خبير الطاقة الإيطالي فرانشيسكو ساسّي: مشروعات توسعة حقل الشمال تبوئ قطر قمة الغاز المسال في العقد المقبل
استمع إلى الملخص
- التنافس مع الولايات المتحدة يشكل تحديًا أمام قطر، لكنها تعزز شراكاتها الدولية وتوقع اتفاقيات طويلة الأمد لتأمين مصادر دخل مستقرة.
- الشراكات الاستراتيجية والاتفاقيات الدولية تعزز من دور قطر كمورد رئيسي للغاز، مع التعاون مع شركات عالمية لزيادة الكفاءة وتأمين الصادرات.
قال خبير الطاقة الإيطالي البارز، فرانشيسكو ساسّي، إن "قطر تعتزم، منذ فترة، أن تصبح قوة عظمى في مجال الغاز الطبيعي. والحقيقة هي أن خطة التوسع المعلن عنها من أجل زيادة الإنتاج من 77 إلى 142 مليون طن سوف تؤدي بصفة جوهرية إلى مضاعفة إنتاج وصادرات الغاز الطبيعي المسال في بلد لم يبد، على عكس الآخرين، ترددا في الاستثمار بشكل مستمر وبعد نظر في هذا القطاع".
وأوضح ساسّي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن "التحدي المؤكد، من هذا المنظور، هو مع الولايات المتحدة، المنهمكة بدورها في العديد من المشاريع لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال في المستقبل القريب. وهكذا، فسوف تكون قطر والولايات المتحدة هما اللاعبان الرئيسيان لسوق الغاز الطبيعي المسال في العقد المقبل، وستمتلكان بفضله أداة دبلوماسية بالغة الأهمية في كل من آسيا وأوروبا، السوقين العالميين الرئيسيين".
وأعلن وزير الدولة لشؤون الطاقة، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للطاقة، سعد بن شريدة الكعبي في أواخر فبراير/شباط الماضي عن عزم الشركة الوطنية زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي بنحو 85%، مقارنة بكميات الإنتاج الحالية، من خلال استغلال "حقل الشمال الغربي" في منطقة رأس لفان. وأبرمت "قطر للطاقة" اتفاقيات للاستكشاف والإنتاج مع عدد من الدول في مختلف القارات، وأرست عقودا بعشرات المليارات من الدولارات لتنفيذ مشروعي توسعة حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي، اللذين سيرفعان طاقة قطر الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنويا إلى 126 مليون طن سنويا، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاجهما عامي 2026 و2027. وبإضافة حقل الشمال الغربي ستجري إضافة 16 مليون طن، ليرتفع إنتاج قطر من الغاز الطبيعي إلى 142 مليون طن سنويا.
وشدد ساسّي وهو باحث بمؤسسة "Rie" الإيطالية لأبحاث الصناعة والطاقة، على "أهمية مشاركة شركات القمة في صناعة الطاقة العالمية في مشروعي توسعة حقل الشمال الجنوبي وحقل الشمال الشرقي"، مضيفا أن "هذه المشاركة تهدف، من ناحية، إلى نقل التكنولوجيا والكفاءة الإنتاجية التي تعتبر في هذه المرحلة من التوتر في السوق عوامل محورية لمنح الثقة للصادرات القطرية، ومن ناحية أخرى، فإن الدعم الاقتصادي والمالي المنبثق عن أسهم رأس المال يقلل جزئيا من مخاطر الاستثمار بالنسبة لشركة قطر للطاقة".
أهمية الشراكة مع الشركات العالمية
وأشار ساسّي إلى أن "الاتفاقية الموقعة مؤخرا في وقت سابق من شهر يونيو/حزيران الجاري، مع شركة سي بي سي التايوانية (CPC) لتصدير 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال لمدة 27 عاما، بدءا من عام 2026، والتي تضمن أيضا للشركة التايوانية 5% من مشروع حقل الشمال الشرقي، هي المثال المتكرر الذي يثبت القدرة الكبيرة لقطر على تنويع شراكات الطاقة". وقال رئيس مجلس إدارة مؤسسة سي بي سي تايوان شون-تشين لي على هامش حفل التوقيع، إن "قطر للطاقة"، الرائدة عالميا في مجال الغاز الطبيعي المسال، لعبت دورا مهما في تلبية احتياجات سوق الغاز المحلي في تايوان على مدى العقود الماضية.
