يدرك الأردن مبكرا حجم الآثار السلبية التي تلحق باقتصاده بسبب الحرب الروسية الأوكرانية من زوايا مختلفة، أهمها ارتفاع الضغوطات التي تعاني منها الموازنة العامة والمتوقع أن يتجاوز عجزها هذا العام 2.88 مليار دولار، واستفحال التضخم، وتراجع فرصة تحقيق معدل نمو بالنسبة المستهدفة من قبل الحكومة.
وفي الوقت الذي كانت تخطط فيه الحكومة لبدء مرحلة التعافي من جائحة كورونا وتداعياتها، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتعطي مؤشرات تحذيرية حول عدم القدرة على تحسين الوضع الاقتصادي ومعالجة المشكلات الأساسية التي يعاني منها الأردن، خاصة الفقر والبطالة وأعباء الدين العام.
ويتوقع خبراء أن يرتفع التضخم في الأردن إلى 6% في حال إطالة أمد الحرب، وأن تتفاقم مستويات المعيشة وتقفز المديونية العامة إلى 56 مليار دولار، وتعذّر تنفيذ مشاريع تنموية ذات أولوية.
وفي تشخيص دقيق لآثار الحرب، قال وزير المالية الأردني محمد العسعس، قبل أيام، خلال مناقشة البرلمان للموازنة العامة، إن إعداد موازنة 2022 جاء في ظروف اقتصادية متباينة وغير مستقرة على النطاق الدولي، ولم يكن الأردن بأي حال بمعزل عن هذه الظروف القاسية.
وتدور في الأفق العديد من الأسئلة حول كيفية تعاطي الحكومة مع تداعيات الحرب، وإن كانت قادرة على استيعاب آثارها في الوقت الذي تعاني فيه من ارتفاع حدة الانتقادات لأدائها وتفاقم الأوضاع الاقتصادية سوءا.
قال الخبير في قطاع الطاقة هاشم عقل لـ "العربي الجديد" إن ما يحدث عالميا في أسعار النفط نتأثر به، لأن أسعار المشتقات النفطية يتم تسعيرها بناء على الأسعار العالمية مضافا إليها الضريبة الثابتة لكل منتج.
وأضاف أن المواطن يتأثر مباشرة بارتفاع الأسعار، وذلك بتراجع قدرته الشرائية، ويعوّض ارتفاع أسعار المحروقات على حساب المصاريف الأخرى، بحيث تقل مصروفات الصحة والتعليم والمأكل والمشرب، وبالتالي يواجه المواطن مصاعب في تأمين متطلبات الحياة اليومية.
وبيّن الخبير في قطاع الطاقة أن ارتفاع أسعار النفط يشكل ضغطًا هائلًا على الموازنة، فكلما ترتفع الأسعار تحتاج الحكومة إلى مزيد من الدولارات لشراء النفط والمحروقات، وهذا له تأثير سلبي.
وأكد عقل أن الحكومة في وضع صعب أمام هذه الارتفاعات الحادة، فتلجأ أحيانا إلى تثبيت الأسعار للتخفيف عن المواطنين، وهذا يؤدي إلى تراجع إيرادات الخزينة، وقد تتأثر بعض المشاريع المخصص لها أموال من إيرادات المحروقات، وهنا تتجدد شكاوى المواطن من التقصير في تنفيذ مشاريع تتعلق بالخدمات والبنية التحتية والتعليم والصحة.
وقال مسؤول في وزارة الطاقة الأردنية لـ"العربي الجديد" إن الحكومة وحرصا على عدم ارتفاع أسعار المشتقات النفطية على المواطنين في هذه الفترة، اتخذت قرارا بتثبيت أسعارها لنهاية مارس/آذار الحالي.
ومن المقرر أن ترفع الحكومة أسعار الكهرباء اعتبارا من بداية الشهر المقبل، بموجب قرار اتخذته العام الماضي، وذلك استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، ما يفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وقالت وزارة الطاقة إن قطاع الكهرباء يشكل اليوم نحو 20% من الدين العام، بسبب تراكم ديون شركة الكهرباء الوطنية والتي وصلت إلى 7.18 مليارات دولار.
وارتفعت نسبة البطالة في الأردن إلى 25% والفقر إلى 27%، وفقا لآخر بيانات إحصائية، وسط توقعات بمواصلتهما الارتفاع خلال الفترة المقبلة.
وقال نائب رئيس غرفة صناعة عمّان السابق موسى الساكت، لـ"العربي الجديد" إن أكثر من 80% من مدخلات ومستلزمات الإنتاج مستوردة من الخارج، ونسبة عالية جدا من الأغذية تورّد من مناشئ مختلفة، مشيرا إلى أن أي أزمة في العالم تؤثر على الأردن مباشرة، فكيف إذا نشبت الحرب؟
وأضاف الساكت أن الأسعار سترتفع بشكل كبير نتيجة لارتفاع أسعار النفط الخام والغاز، لا سيما وأن كثيرا من الدول الصناعية تعتمد على الغاز المستورد من روسيا، وخلال الأسبوعين الماضيين زادت أسعار الطاقة بنسبة 20%.
وقال إن صادراتنا ستتأثر أيضا، حيث سترتفع كلف الإنتاج، وبالتالي ستتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الأردنية، متوقعا أن يرتفع عجز الميزان التجاري بشكل واضح.
ومن جانبه، توقع الخبير الاقتصادي حسام عايش، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود فجوة في أسعار الوقود، بما يتراوح بين 25% و30%.
وبيّن أن ارتفاع أسعار السلع المرتقب سيجعل الحكومة مضطرة للعودة إلى دعم الخبز، ما يضعها أمام تحديات كبيرة للحد من الانعكاسات السلبية على المواطنين.
وأضاف عايش أننا سنشهد موجة تضخم من ارتفاع النفط وأسعار السلع وربما يصل إلى 6% في حال مواصلة ارتفاع أسعار النفط وما يرافقها من كلف الشحن وسلاسل التوريد ومختلف القطاعات الاقتصادية.
وتوقعت الحكومة بلوغ معدل التضخم مقاساً بالتغير النسبي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك نحو 2% في عام 2022، و2.5% في عام 2023، و2.5% في عام 2024.
وتابع عايش: ربما يقترب الاقتصاد من مرحلة الركود وزيادة في العجز ويتحول إلى الاقتراض ما يزيد الديون عن 56 مليار دولار.