عن تهاوي أسعار النفط وموعد مع سنوات عجاف

30 سبتمبر 2024
العمالة الأجنبية في الخليج قد تتضرر من تهاوي أسعار النفط (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحديات اقتصادية وسياسية: تواجه دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط تحديات كبيرة بسبب توقعات تهاوي أسعار النفط، مما يزيد من الأزمات الحالية مثل الحروب والتوترات السياسية.
- تأثير اقتصادي مباشر: انخفاض أسعار النفط قد يهز اقتصادات هذه الدول، حيث يُعتبر النفط المورد الرئيسي للإيرادات الحكومية، مما قد يؤدي إلى عجز في الموازنات العامة.
- خيارات صعبة: الحكومات قد تضطر إلى السحب من الاحتياطي النقدي، ترشيد الإنفاق، أو زيادة الضرائب والرسوم، مما يثقل كاهل المواطنين.

باتت دول منطقة الشرق الأوسط التي تنتج النفط على موعد مع سنوات عجاف ومفاجآت غير سارة، بسبب توقعات تهاوي أسعار النفط، لتضاف تلك التوقعات المتشائمة أزمة جديدة إلى جانب الأزمات الحالية ومنها استمرار اندلاع الحروب، كما هو الحال في فلسطين ولبنان والسودان، وزيادة التوترات السياسية والمخاطر الجيوسياسية واحتمالات اندلاع حرب إقليمية إذا ما انضمت إيران إلى الحرب الدائرة ضد إسرائيل، أو في حال غزو دولة الاحتلال لبنان برياً والدخول في مواجهة عسكرية مباشرة في العراق واليمن وسورية، وإغلاق مضيق هرمز، أو تعطيل هجمات الحوثي الملاحة كلية في البحر الأحمر وقناة السويس، ولم تقتصر الهجمات على استهداف السفن الإسرائيلية وسفن الدول الداعمة لحرب الإبادة ضد أهالي القطاع.

ونظرة إلى التقارير الحديثة الصادرة عن بنوك استثمار عالمية كبرى ومؤسسات متخصصة، منها سيتي بنك وجي بي مورغان تشيس وبنك أوف أميركا وغولدن مان ساكس وويلز فارغو وغيرها، تجد زيادة في التوقعات الخاصة بتهاوي أسعار الخام الأسود في الفترة المقبلة، رغم خفض الإنتاج الكبير من قبل تحالف "أوبك+"، وهو ما قد يثير قلق الحكومات والشعوب معاً من أزمات مالية وعجز في الموازنات العامة وضغوط معيشية.

هذا التهاوي في أسعار النفط قد يهز اقتصادات دول شرق أوسطية منتجة للنفط كما حدث في سنوات 2009 و2014 و2016 و2021، باعتبار أن النفط هو المورد الرئيسي للخزانة العامة

هذا التهاوي في أسعار النفط قد يهز اقتصادات الدول الشرق أوسطية المنتجة للنفط كما حدث في سنوات سابقة مثل 2009 و2014 و2016 و2021، باعتبار أن النفط هو المورد الرئيسي للخزانة العامة والإيرادات الحكومية داخل هذه الدول، وأن الدولة المنتجة ستفقد جزءاً مهماً من تلك الإيرادات التي تخصصها لسداد الرواتب والأجور وتمويل الاستثمارات العامة، ودعم السلع والخدمات، وسداد أعباء الدين الخارجي والداخلي، ودعم استقرار سوق الصرف الأجنبي، والدفاع عن العملة المحلية في وجه المضاربات.

أما عن حاجز التراجع المتوقع في أسعار النفط فقد جاء متبايناً، فقد توقعت شركة "ترافيغورا" مثلا تراجع سعر النفط لمستوى 60 دولاراً للبرميل في وقت قريب بسبب تباطؤ الطلب الصيني، والوفرة المستمرة في المعروض العالمي من النفط، وهو مستوى مزعج لبعض دول الخليج وللدول العربية ذات الانفاق العام الضخم مثل العراق والجزائر.

أما "سيتي بنك"، وهو واحد من أكبر البنوك في العالم، فقال في تقرير قبل أيام إنه إذا لم يتبن تحالف "أوبك+" الذي تقوده السعودية وروسيا مزيداً من خفض الإنتاج، فقد ينخفض السعر إلى 60 دولاراً للبرميل في 2025 مع تراجع الطلب، وزيادة العرض من الدول غير الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وإنه إذا انخفضت الأسعار إلى 60 دولاراً، فقد تدفعها التدفقات المالية إلى انخفاض أكبر، ربما إلى 50 دولاراً للبرميل قبل تعاف محتمل.

وحذر بنك جي بي مورغان تشيس من احتمال انخفاض أسعار النفط إلى مستوى 60 دولاراً للبرميل بحلول نهاية 2025، في ظل توقعات تراجع الطلب واستقرار الإمدادات عند مستوياتها الحالية، ما قد يدفع "أوبك+" إلى خفض إضافي قد يصل إلى مليون برميل. وقال البنك إن 60 دولاراً ليس سعراً جيداً للمنتجين ولا المستهلكين، وستحتاج أوبك إلى خفض الإنتاج مليون برميل يومياً.

وقبل أيام، خفض بنك أوف أميركا توقعات أسعار النفط إلى 75 دولاراً للبرميل في النصف الثاني من 2024. وعزا ذلك، إلى تراكم المخزونات العالمية وضعف نمو الطلب والقدرة الإنتاجية الفائضة لأوبك+.

تراجع سعر النفط إلى مستوى 60 دولاراً وحتى 70 دولاراً يمثل هزة مالية وأزمة كبيرة للدول المنتجة للنفط، والتي تعتمد على الخام الأسود اعتماداً كبيراً في تمويل الموازنة العامة، وفي مقدمة تلك الدول: دول الخليج الست وفي مقدمتها السعودية، أكبر منتج للنفط داخل مجموعة أوبك، والكويت، وكذا إيران والعراق والجزائر وليبيا.

وهنا ستكون حكومات تلك الدول المتضررة من تهاوي أسعار النفط أمام خيارات صعبة، وقد تلجأ إلى بدائل بعضها قاس، فإما السحب من الاحتياطي النقدي المتراكم أثناء طفرة الأسعار، وإما السحب من أموال الصناديق السيادية وتسييل بعض الأصول وبيع حصص في شركات وبنوك عالمية كما جرى في سنوات سابقة، وإما ترشيد الإنفاق الحكومي وتطبيق سياسات تقشف حادة، وإما العودة إلى الاقتراض من المؤسسات المالية وأسواق الدين الخارجية، وإما اللجوء إلى خيار تحميل المواطن الفاتورة كاملة.

وهنا سيكون المواطن على موعد مع زيادات في الرسوم والضرائب، وخفض في الدعم الحكومي، وزيادات أسعار ليس فقط في منتجات الوقود من بنزين وسولار وغاز، بل تمتد إلى تكاليف المعيشة وأسعار السلع الأساسية. وربما يتم الجمع بين كل تلك البدائل كما جرى في أزمات سابقة.

المساهمون