عن الملفات الاقتصادية في لقاء عباس وغانتس

04 يناير 2022
غانتس أبلغ عباس نيته مواصلة تعزيز إجراءات بناء الثقة (Getty)
+ الخط -

التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في منزل الأخير بمدينة روش هعاين بالقرب من تل أبيب مساء يوم 28 ديسمبر/ كانون الأوّل 2021 لمناقشة القضايا الأمنية والاقتصادية، وهي خطوة أدانتها حركة حماس بشدّة ووصفتها بأنّها طعنة للانتفاضة في الضفة الغربية وخدمة لمصالح العدوّ واحتياجاته فحسب.

وأفادت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بيان لها بأنّ غانتس أبلغ عباس نيته مواصلة تعزيز إجراءات بناء الثقة في المجالات الاقتصادية والمدنية وتعميق التنسيق الأمني والحفاظ على الاستقرار الاقليمي ومنع الإرهاب والعنف كما اتَّفقا مسبقاً في اجتماعهما الأول في أغسطس/آب 2021 بمدينة رام الله في الضفة الغربية.
لقد صدّق غانتس على تحديث بيانات ولمّ شمل والاعتراف بالوضع القانوني لـِ 6000 فلسطيني من الضفة الغربية و3500 فلسطيني من قطاع غزّة، وناقش خلال هذا الاجتماع إمكانية إضفاء الشرعية على المزيد من البناء الفلسطيني في الضفة الغربية، وتخفيض الرسوم المفروضة على مشتريات الوقود، وتسهيل شحن الحاويات عبر جسر "اللنبي" الرابط بين الضفة الغربية والأردن، وإنشاء منصة رقمية لضريبة القيمة المضافة، ووافق على التحويل المُبكِّر لمدفوعات ضريبية بقيمة 100 مليون شيكل إسرائيلي (32.2 مليون دولار) للسلطة الفلسطينية المُثقلة بالديون بهدف مساعدتها على تخطِّي أزمتها الاقتصادية الطاحنة وتيسير الحياة اليومية للفلسطينيين.

وتجمع إسرائيل ضريبة القيمة المضافة والتعريفات الجمركية لفلسطين، كما تمرّ جميع الواردات إلى فلسطين عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية، وفقاً لاتفاقيات أوسلو؛ وتعتبر تلك المدفوعات الضريبية من أهمّ مصادر دخل السلطة الفلسطينية، كما تجمع إسرائيل أيضاً ضريبة الدخل وأموال التأمين الصحي للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، وبالرغم من ذلك يبقى هذا الرقم ضئيلاً مقارنة بـ 2 مليار شيكل (641.27 مليون دولار) من أموال العائدات الضريبية الفلسطينية التي تحتجزها إسرائيل، منها 600 مليون شيكل (193.12 مليون دولار) جمَّدتها إسرائيل لمعاقبة السلطة الفلسطينية في تمّوز/ يوليو 2021.
وعلى الرغم من تبجُّح إسرائيل بإقراض السلطة الفلسطينية 500 مليون شيكل (160.32 مليون دولار) بعد الاجتماع الأوّل بين غانتس وعباس في أواخر أغسطس/آب 2021، إلا أنّ الفلسطينيين على علم تام بأنّ تلك السُّلفة ما هي إلا جزء من رصيد أموالهم المحتجزة لدى إسرائيل.
وقرَّر غانتس منح 600 بطاقة رجل أعمال المعروفة بالـ BMC لكبار رجال الأعمال الفلسطينيين، حيث توفِّر لهم هذه البطاقة عدّة امتيازات، كالدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، والسفر عبر مطار بن غوريون الإسرائيلي، وتسهيل المرور على المعابر والحواجز الأمنية بدل الانتظار لساعات طويلة، ووافق أيضاً على تقديم 500 تصريح إضافي لرجال الأعمال لتمكينهم من دخول إسرائيل بسياراتهم، بالإضافة إلى تقديم العشرات من تصاريح الشخصيات المهمّة المعروفة بالـ VIP لكبار الشخصيات والمسؤولين الفلسطينيين، التي تُمكِّنهم من التنقُّل دون تفتيش.

