قيود كورونا في فرنسا تضرب حي الأعمال الأكبر بأوروبا

04 نوفمبر 2020
حضور الموظفين انخفض بنسبة 40 % بعد انتهاء الحجر(فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد حي لا ديفانس الواقع عند مدخل باريس خليّة نحل كما عهده الفرنسيون، إذ إن جائحة كوفيد-19 أحدثت تحوّلاً في طبيعة نشاط أكبر منطقة للأعمال في أوروبا، كانت حتى الأمس القريب تضجّ بحركة لا تهدأ.
وتبدو مكاتب شركة "فريلانس.كوم" التي تبلغ مساحتها نحو 1200 متر مربع، شبه مهجورة، مشتاقة إلى الموظفين المائتين الذين يشغلونها عادةً في الطبقة الثامنة عشرة من مبنى "لا غراند آرش" الشهير في لا ديفانس، إذ طبقت الشركة تدابير الحجر منذ اكتشاف إصابة بفيروس كورونا الجديد في أحد فرق عملها.
ويقول المدير العام للشركة لوران ليفي إن الأفق ليس واضحاً بالنسبة إلى أثر الجائحة على الأعمال سنة 2021.
وتبلغ مساحة هذا الحيّ الذي شيّد في ستينيات القرن العشرين، 564 هكتاراً، ويضمّ 500 شركة تبلغ مساحة مكاتبها 3,7 ملايين متر مربّع.

وأشارت مؤسسة باريس- لا ديفانس العامة، المولجة إدارة هذا الحي، قبل إعادة تدابير الإغلاق في فرنسا أخيرا، إلى أن حضور الموظفين الـ180 ألفاً العاملين فيه انخفض بنسبة 40 في المائة، منذ انتهاء الحجر في أيار/مايو الفائت.
ويلاحظ رباح قِدري، وهو مسؤول عن قسم في أحد المصارف الكبرى في لا ديفانس، أن "ما بقي ليس كثيراً" من هذا الحي الذي يضم مصارف ومقار أكبر أربعين شركة فرنسية إضافة إلى شركات عالمية.
اتجاهات سير مفروضة 
مع اعتماد العمل مِن بُعد والإجراءات الوقائية واتجاهات السير المفروضة، لم يعد الموظفون "يوجدون في مكان واحد في الوقت نفسه" في المكتب الذي يعمل فيه قِدري، مما يؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية بينهم، وإلى إبطاء وتيرة العمل.

ويشرح الشاب الثلاثيني الذي يداوم يومين أو ثلاثة أسبوعياً؛ "إذا أردت أن أذهب لرؤية زميلي أنطوان الذي يقع على بعد ثلاث كراسٍ ورائي، عليّ أن أجتاز مسافة صالتين".
في برج آخر من هذا الحي تتخذه شركة عملاقة في قطاع الطاقة مقراً، يلاحظ محمد أن المناخ تغيّر جذرياً في لا ديفانس، حيث يعمل منذ 17 عاماً في تنظيف المكاتب.
ويوضح قائلاً: "قبل الجائحة، كان الموظفون يرتشفون القهوة معنا، وكانوا يضحكون. أما الآن، فلا شيء سوى العمل ثم العمل ثم العمل، لقد أصبح الناس حذرين".
ألقت الجائحة بحمل ثقيل على العاملين في مجال الصيانة. ويقول محمد: "نحن في خط الدفاع الأول. ممنوع أن نخطئ. إذا نسينا أن نضع صابوناً في دورات المياه، يعلم بالمسألة كبار المسؤولين". وكزملائه، يخشى أن يصاب بالعدوى، لكنّه يقول: "لا خيار لدينا. علينا أن نعمل".

وتتمثل مهمة محمد ورفاقه في "تطمين" العاملين في الشارع. ويشرح: "يجب أن يرى الناس أننا في كل مكان، وأن نعقّم المصاعد والمكاتب".
وعند استراحة الغداء، يسارع محمد إلى تعقيم كل شي، كلوحة مفاتيح الكمبيوتر والطاولات والفواصل الزجاجية بين المكاتب.
ويفضّل رباح قدري من جهته تجنّب المقصف الذي لم يعد مكاناً للقاء كما كان، إذ ينبغي حجز مكان فيه قبل أسبوع، لوقت يقتصر على نصف ساعة.
لكنّه يقصد مع زملائه بين الحين والآخر مطعماً قريباً لتناول طعام الغداء. ويقول: "نحاول أن نأكل معاً في المطاعم، لكي لا نضطر إلى وضع الكمامات".
أما مدير المطعم جوزيه لوك فيذكّر بأن الشارع "كان نابضاً بالحياة، لكنّ كل ذلك انتهى".
إعادة تصميم المكاتب 
أدرك الموظفون أن عهد الحضور إلى المكتب بات قريباً من نهايته. ويلاحظ قدري أن "الجائحة أظهرت أن العمل يمكن أن يكون بالفاعلية نفسها من أي مكان"، مؤكداً استعداده "للعمل من مكان آخر غير المكتب براتب أقل ولكن بنوعية حياة أفضل".

ويشكّل ذلك فرصة أمام الشركات لخفض نفقاتها، إذ قد يجعلها تستأجر مكاتب ذات مساحات أصغر، كما فعلت بعض الشركات الكبرى في حيي الأعمال في لندن ومانهاتن.
أما في لا ديفانس، فثمة أربعة أبراج جديدة قيد البناء، أحدها يبلغ ارتفاعه أكثر من 200 متر.
وتعتقد شانتال ريسغييه، وهي مديرة شركة استشارات عقارية متخصصة في المجال الفندقي، أن "من الضروري إعادة تصميم المكاتب" لكي تتلاءم مع الواقع الجديد.

وهل يعود لا ديفانس إلى سابق عهده من الحركة والنشاط؟ تقول إن هذا الأمر ليس مؤكداً، فيما يتجه العالم إلى إجراءات أكثر فأكثر تشدداً مع العودة إلى تطبيق الحجر مجدداً.


(فرانس برس)
 

المساهمون