"فاينانشال تايمز" تسلّط الضوء على صعود العرجاني في سيناء: من السجن إلى ذراع للنظام

24 يونيو 2024
إبراهيم العرجاني (حساب مجموعة العرجاني في فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إبراهيم العرجاني، الذي كان معتقلاً في سجون مصر قبل 14 عامًا، تحول إلى رائد أعمال بارز في مصر، يدير إمبراطورية تجارية في قطاعات مثل البناء والرعاية الصحية، بدعم من علاقاته بالنظام المصري والنخب العسكرية.
- شركات العرجاني أصبحت الخيار الأول لإدخال البضائع إلى غزة عبر مصر، خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، مما أثار جدلاً حول أسعار المرور الآمن عبر معبر رفح.
- واجهت أعمال العرجاني تحديات بعد الهجوم الإسرائيلي على رفح وإغلاق المعبر، مما دفعه لتشكيل "اتحاد القبائل العربية" للعمل مع الدولة المصرية لتعزيز الأمن والاستقرار في سيناء.

كان إبراهيم العرجاني في أحد السجون المصرية قبل 14 عاماً ضمن مجموعة من بدوٍ جرى اعتقالهم في حملة حكومية في سيناء المضطربة خلال فترة الاحتجاجات القبلية، إلا أنه أصبح اليوم أحد أهم رواد الأعمال المفضلين لدى النظام المصري، كونه يدير حالياً إمبراطورية أعمال تشمل قطاعاتٍ عدّة، من البناء إلى الرعاية الصحية، وبينهما كثير، وكلها ازدهرت باعتبارها مملوكة لشخص موثوق به من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ هكذا تحدّث موقع صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية عن العرجاني.

ونشر الموقع تقريراً مطولاً اليوم الاثنين عن العرجاني، جاء فيه أن علاقات الردل بالنخب العسكرية والأمنية في مصر منحته نفوذاً خاصاً في سيناء وقطاع غزة المجاور، وعلى مدار سنوات، كان أي شخص يرغب في إدخال البضائع إلى القطاع عبر الحدود المصرية يواجه خياراً رئيسيّاً واحداً، وهو العمل مع شركات العرجاني.

وكتبت الصحيفة إن العرجاني قام بتنمية دوره على مدى عقد بصورة غير ملحوظة، قبل أن تأتي عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر (2023)، وتضع أعماله تحت الأضواء، لأسباب ليس أقلها المبالغ الهائلة التي كسبتها شركته "هلا" للسماح لأهالي غزّة بدخول الأراضي المصرية. وقال رجل أعمال من غزّة لـ"فاينانشال تايمز": "إنهم يتقاضون رسوماً كبيرة لتأمين انتقال البضائع إلى غزّة. إنه الرجل الكبير. ويجمعون الملايين والملايين منا للخروج من غزّة".

قدمت شركة هلا، التي توصف بأنها شركة "سياحية" تعمل على تسهيل السفر بين مصر وغزّة، طريقاً حيويًا لهروب الفلسطينيين من حرب الإبادة في قطاعهم المحاصر، إلا أن المرور الآمن عبر معبر رفح جاء بثمن مجحف، هو خمسة آلاف دولار للشخص البالغ، و2,500 دولار لمن يقل عمره عن 16 عامًا، وفقًا للفلسطينيين. وقامت شركات أخرى في مجموعة العرجاني على مدى العقد الماضي بتكوين نوع من أنواع الاحتكار لتسليم البضائع إلى القطاع عبر معبر رفح، الذي كان حتى الشهر الماضي (مايو/ أيار) المنفذ الوحيد لغزّة غير الخاضعة لسيطرة دولة الاحتلال.

