علاء الدين الأعرج لـ"العربي الجديد": خسائر فادحة لقطاع المقاولات في فلسطين

23 مايو 2023
رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين علاء الدين الأعرج (العربي الجديد)
+ الخط -

قال رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين، علاء الدين الأعرج، إن حجم مشاريع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" يعادل ما نسبته 25 إلى 30% من حجم المشاريع المطروحة في قطاع غزة، وبنسبة أقل في الضفة الغربية المحتلة.

وأضاف الأعرج، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن جائحة كورونا أدت لارتفاع أسعار مواد البناء خلال الفترة من عام 2019 وحتى وقتٍ قريب، ومنها ما وصلت قيمة ارتفاعه إلى 100% كحديد التسليح. وشدد رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين على أن هناك خسائر فادحة لحقت بالمقاولين. 

وكشف عن وجود قرابة 84 مليون دولار أميركي إرجاعات ضريبية متراكمة على وزارة المالية في رام الله لصالح المقاولين في غزة لم تدفع منذ عام 2008، بالإضافة لمبالغ مالية متراكمة على "أونروا" تصل إلى 24 مليون دولار أميركي لم تدفع منذ عام 2014. وفيما يلي نص لاحوار:

- تكررت خلال السنوات الأخيرة الإضرابات والفعاليات الاحتجاجية من قبل المقاولين الفلسطينيين ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".. فما أسباب الأزمة؟
تاريخنا مع الأونروا يحتاج إلى كثير من الشرح، فالوكالة الأممية تضم قطاعات عدة، تقدم من خلالها الخدمات للاجئين الفلسطينيين، إلى جانب قطاع المشاريع الذي يعتبر قسماً مستقلاً فيها، وتعتبر مشاريع الأونروا من الأكثر حضوراً في هذا المجال، فعلى الصعيد السنوي تطرح الوكالة ما نسبته 25 إلى 30% من حجم العطاءات الموجودة، إلا أن عقودها لها طبيعة خاصة تختزل فيها الكثير من المسائل التي تهم الطرف الآخر المتمثل في المقاول.

على سبيل المثال الأونروا في عقدها لا تعترف بأي ظرف من الظروف القاهرة الاستثنائية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية عموماً، وقطاع غزة، على وجه التحديد، على أنها قوة قاهرة، مثل الجائحة والوباء، وعدم اعترافها بأنها ظروف استثنائية وخارجة عن إرادة الطرف الآخر، يؤدي إلى عدم تعويض الشركات عن أي أضرار وخسائر تلحق بالمشاريع المتعاقدين عليها مع الأونروا.

ومن أبرز ما حدث خلال الفترة الماضية ما جرى خلال جائحة كورونا نهاية عام 2019 وحتى عهد قريب، حيث ارتفعت أسعار مواد الإنشاء بفعل الجائحة وتداعيتها العالمية، فمن المواد ما تجاوزت نسبة الزيادة فيه أكثر من 100%، فعلى سبيل المثال ارتفع سعر حديد التسليح من 2200 شيكل ليصل إلى 4500 شيكل إسرائيلي، وهو أمر يفوق قدرة المقاول على تحمله، (الدولار=3.65 شواكل إسرائيلية).

- كم النسبة التي يمكن للمقاول الفلسطيني أن يتحملها على صعيد الأسعار والارتفاعات؟
عندما ترتفع الأسعار بنسبة 2 إلى 5% فمن الممكن أن يتحملها المقاول الفلسطيني بحيث يتآكل ربحه قليلاً من إجمالي العقد، لكن، عندما ترتفع الأسعار لتتجاوز 10% أو يتجاوز بعضها 50% يصبح من الصعب أن يتحملها أي مالك لشركات المقاولات، وفي المتوسط فإن ما حصل خلال الفترة الماضية هو ارتفاع في متوسط التكلفة يقدر بـ 35% من قيمة العقد، وبالتالي لحقت بالمشاريع خسائر فادحة.

- وهل حصل أي تفاوض مع إدارة الأونروا على تذبذب الأسعار وحالة الارتفاع في أسعار المواد المستخدمة؟
تفاهمنا مع إدارة الأونروا، بداية مع دائرة الأبنية والهندسة لديهم بحيث يكون هناك آلية للتعويض بموجب عقدهم السيئ، بطريقة يكون فيها إعادة التوازن الاقتصادي للعقد، ومن جانب آخر يكون هناك رؤية إنسانية بحيث يُعوض المتضررون من المقاولين، وأثبتنا لهم حجم الضرر نتيجة للزيادة التي ألحقتها الجائحة بالنقل سواء البري أو البحري أو الجوي.

