استمع إلى الملخص
- تناولت الحملة معاناة الحجاج مع سماسرة تأشيرات الحج، والتي أدت إلى تعرض نحو 200 ألف معتمر لظروف معيشية صعبة ونقص في الخدمات الأساسية.
- دعت الحملة لتحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين، مؤكدة على ضرورة إعادة تنظيم رحلات الحج وزيادة الشفافية والرقابة لضمان سلامة ورفاهية الحجاج.
مع بدء عودة قوافل الحجاج المصريين من الأراضي المقدسة، دشن مواطنون وخبراء سياحة حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، للمطالبة بالتحقيق في وفاة مئات المواطنين الذين قضوا نحبهم أثناء أداء الرحلة المقدسة، خلال أيام النفرة ووقفة عرفات والنزول من مزدلفة واستكمال المناسك بمشاعر منى.
تكشف الحملة عن وفاة نحو 600 مصري ومقاطع مصورة لأشخاص ماتوا على جوانب الطرق، ظلوا ليومين، تحت ظلال الشمس الحارقة، دون أن تمتد إليهم أيادي المسعفين. تنقل قوائم أخرى صورا لعشرات المفقودين، الذي خرجوا من مكة قاصدين أداء الركن الأعظم في الحج، ولم يظهر لهم أثر وفقد تواصلهم مع ذويهم عبر الهاتف، خلال الأيام الماضية.
تعكس حملة المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي حياة بائسة واجهت عشرات الآلاف من المصريين الذين وقعوا ضحية سماسرة تأشيرات السفر لأداء الفريضة، تحت ستار "الزيارة"، والتي جذبت نحو 200 ألف معتمر دخلوا المملكة السعودية منذ نهاية شهر رمضان، وحتى 3 من ذي الحجة.
تكشف الحملة عن صعوبات واجهها حجاج قرعة وزارة الداخلية، الذين لم يجدوا مأوى لهم بمخيمات منى، وآخرين يتبعون شركات السياحة، لم تتوافر لهم أماكن لائقة وأطعمة، من جانب المطوفين، وتسكين حجاج بأماكنهم المحجوزة مسبقا.
سكن الحجاج المصريين
أسكن السماسرة المعتمرين والزائرين في بيوت شعبية، على مشارف مدينة مكة والطائف، انتظارا للساعات الأخيرة، قبيل النفرة إلى منى لدفعهم إلى الوقوف بعرفات، دون أن يدركوا أن السلطات السعودية لديها إصرار على ملاحقة المخالفين لضوابط الحج، بقبضة حديدية، للقضاء على تلك الظاهرة المتكررة والتي تربك موسم الحج سنويا. تحولت حياة المتسربين للحج إلى جحيم، حيث وقعوا ضحية السماسرة الهاربين من ملاحقة الشرطة السعودية، وإجراءات قانونية حازمة، أدت إلى إخراجهم من المدينة المقدسة.
في محاولات مستميتة، عاود متسربون كرّتهم نحو جبل عرفات، ليسيروا في طرق وعرة وجبلية، ليلة 8 من ذي الحجة، لمسافة تمتد بين 20 و30 كيلومتراً، في ظل مناخ قاسٍ ودرجة حرارة شديدة.
تعرض بعضهم للإجهاد الحراري، مع ندرة المياه والأغذية فسقطوا موتى بمجرد اقترابهم من جبل الرحمة، وآخرون تمكنوا من الوقوف لبضع دقائق، قبل زوال الشمس من عرفات، فإذا بهم يعانون الأمرّين في رحلة العودة من الجبل إلى مزدلفة ومنى.
يروي ماجد شوشة عضو غرفة شركات السياحة وأحد بناة منصة البحث عن الموتى والمفقودين، ومساعدة أهالي الحجاج التعرف على أحوالهم، أن كل من ماتوا أو فقدوا ولم يستدل عليهم، هم ضحية السماسرة من تجار تأشيرات حج الزيارة، الذين تاجروا برغبة الكثيرين في أداء الركن الخامس للإسلام، بعيدا عن الجهات الرسمية التي تنظم الحج، عبر نظام القرعة الذي يجري عبر وزارات الداخلية والسياحة والتضامن الاجتماعي.
يؤكد شوشة أن ندرة التأشيرات الرسمية، شجع السماسرة المنتشرين بالمحافظات، على تسويق أعمالهم، بسرعة، مستغلين موافقة السلطات السعودية على إصدار تأشيرات للعمرة والزيارة، امتدت حتى مطلع شهر ذي الحجة، معتبرين أن تلك الإجراءات مدعومة رسميا وتستهدف جذب المزيد من المصريين والمسلمين لأداء المناسك بعيدا عن الجهات المتخصصة في تنظيم الرحلة.
