أعلنت مصادر حقوقية ومنظمات مجتمع مدني عن إطلاق قوات الأمن المصرية سراح عمال غزل المحلة المحتجزين لديها خلال الأيام الماضية، بعد استدعائهم للتحقيق على خلفية الإضراب الذي نظمه العمال للمطالبة بمساواتهم بالحد الأدنى للأجور الذي أعلن عنه مؤخرًا الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وطبقًا للمعلومات الواردة في الموقع الرسمي للشركة، يعمل في شركة غزل المحلة نحو 16 ألف عامل، ينتجون الملابس الجاهزة والمنتجات النسيجية للسوق المحلية والتصدير.
وأصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مطلع الشهر الجاري، قرارًا برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهريًا (نحو 120 دولاراً بالسعر غير الرسمي لكن المتداول) اعتبارًا من مارس/آذار المقبل، إضافة إلى زيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بحدٍ أدنى يتراوح من 1000 إلى 1200 جنيه حسب الدرجة الوظيفية، وذلك في إطار حزمة حماية اجتماعية وصفها المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بأنها "أكبر حزمة لتخفيف الأعباء المعيشية".
لكن في السياق ذاته، أصدرت إدارة شركة غزل المحلة منشوراً لا يستجيب بما يكفي لمطالب العمال، ما أدى إلى مواصلة الإضراب.
وصدر يوم الأحد الموافق 25/2/2024، عن إدارة شركة مصر للغزل والنسيج (غزل المحلة) -بتوقيع العضو المنتدب التنفيذي- منشور تضمن: "اعتباراً من راتب شهر مارس/آذار المقبل، يتُصرف علاوة دورية قدرها 7% تضاف للراتب الأساسي وتؤثر في كلٍ من الحوافز والجهود، وصرف منحة بمبلغ مقطوع بنسبة 8% من الراتب الأساسي، وذلك لجميع العاملين بالشركة، بحد أدنى لهما لا يقل عن 150 جنيهاً ومن دون حد أقصى، ورفع الحد الأدنى للدخل من 4 آلاف جنيه إلى 6 آلاف جنيه لجميع العاملين شهرياً، ويزاد على ذلك مقابل ساعات العمل الإضافية".
وشمل زيادة حد الإعفاء الضريبي من 45 ألف جنيه سنوياً إلى 60 ألف جنيه سنوياً لجميع العاملين. وإرجاء خصم مديونية الضرائب عن شهر فبراير/شباط لجميع العاملين بمناسبة شهر رمضان المبارك، مع تقسيط باقي مديونية الضرائب على 14 شهراً للموظفين وللعمال على 27 مدة اعتباراً من شهر مارس 2024".
إضراب عمال غزل المحلة مستمر
لكن على الرغم من هذه الوعود الواردة في منشور الشركة، فإن عمال غزل المحلة قرروا مواصلة الإضراب مؤكدين أن الشركة لم تتجاوب بعد مع مطالبهم التي أضربوا عن العمل من أجلها.
وصاغت دار الخدمات النقابية والعمالية بيانًا باسمها، عبرت فيه عن وجهة نظر العمال المستمرين في الإضراب لليوم الرابع على التوالي، قالت فيه "إننا إذ نرحب بمبادرة إدارة الشركة كمحاولة للاستجابة لمطالب عمال غزل المحلة الذين لم يبرحوا ساحة طلعت حرب بالشركة مستمرين في إضرابهم وفقاً للأسس التي أعلنوها، غير أن هذه المبادرة قد افتقدت إلى التجاوب الفعلي الجدي مع مطالب العمال".
وردت الدار على منشور الإدارة بأن "ما تضمنه البند الأول في المنشور هو نص المادة السادسة من القانون رقم 9 لسنة 2024 الذي صدر ونشر بالجريدة الرسمية يوم الخميس الماضي، حيث تضمنت هذه المادة تعجيل موعد صرف العلاوة الدورية السنوية ليصبح في الأول من مارس/آذار بدلاً من أول يوليو/تموز، وصرف منحة تعادل الفرق بين نسبة العلاوة الدورية السنوية والعلاوة الخاصة التي تبلغ 15% (أي نسبة الـ8% التي نص عليها المنشور) كمبلغ مقطوع لا يضاف للأجر الأساسي، وذلك لجميع العاملين في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، ومنهم عمال غزل المحلة بطبيعة الحال".