وأكد ساسّي أن "الاتفاقيات طويلة الأجل المبرمة مع شركات مختلفة، سواء في أوروبا أو آسيا، والتي يجري تسعيرها على أساس صيغ ترتبط دائما بمؤشرات النفط، هي أيضا نموذج يميز تطور مشاريع الغاز الطبيعي المسال في قطر، مقارنة بتطور المشاريع الأميركية، حيث تحظى عمليات بيع الغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية بأهمية أكبر". "وقد بدأت قطر، على ضوء هذه المعطيات، في مسار من شأنه أن يؤدي إلى أن تلعب دورا ذا أهمية قصوى في إمداد الأسواق العالمية بالغاز في غضون سنوات قليلة". ووفقا للباحث الإيطالي، الذي رأى أن "هذا سيكون له بالتأكيد تداعيات ليست فقط دبلوماسية، ولكن سياسية أيضا"، فمن ناحية، سوف يكتسب أمن الملاحة عبر المضايق أهمية أكبر لضمان تصدير الغاز الطبيعي المسال. وبالتالي فإن التوازنات في الشرق الأوسط، التي تهدمت حاليا بفعل الحرب في غزة، ستكون متغيرا مهما لاستمرارية الصادرات القطرية.
وأضاف أن "قطر أشركت، من ناحية أخرى، شركات صينية وتايوانية في تطوير مشاريعها الجديدة. وهذا من شأنه أن يوفر للدوحة أداة تحاور مهمة في آسيا، وربما أيضا، أداة لتسهيل الحوار بين بكين وتايبيه". لكن أكد أن "ذلك لا يضمن نجاح هذه المحاولات، كما أن التفاقم المحتمل للتوترات بين الصين وتايوان قد يلقي بظلاله أيضا على شراكات قطر في مجال الطاقة مع العديد من الشركاء الدوليين، حيث إن كل هذه العوامل تشكل جزءا من الملمح الجيوسياسي الجديد للغاز".
تعاظم دور قطر في إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية
في السياق، ذكرت دورية الدبلوماسية الاقتصادية، الصادرة عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية، أن مشروع زيادة إنتاج حقل الشمال الغربي، سوف يتيح لقطر، بحسب التوقعات، إسناد قطارين لتسييل الغاز الطبيعي تبلغ الطاقة الإنتاجية لكل منهما 8 ملايين طن بكميات تعادل تلك التي عُهد بها في إطار مشروع "حقل الشمال الجنوبي" إلى شركات شل وتوتال وكونوكو فيليبس، ونصف الكميات التي عُهد بها في مشروع "حقل الشمال الشرقي" لشركات إيني وشل وتوتال وإكسون موبيل وكونوكو فيليبس وسينوبك.
ورأت الدورية، في عددها الأخير الصادر في شهر مايو/آيار الماضي، أن "قطر سوف تعزز، من خلال كميات الغاز التي سوف تطرحها في السوق بناء على استغلال حقل الشمال الغربي، مركزها بصفتها المصدر الأول للغاز الطبيعي المسال في العالم، وهو المركز الذي من المنتظر أن تحتله أيضاً من خلال القدرات الاستخراجية لحقل الشمال فقط. وتطمح الدوحة إلى أن يلبي إنتاجها من الغاز الطبيعي زيادة الطلب العالمي، سواء في السوق الآسيوي أو السوق الأوروبي".
ووقّعت "قطر للطاقة"، الأحد الماضي، اتفاقية طويلة الأمد لتزويد مؤسسة إينيوس اليابانية العاملة في مجال التكرير والبتروكيماويات بما يصل إلى 9 ملايين طن من النافثا، يجري توريدها على مدى 10 أعوام، بدءا من يوليو 2024. وتندرج النافثا الخفيفة ضمن أنواع سوائل الغاز الطبيعي الخام، ويُحصل عليها خلال مرحلة معالجة الغاز بمصانع الغاز الطبيعي المُسال، وتستخدم لإنتاج الأولفينات (الإثيلين والبروبلين والبوتادايين) في المقام الأول، كما تستخدم في إنتاج البنزين في المقام الثاني.
وقال الكعبي، في منتدى قطر الاقتصادي بالدوحة في مايو/ أيار الماضي، إن بلاده لم تجد صعوبة في إبرام عقود طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال، وستوقع المزيد منها هذا العام. وأكد أن الطلب على الغاز الطبيعي سيستمر في النمو، وستكون هناك حاجة إلى مزيد من مشاريع الإمداد على مستوى العالم بعد عام 2030، مشيراً إلى أن قطر ستواصل تقييم احتياطياتها من الغاز من أجل نمو مستقبلي محتمل. وأشار الكعبي إلى أن كل الإمدادات الجديدة لن تكون كافية، لأن توسع الاقتصادات والسكان يؤدي إلى زيادة الطلب، مشيراً إلى أنّ الطاقة المولدة من الغاز توفر نسخة احتياطية موثوقة للطاقة المتجددة المتقطعة.