فعلى سبيل المثال كانت تكلفة نقل المواد الخام من الصين إلى ميناء أسدود حوالي 1700 دولار، لكنها أصبحت لاحقاً في ظل الجائحة 17400 دولار، وبالتالي هذا ارتفاع فاحش في الأسعار ويترتب عليه خسائر كبيرة، وهو ما قادنا لمقاطعة عطاءات الوكالة الأممية في شهر يناير/ كانون ثاني 2022، واستمر الإضراب 3 أشهر، ومع تدخل الوسطاء جرى التوصل لاتفاق، كان هناك رضا عن بعد بنوده، لكن الأونروا رفضت تعويض المتضررين، ووصلنا إلى المقاطعة الثانية المستمرة حتى الآن خلال عام 2023.

- أمام هذه الخلافات، ما مطالب المقاولين الفلسطينيين والاتحاد في ظل استمرار الإضراب ومقاطعة المشاريع؟
مطالبنا من وكالة الأونروا تتلخص في اعتماد القوة القاهرة المتمثلة في الوباء، وتعويض الشركات عن الخسائر في الفترة الماضية، إلى جانب دفع الضريبة المضافة التي كانت المؤسسة الأممية تدفعها حتى عام 2014 لصالح المقاول الذي يتعاقد معها، قبل أن تقرر بشكل منفرد في العام ذاته عدم دفع هذه الضريبة، وتركت المقاول يصارع مع وزارة المالية في رام الله لاستعادة الإرجاع الضريبي.

وأدى هذا الأمر إلى رصد مبالغ مالية لصالح المقاولين على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تقترب من 24 مليون دولار، في الوقت الذي تدعي فيه أونروا أن هذه الأموال على السلطة الفلسطينية، فيما تقول الأخيرة إن هذا العقد مع الأونروا، وأنه ليس لها أي علاقة به في ظل وجود اتفاقية قديمة تعود إلى عام 1994 مع الوكالة تقضي بإعفاء جميع المشاريع الخاصة بأونروا من جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة بما فيها ضريبة القيمة المضافة.

- إلى أين وصل المشهد مع الأونروا في ظل عدم دفع قيمة هذه الأموال؟
نحن الآن في مرحلة عض الأصابع مع الوكالة الأممية، ومشاريعها عرضة للتوقف في ظل وجود دعم مالي مرصود لتنفيذ مشاريع إنشائية، منها 50 مليون دولار من صندوق التنمية الألماني، و20 مليون قادمة من مشاريع أخرى عرضة للتوقف والذهاب لمناطق أو قنوات أخرى غير وكالة الغوث الدولية.

وبالتالي فإن الضرر على الجميع، سواء المقاول الذي لن يعمل، وعلى الوكالة التي لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها للأقسام الهندسية والإشرافية، والجميع في أزمة.

نحن وضعنا لهم خريطة طريق، تتمثل في اقتطاع نسبة من هذه الحقوق المترصدة عبر التمويلات القادمة، لتغطية العجز في المشاريع السابقة من 2014 حتى الآن، على أن يتم ذلك على سنوات عدة، وهو أمر موجود حالياً على طاولة الوكالة الدولية، وفي حال رفضه فإن الموضوع سيصعب حله في فترة قريبة.

- هل تدفع ضريبة القيمة المضافة والإرجاعات لصالح المقاولين الفلسطينيين من قبل وزارة المالية؟ وما الآليات؟
الإشكالية في ما يتعلق بملف الإرجاعات الضريبية تتمثل في الانقسام الفلسطيني الذي يلقي بظلاله على هذا الملف وغيره، لكن زملاءنا المقاولين بالضفة الغربية يحصلون على قيمة الضريبة خلال مدة لا تتجاوز 45 يوماً وبشكل نقدي.

وفي حال وجود أزمات لدى وزارة المالية في رام الله يحصلون على سندات دين حكومية لمدة سنة أو 6 أشهر، ويعملون على تسويتها من خلال البنوك الفلسطينية، وهذا الأمر لا يعتمد في قطاع غزة بسبب الانقسام.

وبالتالي أصبح المقاول الغزي تحت مطرقة الحصار الإسرائيلي من ناحية والانقسام الفلسطيني. منذ عام 2008 لم يجر دفع أي قرش خاص بالإرجاعات الضريبية لصالح المقاولين في غزة نتيجة الانقسام الفلسطيني.

