استمع إلى الملخص
- دور غرفة تجارة حلب في إعادة الإعمار: تأسست عام 1885، وتلعب دوراً مهماً في دعم الاقتصاد السوري بعد سقوط النظام. يتطلب ذلك استقرار الليرة، توحيد الرسوم الجمركية، وتوفير الأمن والخدمات الأساسية.
- إعادة صياغة هوية الاقتصاد السوري: بعد الثورة، يجب أن يكون الاقتصاد السوري شاملاً ومستداماً، مع تنوع في الإنتاج، فتح للاستثمارات الأجنبية، مكافحة الفساد، ودعم التحول الرقمي لتحقيق التنمية المستدامة.
طالب أمين سر غرفة تجارة حلب، سامر نواي، في حديث لمراسل"العربي الجديد" باهتمام خاص بحلب باعتبارها العاصمة الاقتصادية، التي ظُلمت خلال حكم الأسدين الأب والابن.
وأكد أنه خلال السنوات الأخيرة، تعامل النظام البائد مع حلب بوصفه عصابة وليس سلطة دولة، فنصب الحواجز الأمنية، وبرز ما يعرف بـ"فرع الخطيب"، وهو فرع أمني من نوع معين لجباية أموال غير مشروعة، عبر فرض التجار "إتاوات"، ما أدى إلى خروج عدد كبير من قامات حلب التجارية، والتوجه نحو مصر وتركيا ودول أخرى، لافتاً إلى إغلاق آلاف التجار سجلاتهم التجارية، تحت سيف وزارة المالية التي تفرض مزيداً من الضرائب المجحفة، وكذلك الرسوم الجمركية الباهظة.
وأضاف: معروف عن التاجر الحلبي، أنه "يموت ولا يغلق سجله التجاري الذي يحمل اسمه"، مشيراً إلى انخفاض عدد التجار المسجلين في الغرفة من 20 ألفاً عام 2011، إلى نحو 4 آلاف حالياً.
واعتبر نواي أن كل ما كان يحصل، من تجاوزات ومضايقات للتجار في حلب كان بمنهجية قادها القصر الجمهوري، وذلك لصالح أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة وهم حفنة من الأشخاص، ظهروا فجأة كحيتان تبلع الأخضر واليابس، في ميدان التجارة والصناعة والعقارات ومختلف القطاعات التجارية والاقتصادية، من دون أن يكون لهم في يوم من الأيام، أي نشاط تجاري يذكر، بل يصنفون في "حثالة" المجتمع، وأصحاب السوابق.
دور مهم لغرفة تجارة حلب
تعتبر غرفة تجارة حلب السورية من أقدم بيوت التجار في العالم، إذ تأسست عام 1885، وبعد غرفة تجارة إسطنبول التي تأسست عام 1883، ولعبت الغرفة دوراً ملحوظاً في دعم الاقتصاد السوري، على مر التاريخ، ومع العهد الجديد، الذي بدأ مع سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، يقع على الغرفة دور كبير، في تنشيط الحركة التجارية، ودعم منتسبيها، للمشاركة في دعم الاقتصاد الوطني، وعودة النشاط التجاري إلى طبيعته، بعيداً عن التعقيدات والضغوط التي كان يمارسها النظام البائد، على تجار حلب.
وأشار أمين سر غرفة تجارة حلب، إلى ضغوط معيشية طاولت حلب خلال السنوات العشر الماضية، فالمواطن يحتاج إلى ثلاثة أشهر ليحصل على إسطوانة الغاز المنزلي، عبر البطاقة "الغبية"، كما أن المحروقات من مازوت للتدفئة وبنزين للسيارات وغيره، لا تتوفر إلا في السوق السوداء، ولدى أشخاص بعينهم، وتباع بأضعاف مضاعفة، حتى محافظ حلب في ظل النظام البائد، كان لديه صهريجان تُطرح حمولتهما في السوق السوداء، لحسابه الشخصي، وقد وصل سعر ليتر البنزين في السوق السوداء إلى ثلاثة دولارات (راتب الموظف لا يتجاوز 10 دولارات)، كما أن التسعير الرسمي لاستهلاك الكهرباء مرتفع عن كل المحافظات السورية.
ويؤكد نواي أن المطلوب من جميع مكونات الشعب السوري، التشارك في إعمار سورية الحرة، كما أدعو التجار ورجال الأعمال السوريين والصناعيين الذين هاجروا، أن يعودوا ليساهموا ويشاركوا في إعادة الإعمار وبناء سورية المستقبل.
وقدم نواي خطوات يرى أنها ضرورية للنهوض الاقتصادي، وتشجع جذب المستثمرين وترغب في عودة التجار المهجرين، ومنها استقرار أو تثبيت سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وتوحيد الرسوم الجمركية بين المعابر البرية والجوية والبحرية، وتشغيل الموانئ السورية ووضع مراقبة على المواد المستوردة، ولا سيما الغذائية وفق المواصفات القياسية المعتمدة.