المطالب بالتحقيق
يشير شوشة إلى أن الهدف من نشر معلومات عن الحياة القاسية التي واجهت الحجاج وأدت إلى وفاة المئات منهم، إجراء تحقيق عاجل من الدولة، لمحاسبة كل فرد مارس النصب على المسافرين، أو حرمهم من حقوقهم التي تعاقدوا عليها قبل السفر، والدعوة إلى إعادة تنظيم رحلات الحج، بشكل كامل، للقضاء على النصابين الذين يوقعون ضحاياهم في الموت، دون رحمة أو شفقة.
يؤكد شوشة استغلال السماسرة جهل المسافرين بالإجراءات النظامية التي تستحدثها السلطات السعودية، والتكاليف الهائلة التي فرضت على منظمي الرحلات، وطمع هؤلاء في جذب مزيد من العملاء، الذين يفاجأون بعدم قدرتهم على تحمل التكاليف، ويضطرون إلى المبيت بالشوارع بلا مأوى وغذاء والمشي لمسافات طويلة، بمناطق وعرة ومتطرفة، لعدم قدرتهم على التحرك قانونيا وفقدهم ما لديهم من أموال. يصف شوشة ما تعرض له الحجاج المصريون بأنه "مذبحة ارتكبها النصابون ضد مؤمنين أبرياء، يسعون كغيرهم إلى الحج بطرق رخيصة"، وإن خالفت النظام العام والقانون.
يلقي عادل ضيغم عضو غرفة شركات السياحة، باللوم على الحكومة التي ساهمت في انتشار ظاهرة سماسرة الحج، مؤكدا لـ" العربي الجديد" أن الحكومة كان بإمكانها زيادة عدد المسافرين بالطرق الرسمية للحج، عن طريق شركات السياحة، والتي تُجرى عادة عبر عقود معتمدة، من غرفة الشركات ووزارة السياحة، وتحت رقابة الدولة، والسلطات السعودية، التي يمكن لها محاسبة المقصرين ووقف تراخيص العمل.
يوضح ضيغم أن الحكومة حصلت على 26 ألف تأشيرة مجانية من السلطات السعودية، بجانب الحصة الرسمية التي تبلغ 60 ألف تأشيرة، فأصرت على بيعها بسعر 5 آلاف دولار، للراغبين في السفر، بعيدا عن نظام القرعة الذي يحظر سفر صغار السن وتكرار الحج لأكثر من مرة في العمر، بما شجع السماسرة على تسويق رحلات حج عبر نظام "الزيارة" الذي تحاربه السلطات السعودية، بعد تطبيقها نظام التتبع الإلكتروني لحركة وتسكين الحجاج، وقصر الحج على من يشارك في دفع تكلفة "باقات الحج" التي تشمل الإقامة والانتقالات والطعام.
مأساة الحجاج
تروي الفتاة هبة محمد (29 عاما) لـ"العربي الجديد" الوجه الآخر لمأساة حجاج التأشيرات التي فشلت الحكومة المصرية في بيعها بالدولار، لافتة إلى تسربها للأسواق عبر سماسرة وانتشرت مبيعاتها بسرعة البرق بالأيام الأخيرة قبيل موسم الحج. تكشف محمد عن مفاجأة تعرضت لها عند وصولها لمكة بتأشيرة حج رسمية، حيث اكتشفت أن الشركة المنظمة تقيم معسكرا بعمارات سكنية على بعد 18 كيلومتراً من مكة، بما أوجد صعوبة في وصولهم للحرم المكي، خاصة عند لجوء السلطات إلى قطع الطرق الرئيسية، لملاحقة المخالفين لنظام الحج.
تذكر الفتاة أن المتاعب امتدت طوال الرحلة، في ظل كثرة الأعداد المخصصة للشركة المستقبلة لنحو 45 ألف حاج دفعة واحدة، وغياب المشرفين، بما أفقد الناس القدرة على العودة من عرفات، ومنهم من فاته ركوب السيارات، فتوجه إلى مزدلفة ومنى مشيا على الأقدام، مساء ليلة العيد، لمسافة تزيد عن 10 كيلومترات، تحت لهيب الشمس في رحلة استغرقت نحو 20 ساعة متصلة.
تبدي محمد سعادتها بالنجاة من الموت، بعدما رأت عشرات الحالات تتساقط موتا أمام أعينها على الأرض، بسبب الإجهاد الحراري، مشيرة إلى بقاء مئات الحالات من المرضى، دون رعاية إلا بما لديهم من أدوية وما يتلقونه من مساعدات المارة، حيث ظلت الطرق مغلقة ليومين، إلى أن تمكنت وسائل الإسعاف من الوصول إلى جثث البعض ونقلها مع التائهين إلى مراكز الإسعاف والمساعدة.