وتراكم على وزارة المالية في رام الله لصالح المقاولين قرابة 84 مليون دولار وهو مبلغ قابل للزيادة في ظل المشاريع الصفرية، رغم أننا أبلغناهم جاهزيتنا للتفاوض حول المبلغ مع ضرورة الاعتراف بها أولاً كحقوق للمقاولين، على اعتبار أنها خاصة بقرابة 173 شركة، 40% منها متوقف عن العمل والباقي يعاني.

- هل من إشكاليات أخرى تواجه المقاول الفلسطيني في غزة في ما يتعلق بالمشاريع الدولية التي تنفذ في قطاع غزة بشكل عام؟ وهل من حلول بديلة؟
غالبية المشاريع المنفذة في غزة تعقد بالدولار الأميركي واليورو الأوروبي، وأحياناً تتهاوى هذه العملات بشكلٍ سريع، وبالتالي يحدث هناك تآكل لقيمة المشاريع ما يسبب خسارة، لا سيما في حال وصلت النسبة لمرحلة تتجاوز 10 إلى 12% وهو ما يقود إلى خسائر أدت في المرحلة الماضية لخروج بعض الشركات من السوق.

أما عن الحلول فهناك العقد الفلسطيني الموحد والمتوازن والمنصوص فيه بشكل واضح، بأن يكون هناك تعويض إذا ارتفعت الأسعار أو انخفضت بنسبة 3% وهو مقر منذ عام 2006، ولو جرى تطبيقه في كل المؤسسات يخرج الجميع من المأزق، وللعلم فإن العقد يوازن بين المقاول والمؤسسة.

- ماذا عن واقع المقاولات بشكل عام، كم يشغل هذا القطاع، وإلى أين وصل الحال حالياً في ضوء الحصار الإسرائيلي وتلاحق الحروب؟
في الوضع الطبيعي كان قطاع المقاولات يشغل ما نسبته 22% من العمالة بما يشمل العمال والمقاولين والمحاسبين والمهندسين، وفي الوقت الحالي فإن النسبة تتراوح ما بين 8.5% إلى 9% فقط في أحسن الأحوال، نتيجة حالة الانهيار الكبير وتسريح العمال والعاملين في هذا القطاع، وهذا يعني ارتفاع نسبة البطالة غير المسبوقة في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في المحافظات الجنوبية "قطاع غزة".

في السابق كان عدد شركات المقاولات يقدر بـ456 شركة، فيما وصل عدد شركات المقاولات في المرحلة الراهنة من ناحية المسجلين والمسددين للرسوم 270 شركة، أما عدد الشركات العاملة فعلياً في المشاريع المختلفة في قطاع غزة فهو لا يتجاوز 120 شركة، والباقي ينتظر دوره في السقوط.

- في الآونة الأخيرة هناك تزايد على صعيد الاستثمار العقاري وبناء العمارات والأبراج في قطاع غزة. ألا يعكس هذا وجود حركة نشطة في قطاع الإنشاءات؟
في قطاع غزة الاستثمار الموجود جزء منه مدروس عبر شركات تعمل بشكل متوازن، تختار المواقع بشكل جيد، وعندها القدرة الرأسمالية لبناء العقارات، والصبر في موضوع الاستردادات أو البيع بالتقسيط، أو من خلال التقسيط من البنوك، وهناك مغامرون في هذا القطاع يقومون بتدشين الأبنية وبعدها لا يستطيعون إكمالها، وهو ما أدى لأزمات وقضايا موجودة في المحاكم، خلال الفترة الأخيرة.

لكن وبشكل عام الركود يلف القطاع رغم أنه يحتاج إلى ما نسبته 120 ألف شقة سكنية، بسبب التنامي السكاني وفقاً لوزارة الأشغال.

- في ضوء المشهد الحالي، هل الأسعار السوقية تعبّر عن الواقع وتتناسب مع الظروف المعيشية والاقتصادية للسكان في غزة؟
الأسعار متفاوتة حسب الموقع، وطريقة التشطيب والتسليم، وبشكل عام فإن أسعار العقارات في ضواحي مدينة غزة تختلف عنها في بقية المدن، فهناك أسعار من 30 ألف دولار للوحدة السكنية الواحدة، وتصل إلى 150 ألفاً في بعض المناطق، حيث تلعب المساحة وبعض العوامل دوراً في تحديد السعر.

المساهمون