- يناقش تأثيرات حرب الطاقة على الاقتصاد العالمي، مؤكدًا على أهمية أمن الطاقة والتحديات القانونية والسياسية المتعلقة باستغلال حقول الغاز، خصوصًا في المناطق المتنازع عليها.
- يتطرق إلى الدور الاستراتيجي لخطوط أنابيب الغاز في ضمان إمدادات طاقة مستقرة، مشددًا على أهمية التعاون الإقليمي والدولي لتعزيز الأمن القومي والاقتصادي.
أكد خبير الطاقة الإيطالي البارز والباحث بمؤسسة "RIE" الإيطالية لأبحاث الصناعة والطاقة، فرنشيسكو ساسي، في مقابلة مع "العربي الجديد" أن مشاركة شركات عالمية وعربية تضفي الشرعية على عمليات التنقيب الإسرائيلية عن الغاز في غزة.
وفيما يلي نص الحوار:
*بداية، ما هي فرص وإمكانيات ظهور اكتشافات جديدة للغاز الطبيعي في البحر المتوسط؟
لقد عادت اكتشافات الغاز في البحر المتوسط، خلال العقدين الماضيين، إلى الواجهة خاصة في الحوض الشرقي للبحر، وبصفة خاصة على طول سواحل دول مثل مصر وقبرص وإسرائيل وسورية ولبنان.
وحول هذه الدول تركز اهتمام الشركات العالمية بحثاً عن احتياطيات يسهل على دول الجوار استغلالها ومن شأنها تغذية الاقتصادات المحلية. وعلى أية حال، فقد شهد العقد الماضي تسارع وتيرة السباق لاكتشاف احتياطيات جديدة إثر سيناريو دولي وجيوسياسي تكتنفه حالة من التوتر المتنامي.
والحقيقة هي أن ضم شبه جزيرة القرم من قبل الاتحاد الروسي، وما تلاه من غزو لأوكرانيا واتساع نطاق العقوبات الدولية بين الغرب وروسيا، كل ذلك ربما جعل من الغاز الطبيعي المصدر الأكثر أهمية في الإطار الجيوسياسي للطاقة في القرن الحادي والعشرين.
*ماذا عن تأثيرات حرب الطاقة على الاقتصاد العالمي من وجهة نظرك؟
في هذا السياق، حيث يمثل أمن الطاقة وعملية تحولها حجري الزاوية اللذين يجب على كل دولة أن تبني عليهما استراتيجية الطاقة الخاصة بها، فإن توفر الغاز وقيمته وتجارته لها تأثير مباشر على الأمن الاقتصادي للدول.
ولهذا السبب، اكتسبت احتياطيات الغاز الموجودة في البحر المتوسط قيمة استراتيجية هائلة في السياق الحالي. وبناء على كيفية استغلال هذه الاحتياطيات، تتحدد مستويات جديدة من القراءة والتحليل للصدام السياسي الدائر حالياً في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
*كيف تقرأ محاولات إسرائيل الاستيلاء على المزيد من حقول الغاز بما فيها تلك الواقعة في المياه الإقليمية لغزة وبعض الدول العربية؟
الحقيقة هي أن خيار إسرائيل الأخير بجذب مستثمرين جدد إلى منطقتها البحرية وبالتالي زيادة إنتاج الغاز في المستقبل، وتصديره إلى مختلف الأسواق المجاورة، بما في ذلك السوق الأوروبي، يحدد بوضوح موقف دولة إسرائيل في ما يتعلق بسيادتها على المياه الإقليمية المحيطة بها، وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وهو موقف متناقض مع موقف السلطة الفلسطينية، التي ترفض تخصيص هذه المناطق للشركات الدولية، في ظل احتجاجها تحديداً على سيادة إسرائيل على مسطحات المياه قبالة سواحل غزة. وفي هذا الإطار، فإن المشاركة الكبيرة لشركات عالمية، وبينها ليس فقط شركات أوروبية وإنما أيضاً شركات لدول عربية مختلفة، هذه المشاركات تثير شكوكاً وعلامات استفهام تمتد من المجال الاقتصادي/المالي وصولاً إلى المجال السياسي والجيوسياسي.
