فخ القروض الصينية في أفريقيا... ضجة في أوغندا حول عقد يسمح لبكين بمصادرة مطار عنتيبي

30 ديسمبر 2021
جانب من مطار عنتيبي الدولي في كمبالا (Getty)
+ الخط -

لا تزال مشروعات الحزام والطريق الصينية تثير الكثير من الشكوك في الدول الفقيرة  في آسيا وأفريقيا، حيث هرعت هذه الدول إلى أخذ قروض من شركات صينية لتنفيذ مشروعات من دون أن تتأكد من الشروط المخفية في هذه القروض الصينية. آخر القضايا التي أثيرت حولها، مشروع تحديث وتوسعة المطار الدولي في أوغندا.

وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، تواجه الحكومة الأوغندية مخاطر خسارة السيطرة على مداخيل وتشغيل مطار عنتيبي، المطار الدولي الوحيد في البلاد لشركة صينية في حال عدم الإيفاء بسداد ديون قدمها بنك الاستيراد والتصدير الصيني لعمليات التوسعة والتحديث للمطار في عام 2015.

وعلى الرغم من أن موعد تسديد القرض لم يحن بعد، وأن أول أقساط القرض يحل موعده في العام المقبل 2022، إلا أن الحكومة فطنت إلى شرط في القرض الصيني لم تكن منتبهة له حينما وقّعت العقد.

وحسب "وول ستريت جورنال"، أقرض بنك التصدير والاستيراد الصيني أوغندا 200 مليون دولار بسعر فائدة 2% (وهي فائدة متواضعة نسبياً)، مع فترة استحقاق تبلغ 20 عاماً، تشمل مدة سماح أجلها 7 سنوات، ما يعني أن أوغندا لن تكون مطالبة بسداد أي شيء حتى نهاية العام الجاري.

والقرض كان مخصصاً لتوسيع وتحديث مطار عنتيبي، وتنازلت الحكومة الأوغندية عن بند الحصانة الدولية لضمان الحصول على القرض، ما يمكّن المقرض الصيني من حيازة المطار من دون اللجوء إلى التحكيم الدولي.

وهذا ما أثار ضجة، حيث ترى المعارضة أن الحكومة ضحّت بالمصلحة الوطنية لصالح الشركات الصينية. وحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، اعتذر وزير المالية الأوغندي ماتيا كاسايجا للبرلمان عن "سوء إدارة" القرض.

فيما زار وفد من المسؤولين الأوغنديين الصين، في وقت سابق، في محاولة لإعادة التفاوض على بنود اتفاقية القرض.

وأشارت تقارير إلى أن الزيارة فشلت في مرادها، حيث رفضت السلطات الصينية السماح بأي تعديل في الشروط الأصلية للاتفاق. ووفقا لهيئة الطيران المدني الأوغندية، فإن بعض أحكام الاتفاقية جعلت مطار عنتيبي الدولي وأصول حكومية أخرى ضمن آليات الوفاء بالدين، ما يعني أنها عرضة للاستحواذ عليها من قبل المُقرضين الصينيين بعد التحكيم في بكين.

وبالنظر إلى أن الاتفاق وقّع في عام 2015، مع فترة سماح مدتها 7 سنوات، فهذا يعني أن أوغندا ستظل غير مطالبة بالسداد حتى العام القادم، وبالتالي من غير المعقول تطبيق أي أحكام جزائية عليها في الوقت الراهن.

ومن الممكن بطبيعة الحال أن تتفاوض بشأن بدء السداد في العام القادم إذا كانت تشعر أنها لن تستطيع الوفاء بالدين في موعده.

في ذات الصدد، تقول صحيفة "أفريكان نيوز" إن نسبة التقدم في أعمال التوسعة وصلت إلى 75.2%، وتم الانتهاء من تدشين مدرجين بالفعل في المطار. ويعد مطار عنتيبي المنفذ الجوي الوحيد للبلاد، ويسافر أكثر من 1.9 مليون شخص عبر المطار سنوياً.

ووفق "وول ستريت جورنال"، فإن هناك عقدين وقّعتهما الحكومة الأوغندية مع الشركة الصينية، أحدهما يخص توسيع وتحديث مطار عنتيبي الدولي، وبقيمة 200 مليون دولار.

وآخر لبناء طريق سريع يربط المطار بالعاصمة كمبالا، وبعقد قيمته 125 مليون دولار، وتبلغ القيمة الإجمالية للعقدين 417.91 مليون دولار، بما في ذلك الفوائد على القروض خلال مدة 20 عاماً.

ومنذ بداية مبادرة "الحزام والطريق" المعروفة بطريق الحرير في عام 2013 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استثمرت الصين نحو 755.17 مليار دولار في مشروعات الطاقة والنقل والمباني، ومعظم هذه المشروعات تمرّ عبر دول آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

وحسب بيانات حديثة نشرتها جامعة "جورج واشنطن" الأميركية، تستثمر الصين نحو 70 مليار دولار في منطقة آسيا الوسطى وحدها، ولديها خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي. ولدى الصين خطط مستقبلية للسيطرة على المناجم والموارد المهمة والممرات المائية والجوية في أفريقيا وآسيا، ضمن استراتيجية توسيع النفوذ الاقتصادي والتجاري في الأسواق العالمية.