وأكد ضرورة تعديل القوانين النافذة، خاصة القانون رقم 8 المتعلق بحماية المستهلك، وصياغة دستور جديد ينسجم مع سورية المستقبل، وتوفير الأمن وتأمين الكهرباء والماء من دون تقنين، والإسراع في انجاز المخططات التنظيمية للمدن، علماً أن آخر مخطط لمدينة حلب صدر العام 1984 ما سبّب ارتفاع أسعار العقارات والمنازل.
إعادة صياغة هوية الاقتصاد
يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة حلب، حسن حزوري، لـ"العربي الجديد" أنه بعد انتصار الثورة السورية، وسقوط نظام بشار الأسد، بات من الضروري إعادة صياغة هوية الاقتصاد السوري لتكون أكثر شمولية واستدامة، وتعكس احتياجات المجتمع بعد سنوات من الحرب، ترتكز على مبادئ الاقتصاد الحر التنافسي، وتهدف الى تحقيق التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، والتكامل الإقليمي والدولي.
وقدم حزوري صفات عدة لهوية الاقتصاد السوري، في سورية الجديدة، أولها أن يكون اقتصاداً متعدد القطاعات Diversified Economy، ليبتعد عن الاعتماد المفرط على قطاع واحد مثل النفط أو الزراعة، والاتجاه نحو تنويع الاقتصاد، وتطوير قطاعات الصناعة، والتجارة، والخدمات، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لزيادة مرونة الاقتصاد.
أما الصفة الثانية فهي أن يكون اقتصاداً موجهاً نحو الإنتاج، يسعى لتعزيز الإنتاج المحلي في الزراعة والصناعة لتلبية احتياجات السوق الداخلي وتقليل الاعتماد على الواردات، وإعادة إحياء القطاعات الإنتاجية التقليدية مثل النسيج والصناعات.
وثالثاً أن يكون اقتصاداً قائماً على التنمية المستدامة، باعتماد سياسات بيئية تضمن استدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، والاستثمار في الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، مع تطوير سياسات زراعية وصناعية صديقة للبيئة.
ويقترح أيضاً صفة الاقتصاد التشاركي، والذي يضم مشاركة كل المناطق السورية في التنمية الاقتصادية، وعدم التركيز فقط على المدن الكبرى، إلى جانب تمكين النساء والشباب في سوق العمل وريادة الأعمال، ودعم اللاجئين والمهجرين اقتصادياً لتشجيع عودتهم والمساهمة في إعادة البناء.
جذب الاستثمارات ومكافحة الفساد
ويؤكد حزوري أهمية فتح الاقتصاد السوري أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع ضمان السيادة الوطنية، والانضمام إلى اتفاقيات تجارية إقليمية ودولية لتحفيز النمو الاقتصادي، وإعادة النظر في كل الاتفاقيات التي وقعها النظام السابق وإلغاء المجحف منها.
ومن الصفات الأخرى التي يقترحها حزوري، الشفافية ومكافحة الفساد، وبناء مؤسسات اقتصادية قوية وشفافة لتعزيز الثقة لدى المواطنين والمستثمرين، ومكافحة الفساد الإداري والمالي الذي كان عائقاً رئيسياً أمام التنمية، وإنشاء هيئات مستقلة للإشراف على الإنفاق العام والتعاملات الاقتصادية.
ولا بد من دعم التحول الرقمي في القطاعات الاقتصادية، مثل الزراعة والصناعة والخدمات، بحسب الأكاديمي السوري.
ونبه إلى ضرورة أن يدعم الاقتصاد إعادة الإعمار والتنمية البشرية، والتركيز على إعادة بناء البنية التحتية الحيوية كالطرق، وشبكات المياه، والكهرباء، مع الاستثمار في التعليم والتدريب المهني لتطوير رأس المال البشري، وتوجيه جزء كبير من الاستثمارات نحو المناطق المتضررة لدمجها في الاقتصاد الوطني.
ولفت إلى أهمية الموازنة بين الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحفيز رأس المال المحلي من خلال سياسات مالية ونقدية مشجعة.
ويجمل الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب أهداف الهوية الاقتصادية المقترحة، بأنها تحقق الاستقرار الاقتصادي، من خلال السيطرة على التضخم، واستقرار العملة، وتحفيز النمو الاقتصادي، وخفض معدلات البطالة والفقر، من خلال خلق فرص عمل وزيادة الدخل القومي، وإعادة الثقة بالاقتصاد، من خلال جذب المستثمرين وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، والتكامل الاجتماعي بتحقيق توزيع عادل للثروات وتحسين الخدمات الأساسية.
يشار إلى أن حلب الواقعة في شمال البلاد، هي ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة دمشق، وتساهم بنحو 24% من الاقتصاد السوري، وتتميز بكونها الأكثر اكتظاظاً بالسكان في سورية، بما يتجاوز 4 ملايين نسمة وفق إحصاءات 2011. وشكلت منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، نقطة تقاطع لطرق تجارية متنوعة، وأدّت دوراً محورياً على مر التاريخ في المجالين العسكري والتجاري، وتشير منظمة اليونسكو إلى أن عمر المدينة يتجاوز 12200 عاماً، مما يجعلها أقدم من دمشق وأنطاكية.