فعلها منذ سنوات حسني مبارك ومعمر القذافي وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح حينما زعموا أن بلادهم فقيرة، وأن الدول التي يحكمونها ليس فيها موارد مالية وثروات وإيرادات كافية تسد أفواه ملايين المواطنين من الفقراء والجوعى، وأن زيادة السكان تلتهم أي تنمية بما فيها مشروعات تحسين التعليم والرعاية الصحية وإقامة المدارس والمستشفيات.
لكن الحقائق التي تكشفت بعد قيام ثورات الربيع العربي أكدت أن أموال هؤلاء الرؤساء المخلوعين في البنوك الغربية، خاصة المصارف السويسرية والأوروبية، وفي العقارات والبورصات الدولية والذهب والملاذات الآمنة كافية لإطعام شعوبهم سنوات طويلة.
سار على نهج الرؤساء المخلوعين معظم الحكام ورؤساء الوزارات العرب حتى بعد قيام ثورات الربيع، فقد وقف كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر في العام 2012 وأيام حكم المجلس العسكري مدعيا أن مصر على وشك الإفلاس، وأن القمح يكاد ينفذ من صوامع مصر، وأن احتياطي النقد الأجنبي يكاد يختفي من البنك المركزي.
تكرر الموقف في السنوات الأخيرة، ففي الوقت الذي كان فيه المواطن السوداني يجد صعوبة في الحصول على رغيف الخبز والدواء، كان عمر البشير يدعي عدم وجود أي موارد مالية أو سيولة، رغم أن الأموال السائلة التي عثر عليها في خزينته بعد عزله وقاربت قيمتها 100 مليون دولار كانت كفيلة بإطعام ملايين السودانيين، وأنه حصل على منحة من السعودية قيمتها 90 مليون دولار لم يبلغ الجهات الرقابية بها.
النخبة الحاكمة في لبنان تزعم دوما أن البلد فقير، وأنه لا توجد موارد لدى الدولة للإنفاق على الصحة والتعليم والوقود وشبكات المياه ومواجهة ظاهرة النفايات وانقطاع الكهرباء، ولذا تلجأ الحكومات المتعاقبة لفرض الرسوم والضرائب، رغم أن أحد أفراد هذه النخبة تبرع لعارضة أزياء من جنوب أفريقيا بمبلغ 16 مليون دولار مقابل ليلة واحدة، كما أن حسابات هذه النخبة في البنوك الأوروبية متخمة بمليارات الدولارات المنهوبة.
أحدث مثال صارخ على كذب الحكومات العربية ما أعلنته الحكومة العراقية قبل أيام عن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد بسبب الاحتجاجات الشعبية الساخطة على سياساتها.
مثلا زعمت هذه الحكومة أن قطع الإنترنت خلال الأيام الأولى من التظاهرات الحالية كبد البلاد خسارة تقدر بمليار دولار، وأن خسارة العراق من إغلاق ميناء أم قصر لمدة ثلاثة أيام فقط بلغ 6 مليارات دولار، وأن قطع طرقات النقل من قبل المتظاهرين أدى إلى منع وصول نحو 90 ألف برميل نفط خام مخصص للتصدير إلى أحد الموانئ، وهو ما ضيع على البلاد ملايين الدولارات حسب ادعاءات كبار المسؤولين.
بالطبع، في حال صدقت هذه التصريحات الرسمية، فإن عائدات يوم واحد من الخسائر التي تتسبب فيها التظاهرات الحالية قادرة على توفير الخدمات الأساسية للعراقيين من كهرباء ومياه وصرف صحي، وتشغيل معظم العاطلين المتظاهرين الآن في الشارع.
الحكومات العربية تكذب بشأن الأرقام لأنها لا تحترم الأرقام والرأي العام من الأصل، ولذا تبالغ في أرقام خسائر الاحتجاجات والإضرابات بهدف تخويف الشارع من المظاهرات، وربما التغطية على العنف المفرط الذي تمارسه ضد المحتجين السلميين أو التغطية على عمليات فساد واسعة وتهريب للأموال خلال فترة التظاهر.