واقع الأمر أن مشاركة شركات عالمية ذات أهمية بالغة تضفي الشرعية على الموقف الذي تتخذه إسرائيل وتدعم عمليات التنقيب والاكتشافات المستقبلية في المنطقة. إن الاستغلال المستقبلي لهذه الحقول قد يخلق العديد من المشاكل من الناحية القانونية والاقتصادية والمالية، فضلا عن عواقب سياسية مهمة قد تطاول الشركات العالمية المشغلة لهذه الحقول في دول مختلفة.
ولدى بعض هذه الدول مواقف غير متوائمة بشأن مسار الحرب في غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما أن لها انحيازات مختلفة أيضاً بشأن الصدام الذي يزداد سخونة بين إسرائيل وإيران بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشق والهجوم الإيراني ليلة 13 إبريل/نيسان الجاري.
*ما هي تداعيات حرب غزة على أنشطة خطوط أنابيب الغاز في البحر الأبيض المتوسط ونقله إلى أوروبا؟ وما هي الآفاق المستقبلية لهذه المشاريع؟
من المفارقات، وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لحقول الغاز في البحر المتوسط، وخاصة في الحوض الشرقي، أن أنشطة استغلال هذه الحقوق باتت محفوفة بمخاطر أكبر بكثير.
وبعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وما تلاها حتى يومنا هذا، فإن المخاطر الاقتصادية والمالية، علاوة على المخاطر السياسية المنبثقة من السياق الإقليمي، تجعل مشاريع البنى التحتية أكثر عرضة للأخطار وتجعل علاقات التبعية المرتبطة بالطاقة أكثر تسييساً في منطقة البحر المتوسط بأسرها.
ويحضرني في هذا المقام، خط أنابيب غاز شرق المتوسط EastMed، الذي يتضمن تعاوناً أعمق بين قبرص وإسرائيل ومصر على النحو الذي تقترحه المذكرة التي وقعها الاتحاد الأوروبي في صيف عام 2022، أو الأزمة المصرية الناتجة عن مشاكل حقل ظهر التي حولت البلاد من مصدر إلى مستورد للغاز الطبيعي.
ومن المفيد، في هذا السياق، إعادة التأكيد على أن أزمة الطاقة والتوترات الدولية بين القوى العظمى وتفتت سلاسل الإمداد الدولية، دفعت الإطار الجيوسياسي للطاقة لأن يصبح مكوناً أساسياً في رسم السياسات واستراتيجيات الأمن الاقتصادي والوطني.
*نرجو إلقاء الضوء على خطوط أنابيب الغاز في البحر المتوسط من حيث: أهميتها الاستراتيجية وتأثيراتها على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية وعلى العلاقات بين ضفتي البحر والقوى الإقليمية والعالمية الأخرى، وما هي الآفاق المستقبلية لتطويرها وتوسيعها، ودورها في عملية تحول الطاقة؟
تُعتبر البنى التحتية للطاقة الموجودة في البحر المتوسط وفي بحر الشمال وتلك التي تربط حوض بحر قزوين بأوروبا، أساسية بالنسبة لإيطاليا. فبعد تقليص أوروبا اعتمادها على الغاز الروسي وانهيار إمدادات النفط، وتخريب خط "السيل الشمالي" وحادث خط "بلطيق كونيكتور"، عادت خطوط أنابيب الغاز والنفط مجدداً لتكون محور اهتمام جميع الدول الأوروبية.
ليس هذا فحسب، فقد اكتسبت هذه البنى التحتية أيضًا أهمية ذات أولوية على المستوى العسكري، وبات الدفاع عنها عنصرًا أساسيًا للأمن القومي.
