عن جدوى زيادة سعر الفائدة في مصر

30 مارس 2023
يعمل البنك المركزي على الحد من ظاهرة "الدولرة" /العربي الجديد
+ الخط -

رفع البنك المركزي المصري اليوم الخميس سعر الفائدة بنسبة 2% مرة واحدة وهي نسب كبيرة مقارنة بمعدلات زيادة تجريها البنوك المركزية الكبرى في العالم والتي تتراوح ما بين ربع ونصف في المائة.

الزيادة الجديدة المتوقعة على نطاق واسع تأتي في اطار تحقيق البنك المركزي المصري هدفين رئيسين، الأول مكافحة التضخم الجامح والذي تجاوز 40% كمعدل أساسي في فبراير/شباط الماضي، ومحاولة ترويض هذا الوحش الكاسر عبر كبح جماح قفزات أسعار السلع والخدمات.

أما الهدف الثاني فهو الدفاع غير المباشر عن العملة المحلية عبر جذب المدخرين وأصحاب الأموال نحو الاستثمار بالجنيه، وعدم التخلي عن حيازته بسبب ضعفه المتواصل مقابل الدولار.

يعمل البنك المركزي على الحد من ظاهرة "الدولرة" التي دفعت عددا كبيرا من أصحاب المدخرات نحو التخلص من الجنيه وشراء الذهب أو الدولار

وهنا يعمل البنك المركزي على الحد من ظاهرة "الدولرة" التي دفعت عددا كبيرا من أصحاب المدخرات نحو التخلص من الجنيه وشراء الذهب أو الدولار أو حتى السلع المنزلية مع إجراء 3 تعويمات للجنيه في أقل من 10 أشهر.

كما يسعي البنك المركزي من خلال هذا الهدف إلى معالجة ظاهرة سعر الفائدة السلبي الخطيرة داخل القطاع المصرفي، وهو الفارق بين معدل التضخم الحقيقي وما تمنحه البنوك من أسعار فائدة على أموال المودعين، وهذا الفارق بدأ يتزايد بصورة مخيفة خلال الفترة الماضية ويتجاوز 15%، وهو ما جعل بعض المودعين يبحثون عن أدوات استثمار أخرى تحمي مدخراتهم المتآكلة.

لكن الملاحظ أنه على الرغم من الزيادات المتواصلة في سعر الفائدة على الجنيه، إلا أن التضخم يواصل قفزاته، والعملة مستمرة في التهاوي أمام الجنيه حيث فقدت أكثر من 50% من قيمتها خلال العام الجاري.

ولذا فإن السؤال المطروح هنا هو: ما جدوى الخطوات التي يقوم بها البنك المركزي سواء تعلقت بزيادة الفائدة أو السماح بالخفض المتواصل في قيمة العملة إذا كانت هذه هي النتيجة؟

وهل قاست الحكومة والأجهزة المسؤولة الأثر المباشر لقرار الزيادة المتواصلة في سعر الفائدة على أنشطة وقطاعات اقتصادية ومالية منها معدل النمو الاقتصادي للدولة والدين الحكومي والموازنة العامة وتكلفة الاقتراض المصرفي وكلفة الإنتاج ومناخ الاستثمار والأعباء الإضافية على المنتجين والمستثمرين وغيرها من العوامل المتعلقة بجزء كبير من القطاع الاقتصادي، والمالي والاستثماري للدولة والأفراد؟

هل قاست الحكومة الأثر المباشر لقرار الزيادة المتواصلة في سعر الفائدة على أنشطة وقطاعات منها معدل النمو والدين الحكومي والموازنة العامة

مع الإشارة هنا إلى تصريحات وزير المالية محمد معيط، والتي قال فيها يوم 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي إن كل زيادة 1% في سعر الفائدة تكبد الموازنة العامة للدولة بين 30 و32 مليار جنيه عبء دين بما يؤدي إلى زيادة تكلفة الفائدة في الموازنة، وبالتالي أثر على الدين العام وعجز الموازنة، فما بالنا إذا كانت الزيادة 2% مرة واحدة كما جرى اليوم تضاف إلى 8% أخرى جرت في العام 2022.

في ظل هذه الاعتبارات وغيرها على البنك المركزي أن يبحث في جدوى الخطوات التي يقوم بها في إطار إدارته السياسة النقدية ومنها الرفع المتواصل لسعر الفائدة بهدف مكافحة التضخم، خاصة وأن سبب التضخم الأساسي لا يكمن في توافر السيولة الضخمة والفائضة لدى أفراد المجتمع والتي يجب سحبها من التداول عن طريق زيادة الفائدة، لكنها تكمن في قفزات سعر الدولار ومعها الأسعار بالدرجة الأولى.

موقف
التحديثات الحية

كما تلعب الحكومة دورا في تغذية التضخم عبر اجراء زيادات في أسعار السلع الغذائية والبنزين والسولار والغاز والخدمات والمواصلات العامة الرسوم والضرائب.

وهنا لن يصبح رفع الفائدة هو الحل الأمثل لمكافحة قفزات الأسعار، بل سيرهق الدولة والمنتجين والمستثمرين والأسواق والمواطن.

أعرف أن البنك المركزي قد تكون لديه اعتبارات أخرى تدفعه إلى تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة أبرزها الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي على الحكومة وقرب وصول بعثته الفنية للقاهرة لمراجعة البرنامج الاقتصادي، ومحاولة إعادة الأموال الساخنة الهاربة منذ مارس/آذار الماضي عقب اندلاع حرب أوكرانيا وزيادة الفائدة الأميركية، وربما تعويض صغار المدخرين وأصحاب المعاشات الذين لديهم ودائع في البنوك أحد الأسباب.

رضا صندوق النقد يجب ألا يشكل أولوية لدى صانع القرار، والأموال الساخنة لن تعود طالما أن البنك الفيدرالي يواصل رفع الفائدة على الدولار

لكن رضا صندوق النقد يجب ألا يشكل أولوية لدى صانع القرار، والأموال الساخنة لن تعود طالما أن البنك الفيدرالي الأميركي يواصل رفع الفائدة على الدولار والبالغة حاليا نحو 5%.

والحكومة مطالبة بإجراءات جدية لخفض معدل التضخم منها التوقف عن زيادة الأسعار والرسوم والضرائب، وعدم إلقاء كامل المهمة على البنك المركزي الذي يمتلك فقط أدوات السياسة النقدية ولا يمتلك الأدوات المالية والاقتصادية الأخرى. فهناك أدوار يجب أن تقوم بها وزارات التجارة والصناعة والاستثمار والمالية والزراعة وغيرها.

المساهمون