وتابعت الدار: "للأسف لم يساوِ هذا القانون بين عمال قطاع الأعمال العام والعاملين بالدولة من غير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية، الذين تُصرف لهم المنحة الخاصة بنسبة 15% دون أن تخصم منها نسبة العلاوة الدورية السنوية.. حيث يتعين التذكير هنا بأن العلاوة الدورية السنوية لا شأن لها بالتضخم وارتفاع الأسعار، وإنما ترتبط بالتدرج الوظيفي للعامل وأقدميته في وظيفته وما يكتسبه من خبرات، بينما تتقرر المنحة الخاصة لمعالجة آثار التضخم وزيادة الأسعار التي تفوق بكثير نسبة الـ8%، بل ونسبة الـ15% ذاتها".
كما قالت الدار في بيانها، الذي يعبر عن وجهة نظر عمال غزل المحلة: "إن ما نص عليه البند الثاني من المنشور من رفع الحد الأدنى للدخل من 4000 إلى 6000 جنيه لجميع العاملين شهرياً يظل غامضاً طالما لم تذكر قواعد احتسابه- على الأخص- مع استخدام عبارة الحد الأدنى للدخل بدلاً من عبارة الحد الأدنى للأجر، وهو ما يوحي باحتساب عناصر متعددة ضمن هذا الحد الأدنى ربما كان أهمها الأرباح".
إشكالية الأجور
وأكدت الدار أن "عبارة رفع الحد الأدنى للدخل من 4000 جنيه إلى 6000 جنيه لا محل لها من الإعراب، حيث إنه لم ينمُ إلى علم أي عامل من عمال غزل المحلة أنه كان هناك حد أدنى أربعة آلاف جنيه لكي نعرف بناءً على ذلك ما هي القواعد التي كانت متبعة في احتساب هذا الحد الأدنى".
إذ تضمنت حزمة القرارات التي أعلنت عنها الحكومة زيادة الحد الأدنى للأجر من 4000 جنيه (الذي كان مقرراً للعاملين بالأجهزة التابعة للحكومة) إلى 6000 جنيه بنسبة 50%، وهي الزيادة التي رؤي أنها لازمة للتخفيف من معاناة الناس، "وإذا كان عمال غزل المحلة من أبناء الشعب المصري الذين يعانون جميعاً من الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، فإن لهم كل الحق في أن يكون الحد الأدنى لأجورهم 6000 جنيه دون أن تتضمن قواعد احتسابه ما ينتقص انتقاصاً كبيراً من قيمته"، وفق البيان.
كما رأت أن "عبارة رفع الحد الأدنى للدخل من 4000 جنيه إلى 6000 جنيه لجميع العاملين تبدو غير مفهومة أيضاً، ذلك أن مفهوم الحد الأدنى للأجر هو أنه أقل أجر يحصل عليه العامل حديث التعيين، ويفترض أن يتم تدريج أجور سائر العاملين انطلاقاً من هذا الحد الأدنى، وقد خلا المنشور من أي إشارة إلى تدريج الأجور، بل أنه يثير اللبس بعبارة لكل العاملين، بينما كان مطلب العمال المعلن بوضوح هو 6000 جنيه حد أدنى للأجور وتدرج الأجور انطلاقاً منه".
أما بشأن ما تضمنه البند الثالث من المنشور من زيادة حد الإعفاء الضريبي من 45 ألف جنيه سنوياً إلى 60 ألف جنيه سنوياً لجميع العاملين، قالت الدار: "هو في الحقيقة ما تضمنته حزمة القرارات الاجتماعية التي أعلن عنها الرئيس، ويفترض بطبيعة الحال أن يصدر بها مجلس النواب قانوناً، وهي لجميع المصريين، أي أنها لم تأتِ كاستجابة من قبل إدارة الشركة لمطالب العمال، غير أن إرجاء خصم مديونية الضرائب عن شهر فبراير وتقسيط باقي مديونية الضرائب يعدان بادرة طيبة لتفهم أوضاع العمال ومعاناتهم".
كما لفتت الدار في بيانها إلى "خلو المنشور من أي إشارة إلى زيادة بدل الوجبة التي يطالب بها العمال #تمن_كيلو_لبن، وهي بغير شك مطلب عادل وقانوني لمن يعملون في صناعة الغزل والنسيج والملابس، ويتعرضون لمخاطر مهنة تستدعي على الأقل تناولهم ليتراً من اللبن يومياً".
لذلك، رأى العمال أن "تجاهل هذا المطلب المتواضع غير المغالى فيه من قبل إدارة الشركة يبدو غير مبرر وغير منطقي".
وأخيراً؛ أكدت الدار أن "عمال غزل المحلة لا يرفضون التفاوض بشأن مطالبهم، ولكنهم يرفضون التعالي عليها أو تجاهلها، وإذا كانت المفاوضة الإيجابية تفترض حسن النية، فإن الضغط على بعض العمال أو تهديدهم يهدر مبادئ المفاوضة الجماعية، ويعوقها. ولذلك فإننا ندين أي إجراءات يتم اتخاذها لترويع العمال أو تهديدهم".