وبحسب تقارير إسرائيلية، فإنّ من المُتوقَّع أن يؤدِّي تنفيذ الإجراءات المختلفة التي نُوقشت خلال هذا الاجتماع إلى إضافة مئات الملايين من الشواكل سنوياً إلى موازنة فلسطين، ولكن شتّان بين المُتوقَّع المنشود والواقع الموجود، فالعلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وفلسطين لا تقرِّرها القوانين أو النيات فحسب، بل تخضع لعوامل كثيرة متداخلة، أهمها التنازلات الفلسطينية للإسرائيليين والتنسيق والتعاون والخضوع المستمرّ؛ ولا يخفى على أحد استغلال الصهاينة لضعف الاقتصاد الفلسطيني، حيث تمرّ فلسطين اليوم بأسوأ أزمة اقتصادية، فهي تواجه صعوبات جمّة في الوفاء بالتزاماتها نتيجة شحّ المساعدات الدولية، وتداعيات جائحة كورونا التي ضربت الاقتصاد الفلسطيني في مقتل، وتغوُّل العدوان الصهيوني.
ومن المُتوقَّع أن يصل عجز موازنة السلطة الفلسطينية إلى 1.36 مليار دولار في نهاية عام 2021 وفقاً لتقرير البنك الدولي الذي عُرض خلال اجتماعٍ عقد يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في مدينة أوسلو بالنرويج.
ليس وحده الرئيس عباس من تلقَّى وابلاً من قذائف اللوم والتقريع عن هذا اللقاء، بل تعرَّض غانتس أيضاً لعدّة انتقادات وهجوم عنيف من أعضاء الكنيست، ولا سيَّما عضو الكنيست عن حزب الليكود أوفير سوفير الذي حذَّر من أنّ حكومة بينت-لبيد تقود إسرائيل إلى اتفاقيات أوسلو أخرى، واعتبر بعض المعارضين غانتس أنّه حصان طروادة اليسار الراديكالي الذي يقود إسرائيل إلى خطر عظيم.
ومن جهتها أكَّدت حركة حماس في بيان لها أنّ هذا اللقاء الحميمي وتبادل الهدايا الذي حدث بين عباس وغانتس يكشف مرّة أخرى عن الانحدار الكبير الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية ورئاستها، وشدَّدت على أنّ الشعب الفلسطيني بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لقيادة وطنية نزيهة ومخلصة وقادرة على حماية حقوقه الوطنية والدفاع عنها والتعبير عن تطلُّعاته وتحرير أرضه.

وأفادت حماس بأنّ هذا الاجتماع سيُعمِّق الانقسامات بين الفلسطينيين، في إشارة منها إلى استمرار الخلاف بين حماس وحركة فتح برئاسة الرئيس عباس؛ كذلك اتَّهم عضو المكتب السياسي في حركة حماس عزت الرشق الرئيس عباس بازدراء الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص أولئك المحتجزين في السجون الإسرائيلية.

ينمّ هذا الاجتماع أيضاً عن نفاق رئيس الوزراء نفتالي بينت الذي يعلن غير ما يبطن، فقد عارض استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، ورفض علناً لقاء الرئيس عباس، وبالرغم من ذلك تعهَّدت حكومته بتقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية وإنقاذ اقتصادها المتعثِّر تحت إشراف غانتس الذي يعتبر نظام الرئيس عباس البديل الأوحد لحركة حماس في الضفة الغربية، فقد صرَّح غانتس عدّة مرات بأنّ قوّة السلطة الفلسطينية تعني بالضرورة بالنسبة إليه ضعف حركة حماس، وبالتالي تحاول حكومة بينت-لبيد التحكُّم في هذه المعادلة لمصلحتها من خلال دعم السلطة الفلسطينية وحثِّها على فرض النظام وتوفير الأمن بالنيابة عنها.

خلاصة القول: يستنكر أغلب الفلسطينيين هرولة رئيسهم للقاء غانتس دون أيّ شروطٍ أو قيود في مثل هذه الاجتماعات التي يعتبرونها محض هراء، فما أُخذ بالقوّة لا يُستردّ إلا بالقوّة، ولكنهم يدركون أيضاً أنّ الأزمة لن تنتهي بمجرّد رحيل الرئيس عباس، فقد تكون الشخصيات المُرشَّحة لخلافته أميركية القلب وإسرائيلية القالب وأكثر سوءاً منه، حيث تستمرّ الأعشاب الضارّة في النمو بغضِّ النظر عن عدد المناجل التي تُناضل لاقتلاعها من جذورها.

المساهمون