أدّى الهجوم الإسرائيلي على رفح إلى إغلاق المعبر إلى أجل غير مسمّى، ما أدّى إلى وقف الشحنات، ليوجه ضربة لمصالح العرجاني التجارية، بالتزامن مع إثارة غضب النظام في مصر، وفقاً لما ذكرته الصحيفة البريطانية. وفي إشارة إلى مخاوف القاهرة، أعلن العرجاني، زعيم قبيلة الترابين، أكبر قبيلة في سيناء، الشهر الماضي (مايو/ أيار)، عن تشكيل "اتحاد القبائل العربية" للعمل جنباً إلى جنب مع الدولة المصرية" في مجال الأمن. ورأى الخبراء أن هذه الخطوة علامة على وجود حكومة قلقة تسعى للحصول على دعم البدو، وسط مخاوف من أن الهجوم الإسرائيلي قد يدفع الفلسطينيين في نهاية المطاف إلى الاندفاع لعبور الحدود المصرية.

وقال الخبير في مجموعة الأزمات، مايكل حنّا: "يتعلق الأمر يتعلق برفح ومخاوف طويلة الأمد بشأن تهجير سكان غزّة". وحسب "فاينانشال تايمز"، لجأت الحكومة المصرية "التي يهيمن عليها الجيش" لجأت إليه بصفته زعيماً قبلياً موثوقاً به. وقال حنّا: "جرت ترقيته ليصبح وسيطاً للدولة، وتابعاً لسلطتها في سيناء". وترى الصحيفة أن العرجاني يقدّم في كل من سيناء وغزّة لمحة عن ديناميكيات السلطة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر. وقال محللون إنه سيكون من المستحيل على "هلا"، وكل أنشطة العرجاني التي يصعب حصرها في سيناء العمل في غزّة من دون مباركة النظام المصري.

وقال الصحافي المصري المقيم في المملكة المتحدة، مهنّد صبري، والذي ألف كتاب "سيناء: محور مصر، شريان الحياة لغزّة، كابوس إسرائيل"، لـ"فاينانشال تايمز": "كما يقولون في سيناء، لا يمكن لأحد أن يتنفّس أو يطلق الريح من دون الحصول على إذن عسكري". وقال نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، تيموثي قلدس، إن طبيعة الاقتصاد السياسي في عهد السيسي "تعني أنه لا يمكن لأحد تقريبًا أن يكون لاعبًا كبيرًا في مجال الأعمال التجارية من دون ترتيب نوع من الاعتماد على النظام". وأضاف: "في سيناء، الأمر أخطر نظراً لأهميته بالنسبة لأجهزة الأمن"، و"إذا أضفت إلى هذا التهريب والأنشطة غير المشروعة في سيناء، فمن المرجّح أن أي شخص يقوم بأعمال تجارية على نطاق واسع سيضطر إلى التعاون مع مراكز السلطة المختلفة".

واستشهدت "هيومن رايتس ووتش" بمصدرين في عام 2022، قالا إن ل"هلا" روابط قوية مع المؤسسة الأمنية المصرية وكان يعمل فيها إلى حد كبير ضباط سابقون في الجيش المصري، ما مكّن الشركة من تجاوز الروتين وتقليل وقت التعطّل عند نقاط التفتيش. وقبل "7 أكتوبر"، كان بإمكان سكّان غزة الأثرياء دفع حوالي 700 دولار للشخص الواحد لاستخدام خدمة "هلا" السريعة للخروج من القطاع عبر رفح بدلا من قضاء أشهر في الحصول على تصاريح من وزارة الداخلية التي تسيطر عليها حركة حماس، وفقا للفلسطينيين. لكن الرسوم ارتفعت بعد أن شنت إسرائيل هجومها على غزّة وفرضت حصارا على القطاع.

وعندما سُئل وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في مارس/ آذار، عما إذا كانت الحكومة تتغاضى عن فرض "هلا" مبلغ خمسة آلاف دولار على الفلسطينيين لمغادرة قطاع غزّة، قال: "قطعا لا". وأضاف: "سوف نتخذ كل الإجراءات التي نحتاجها من أجل إنهاء ذلك تماماً". ومع ذلك، لا تزال "هلا" تتقاضى هذه المبالغ.