في ظل منظومة تفتقد بقوةٍ التوازن وفي ظل أسواق شديدة التقلب والتأثر بالعولمة، فمن الممكن أن تؤدي مشاكل في إحدى البنى التحتية إلى تداعيات على المستوى العالمي في ما يتعلق بالتوازن بين العرض والطلب على سلعة ما، والتأثير بشكل مباشر على القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تُعتبر حاسمة لأي نظام سياسي. وإيطاليا، التي تقع في قلب البحر المتوسط، تشكل مفترق طرق مثالياً للبنى التحتية التي تربط أوروبا بكل من أفريقيا وحوض بحر قزوين.
والحقيقة هي أن روما ترغب بشكل معلن أن تترشح لتصبح مركزًا للطاقة لمنطقة البحر المتوسط بأكملها وحزامًا للطاقة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا.
ويُنظَر إلى مسألة الطاقة على أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقضية الهجرة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التغير المناخي وعدم توافر الجانب الأمني للطاقة يمثلان عاملين حاسمين لخلق تدفقات هجرة جديدة من شأنها جلب آلاف، إن لم يكن ملايين، من الأفراد من أفريقيا في غضون العقود المقبلة بحثاً عن أوضاع معيشية أفضل في أوروبا.
ن المفارقات، وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لحقول الغاز في البحر المتوسط، وخاصة في الحوض الشرقي، أن أنشطة استغلال هذه الحقوق باتت محفوفة بمخاطر أكبر بكثير
وعلى الرغم من ذلك، فإن علاقات التبعية الجديدة هذه يجب أن تتضمن وعيًا أكبر بالمسؤوليات السياسية والاجتماعية المرتبطة بها. في أفريقيا، كما هو الحال في الشرق الأوسط والقوقاز.
*ما هو دور البنى التحتية للتخزين والتوزيع المرتبط بخطوط أنابيب الغاز في البحر المتوسط في ضمان إمدادات طاقة مستقرة وموثوق بها لإيطاليا ودول الضفة الجنوبية؟
يشكل دور البنى التحتية للتخزين ومحطات الغاز الطبيعي ومحطات إعادة الغاز أولوية مطلقة اليوم، سواء لإدارة التقلبات المتزايدة في الأسواق أو التعويض عن النقص في الإمدادات المسجل مع انقطاع الإمدادات من الاتحاد الروسي.
وفي هذا السياق، فإن سوق الغاز الأوروبي مرشح ليصبح رمانة الميزان الجديدة في عولمة السوق على وجه التحديد بسبب قدرته العالية على الإنفاق في ما يتعلق بالواردات وتعريف السعر الهامشي في سوق الغاز الطبيعي المسال، وذلك بفضل الدور الذي لعبه مؤشر TTF على وجه الخصوص في هذه الأزمة.
ومع ذلك، فإن التوازن في الأسواق لا يزال غير محدد المعالم. هذا ما نراه من خلال تقلبات الأسعار الأخيرة، في أعقاب التوترات في الشرق الأوسط والبحر الأحمر، وكذا من خلال المنافسة، التي لا تزال قائمة، بين إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال المنقول بحراً.
الشاهد أن أزمة الطاقة الحالية وتقلب الأسواق سوف تستمر في إفراز عوامل خطر كبيرة في بناء محطات باهظة التكلفة، وبنى تحتية للتوزيع ضرورية لنقل الغاز الطبيعي إلى مراكز الاستهلاك.
وسوف تجد إيطاليا، المرشحة لتكون مركزًا للطاقة في قلب البحر المتوسط، نفسها تلعب دورًا في الخطوط الأمامية في هذا السيناريو الذي يمكن أن يحقق منافع جمة، ولكنه ينطوي أيضًا على مخاطر هائلة على أمن الطاقة وعملية تحولها على المستويين الوطني والأوروبي.