديق الخاصة التي فُتحت بمراسيم رئاسية في سنوات ماضية.

ويكشف عضو مجلس المحاسبة والمستشار الحكومي، عبد الرحمان مبتول في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "إعادة تقييم تكاليف المشاريع في القانون الجزائري محددة بـ 20% على الأكثر من التكلفة الأولية للمشروع المُصادق عليها، إلا أن تدقيق مجلس المحاسبة وجد لدى مراجعته ان هناك زيادة بـ 900% لتكاليف بعض المشاريع.

يوضح مبتول أن "هناك حالات لقفزات التكاليف المرصودة، منها مشروع لإيصال مياه الشرب بين محافظات الطارف وتبسة وسوق الأهراس شرقي الجزائر، والتي وصلت إلى 9.7 تريليونات دينار مقابل 97 مليار دينار سابقاً، وهو أمر غير مقبول ولا ندري كيف لوزارة الموارد المائية أن تقبل بدفع هذا المبلغ وهذه المراجعة للتكلفة نهاية 2019".

ويقول إنّ "إعادة تقييم المشاريع الحكومية تعد من أهم طرق تبديد المال العام، ونهب الأموال، كما وجد مجلس المحاسبة مشكلة أخرى تتمثل في عدم إكمال الوزارات لميزانيتها، ووجود نفقات غير مبررة في العديد من القطاعات وشراء عتاد غبر إجباري، كتجديد حظيرة السيارات الخاصة بالوزراء، والخروج في مهمات عمل بمصاريف مضاعفة، وكل هذا غير مبرر بفواتير".

بؤر عدة للفساد

وتتزامن تدقيقات مجلس المحاسبة في السنة التي شهدت فيها الجزائر حراكا شعبياً أسقط نظام بوتفليقة الذي تقدم مطلع سنة 2019، لعهدة رئاسية خامسة رغم وضعه الصحي الذي منعه من الظهور منذ 2013، ما يدفع للتساؤل حول وجود بؤر عدة للفساد لم يكبحها الحراك الشعبي ولا القضاء.

وفي سياق إهدار المال العام، يكشف مجلس المحاسبة أيضا عن ضعف كبير في التحصيل الجبائي لسنة 2019، وهو ما رفع من ديون الضرائب والرسوم لتبلغ ما يقرب من 4.9 تريليونات دينار (حوالي 35.1 مليار دولار)، مشيراً في تقريره إلى أنّ حجم التهرب الضريبي ودفع الرسوم سجل ارتفاعاً بمعدل 8.44% .

ويلفت إلى أنّ التدابير المتخذة في تحصيل الضرائب أثبتت عدم جدواها، حيث لم يتجاوز المبلغ المحصل في 2019 حوالي 101 مليار دينار، بما يعادل نحو 2% من المبلغ المتبقي.

ودفعت الأزمة المالية التي تمر بها الجزائر الحكومة في السنوات الأخيرة، إلى التعويل على الإيرادات الضريبية لتدبير احتياجات الموازنة العامة للدولة.

وبقيت أرقام الضرائب غير المحصلة ورقة ضغط في يد المعارضة السياسية التي تستعملها في وجه الحكومة عند كل زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية، حيث تطالبها بتحصيل الديون الضريبية لدعم الخزينة العمومية عوض التوجه لرفع الأسعار.

ويرى النائب البرلماني عن حزب البناء الوطني عبد الهادي عوار، أن "الحكومة تثبت مرة أخرى فشلها في مجال تحصيل الضرائب ومعاقبة المتهربين من رجال الأعمال، إذ لا يعقل أن تفشل الحكومة في أي دولة بالعالم في تحصيل مبلغ يفوق 30 مليار دولار من الضرائب، في عز الأزمة المالية، في حين تذهب لفرض مزيد من الضرائب على العمال والمواطنين البسطاء التي تقتطع مباشرة من رواتبهم أو عبر فواتير الكهرباء والغاز".

امتيازات لعائلات الوزراء

ويقول عوار لـ"العربي الجديد" إن "قضايا الفساد المفتوحة اليوم، وما ترتب عنها من سجن لرجال أعمال ووزراء، كشفت لماذا ارتفعت الضرائب غير المحصلة، بفضل الامتيازات الممنوحة لشركات رجال الأعمال وعائلات الوزراء".

ويضيف: "كان بإمكان الحكومة تحصيل 50% من الضرائب غير المحصلة، عوض التوجه نحو التمويل غير التقليدي للخزينة العمومية من البنك المركزي ما أدى إلى ارتفاع التضخم".

في المقابل، يعتبر الخبير المصرفي والمسؤول السابق في وزارة المالية، رياض بوراس، أنّ "هذه الديون يستحيل تحصيلها وهي تملأ حسابات وتقارير الإدارة المالية منذ أكثر من 13 عاماً".

ويقول بوراس لـ"العربي الجديد" إنّ أغلب الديون الضريبية، عبارة عن ديون مستحقة على كيانات مفلسة ومنها مصرف "الخليفة بنك" و"بي سي يا" مشيراً إلى أنّه بالإضافة إلى هذا العامل هناك ضعف في المنظومة الضريبية والآليات القانونية التي تسمح لها بتحصيل الديون كما هو الحال في الدول المتقدمة.

المساهمون