ورغم عدم توفر معلومات كثيرة عن العرجاني، ذكرت "فاينانشال تايمز" إن صعوده يعود إلى فترة تولّي السيسي على السلطة في انقلاب مدعوم شعبيا في عام 2013 والتوسّع شبه المتزامن لتيارات متطرفة قريبة من تجمّعات البدو في شمال سيناء. وبعد توليه الرئاسة، تعهّد السيسي باستعادة الأمن، وفي عام 2014، لجأ إلى البدو للحصول على الدعم في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث أصبح العرجاني زعيماً لمليشيا قبلية يطلق عليها اسم اتحاد قبائل سيناء.

وقصف متشددون عقارا يملكه العرجاني في عام 2015، واتهموه بأنه مخبر للجيش. وفي مقابلة مع التلفزيون المصري في ذلك العام، قال العرجاني عن دور التحالف القبلي في القتال ضد "داعش": "سيستيقظ هؤلاء الناس ليجدوا أحذيتنا فوق رؤوسهم. لن نتركهم. كل شيء نقوم به في سيناء يخضع لإشراف القوات المسلحة". وخلال هذه الفترة، بدأت مجموعة العرجاني بنقل البضائع إلى غزّة. وقال لوسائل الإعلام الرسمية في ديسمبر/ كانون الأول 2014 إن شركته سلّمت مئات الأطنان من "البيتومين" (مادّة من مشتقّات البترول) وآلاف الليترات من الوقود إلى القطاع عبر رفح. وكان ذلك بعد أربعة أشهر من خوض إسرائيل و"حماس" حرباً استمرت ستة أسابيع، وكانت غزّة بحاجة ماسّة إلى المواد اللازمة لإعادة الإعمار.

ونقلت الصحيفة عن رجال أعمال في سيناء قولهم: "بعد حرب 2014 في غزّة، جرت تسوية خريطة جديدة، وضمنها، كان العرجاني الذي نعرفه اليوم؛ الرجل الذي نظم المليشيات الخاضعة لسيطرة الجيش وموّلها؛ ورجل الأعمال رقم واحد في أي شيء يحدُث في سيناء”. وعلى مر السنين، نمت أعماله بحيث أصبح "كل شيء يمر عبر معبر رفح يأتي من خلاله"، كما قال رجل أعمال غزّاوي، وأضاف: "يجب أن أتواصل مع رجاله حتى أتمكن من توصيل بضاعتي عبر رفح".

وتعمّقت روابط العرجاني بالدولة من خلال الأعمال التجارية، حيث نقلت الصحافة المصرية في عام 2014 قوله إن الجيش، الذي أصبح قوة مهيمنة في الاقتصاد تحت حكم السيسي، سيمتلك 51% من شركة مصر سيناء، أحد كيانات مجموعة العرجاني التي تعمل في استخراج الرّخام. وقبل عامين، عيّنه السيسي في مجلس إدارة هيئة تنمية سيناء التابعة للدولة. ويهيمن الجيش على الهيئة ويتولى مسؤولية مشاريع التنمية في شبه جزيرة سيناء، حيث تقول الحكومة إنها أنفقت ما لا يقل عن 600 مليار جنيه مصري (12.8 مليار دولار) لتطوير سيناء وتعميرها منذ تولي السيسي السلطة.

ولم تكن تجارة العرجاني وحدها الآخذة في التوسّع، حيث يقدّم إعلان مجموعته على منصة يوتيوب لمحة عن الأبعاد مترامية الأطراف من الشبكة، والتي تدرج شركة أمنية توظف 25 ألف شخص، و17 مستشفى، وفندقا، وتجارة سيارات، وبناء وتصنيع، ومؤسّسة خيرية. ويتباهى الإعلان: "مهما قيل، لن يوقفنا شيء. هدفنا أمامنا وسنصل إليه معاً. مجموعة العرجاني أكبر كيان اقتصادي في الجمهورية الجديدة".

المساهمون