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا إلى طرح مشروع منافس لتحديث البنى التحتية في أفريقيا وآسيا تحت مسمى "البوابة العالمية".

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلن عن المشروع في قمة السبع في بريطانيا مؤخرا، ولكن المشروع يواجه العديد من الانتقادات، بسبب افتقاره للتمويلات الكافية، مثلما هو الحال بالنسبة لمشروعات "الحزام والطريق".

في هذا الشأن، يرى الباحث المتخصص في العلاقات الأميركية الأوروبية، بمركز مارشال الألماني في الولايات المتحدة، أندور صمول، أن الربط بين الأمرين لا مفر منه: فمشروع "البوابة العالمية" لم يكن ليُطرح لو لم تكن هناك مبادرة اسمها "الحزام والطريق".

ويصف صمول مشروع البوابة العالمية بأنه "أول مبادرة أوروبية جادة لتخصيص مبالغ مالية ووضع آليات تمويل تعرض على الدول، التي تعتزم أخذ قروض من الصين".

والأزمة الأوروبية تكمن في أن عمليات التمويل ودراسات الجدوى للمشاريع تأخذ وقتاً بسبب الجهات العديدة التي تشترك في التمويل، مقارنة ببكين التي تمنح القرض وتشرف شركاتها على تنفيذ المشروع. وبالتالي، فإن ما يحدث عملياً هو أن الأموال الصينية تتحول من البنوك لشركاتها المنفذة للمشاريع.

وفي وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، توقّع مركز أبحاث عالمي أن تصبح الصين أكبر اقتصاد بالعالم في عام 2030، لتتخطى الولايات المتحدة الأميركية، مشيرا إلى أن الاقتصاد العالمي سيتجاوز للمرة الأولى عتبة 100 تريليون دولار في تاريخه العام المقبل، وذلك بفضل التعافي المتواصل من تداعيات وباء فيروس كورونا.

وذكر مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال، الذي يتخذ من لندن مقراً له، أن الارتفاع المتوقع للناتج المحلي الإجمالي العالمي، يأتي على الرغم من استمرار ارتفاع معدلات التضخم.

وتوقع أن تصبح الصين أكبر اقتصاد في العالم من حيث القيمة الدولارية في عام 2030 أو ما يزيد عامين عما تم توقعه في تقرير جدول الرابطة الاقتصادية العالمية في العام الماضي.

وكانت العديد من الدول الفقيرة قد نظرت للقروض التي قدمتها بكين في إطار "الحزام والطريق"، على أساس أنها أموال شبه مجانية، ولكن ثبت لاحقاً أنها مكلفة جداً لهذه الاقتصاديات، كما أن هذه المشاريع تكبلها مالياً واقتصادياً في الواقع، إذ تربط خطوط إنتاجها المحلية بالاقتصاد الصيني وترهن مستقبلها التجاري للشركات الصينية.

وحسب بيانات مؤسسة "آر دبليو آر أدفايسري" الأميركية للأبحاث الاقتصادية المتخصصة في الصين وروسيا، فإن بكين أنفقت منذ عام 2013 وحتى عام 2018 نحو 700 مليار دولار في مشروعات بنى أساسية في أكثر من 60 دولة.

ويشير تقرير لموقع "فورن بوليسي" إلى أن المبادرة أصبحت تواجه انتقادات على الصعيدين المحلي والخارجي. على الصعيد المحلي، يرى العديد من الصينيين أن مبادرة "الحزام والطريق" تبذير للموارد المالية الصينية في تمويل مشروعات ضخمة في دول قد لا تكون حليفة للصين في المستقبل، وسط المناخ الجيوسياسي المتقلب وضغوط واشنطن المتصاعدة على دول العالم وسياسات "أميركا أولاً" و"الولاء مقابل الدعم".

وعلى الصعيد الدولي، أصبحت دول عدة تتخوّف من الهيمنة الصينية على اقتصادها، حيث سلبت الشركات الصينية المواطن البسيط في الأرياف في أفريقيا مشاريعه الصغيرة التي كان يعتمد عليها، واستولت الشركات الصينية على الأراضي والزراعة، وهو ما أثار غضب جماهير واسعة في الدول الأفريقية.

وتُثار احتجاجات في أوغندا، حيث ارتفعت القروض الصينية إلى 3 مليارات دولار، وتنوي الحكومة استدانة 2.3 مليار دولار أخرى. وفي كمبالا، يقول محللون إن الحكومة الأوغندية رهنت جزءاً من النفط المكتشف حديثاً، وبدأ التدفق في عام 2020 للشركات الصينية مقابل بعض هذه القروض.

المساهمون