تتحرك موسكو بسرعة لمواجهة التحركات الغربية الرامية إلى حظر وتسقيف النفط الروسي، يواكب ذلك التحرك سعي روسيا للتحوّل إلى أسواق بديلة، أبرزها الصين والهند، للحفاظ على مستويات إنتاجها والالتفاف على العقوبات الغربية الواسعة.
رسميا، قالت وزارة الطاقة الروسية، الثلاثاء، إنها تعكف على وضع إجراءات جديدة للحد من تخفيض أسعار النفط الروسي مقارنة بخامات القياس العالمية، وذلك بعدما فرض الغرب سقفاً للأسعار.
وبينما يقترب موعد تنفيذ العقوبات الغربية على النفط الروسي الخاصة بالحد الأقصى لسعر الخامات الروسية التي حددتها مجموعة السبع بـ60 دولاراً للبرميل وحظر واردات المشتقات البترولية في فبراير/ شباط المقبل، يثار السؤال حول ما هي الخطوات المتوقع أن تتخذها روسيا لمقاومة هذا الحظر، وهل سيكون الحظر فعلاً مؤثراً على دخل روسيا من النفط.
حتى الآن انحصر رد الفعل الروسي في بيانات رسمية وتصريحات قالت فيها موسكو إنها لن تبيع النفط ومشتقاته للدول التي تنفذ قرارات السقف السعري بدءاً من الأول من الشهر المقبل.
ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الشهر الماضي، مرسوماً يحظر توريد النفط الخام والمنتجات النفطية للدول التي تلتزم بالحد الأقصى لسعر النفط الروسي، اعتباراً من أول فبراير/ شباط ولمدة خمسة أشهر.
لكن ما هي الخسائر المتوقع أن تتكبدها روسيا من العقوبات الغربية على الطاقة؟
بحسب مراقبين للملف، فإن الخسائر التي ستتكبدها الخزينة الروسية من حظر أوروبا لاستيراد الغاز الروسي كبيرة جداً، لأن روسيا ليست لديها شبكة أرضية بديلة لتصدير الغاز الطبيعي لآسيا، كما أنها دولة حديثة في صناعة الغاز المسال، وبالتالي فإنها ستعاني لإيجاد أسواق بديلة لخسارتها سوق الغاز الأوروبي، وسيكون أمامها طريق طويل لبناء شبكة بديلة إلى الصين ودول آسيا، ولكن على صعيد النفط والمشتقات البترولية من الديزل والغازولين، فإنها قد لا تخسر كثيراً.
على صعيد خسائر الإنتاج النفطي من تحديد سقف الأسعار، حسب تصريحات نائب رئيس الوزراء، وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، فإن العقوبات الغربية ستخفض الإنتاج الروسي بكميات تراوح بين 5% و7% خلال العام الجاري.
من جانبها، تقدر "أوبك" انخفاض الإنتاج الروسي خلال العام الجاري بنحو 850 ألف برميل يومياً إلى 10.1 ملايين برميل يومياً. وهذا المعدل من التراجع في الإنتاج النفطي يبدو ضئيلاً وغير مؤثر على الخزينة الروسية، وفق مراقبين.
لكن رئيس مصرف "أوتكريتيه" الروسي ميخائيل زادورنوف توقع، الشهر الماضي، تراجع إنتاج النفط في بلاده بمقدار 50 مليون طن (بما يعادل 366 مليون برميل في العام الجاري)، ليصل خلال عام 2023 إلى 475 مليون برميل مقابل 525 مليوناً خلال العام الماضي، 2022، متأثراً بالحظر النفطي الأوروبي، بينما تعتمد الميزانية الروسية توقعات أكثر تفاؤلاً بأن يبلغ الإنتاج 490 مليون طن.
على صعيد الاستثمارات في الصناعة النفطية، لا يبدو أن الشركات الروسية ستتكبد خسائر جديدة تضاف إلى الخسائر التي تكبدتها في العام الماضي والتي بلغت مليارات عديدة من الدولارات.
وقدرت شركة "رايستاد " النرويجية لأبحاث الطاقة حجم الاستثمارات التي خسرتها صناعة النفط الروسية من العقوبات الغربية وخروج الشركاء الأجانب من عمليات التنقيب بقطاع النفط والغاز الروسي بنحو 15 مليار دولار في العام الماضي 2022.
وكانت روسيا تتوقع أن تقترب الاستثمارات بقطاع التنقيب من 50 مليار دولار في عام 2022. وحسب "رايستاد"، بلغ إجمالي الاستثمارات في قطاع التنقيب والإنتاج في روسيا 45 مليار دولار العام الماضي.
من جانبه، يرى خبير الطاقة البريطاني سايمون واتكنز أن موسكو لا تبدو قلقة من العقوبات على البترول ومشتقاته رغم التصريحات التي صدرت من الكرملين.
ويبرر ذلك بقوله إن السعر الذي حددته مجموعة السبع للنفط الروسي بنحو 60 دولاراً يحقق للشركات الروسية أرباحاً كبيرة تعادل 20 دولاراً في البرميل مقارنة بكلفة الإنتاج. وتقدر كلفة إنتاج النفط الروسي في المتوسط بنحو 40 دولاراً، وهي تعادل كلفة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وذلك يضاف إلى ثلاثة عوامل أخرى تجعل روسيا غير قلقة تجاه "السقف السعري لنفطها"، وهذه العوامل هي أن روسيا كانت تتخوف من تحديد سقف سعر أدنى، يجبر شركاتها على خفض الإنتاج بمعدلات كبيرة أو الاستمرار في الإنتاج وبيعه بخسائر.
وفي الحالتين فإن روسيا كانت ستتكبد خسائر كبيرة لأنها في حال الاستمرار في الإنتاج بالمعدلات الحالية، ليست لديها خزانات احتياطات نفطية مثلما هو الحال بالنسبة للولايات والصين لتخزين فائض الإنتاج، كما أن الاقتصاد الصيني لم يتعاف بعد من جائحة كورونا رغم فتح السوق الصيني.
وفي حال خفض الإنتاج عبر غلق آبار فإن الشركات الروسية كانت تتخوف من الاضطرار لإغلاق بعض الحقول النفطية التي ربما تتعرض لاحقاً للتلف خاصة في منطقة سيبيريا المتجمدة، وأن فتحها ربما يحتاج إلى تقنيات وقطع غربية لن تتمكن من الحصول عليها بسبب الحظر الغربي.
على صعيد أسواق النفط البديلة لأوروبا، تبدو شركات النفط الروسية تعول على السوقين الصيني والهندي والأسواق الناشئة التي تعاني بشدة من أزمات مالية.
في هذا الشأن، يرى الخبير النفطي سوبراتا ماجومدر، في تحليل بدورية "يورو آسيا"، أن ارتفاع أسعار الطاقة ضار بشكل كبير بالاقتصادات النامية وسيدفع دول الاقتصادات الناشئة التي تتأثر بصدمات أسعار الطاقة للالتفاف على الحظر وشراء الخامات الروسية.
ويقول ماجومدر إن هذه الاقتصادات ستسعى بشتى السبل لتوظيف سقف الأسعار لصالحها، لأن الدول الأعضاء في تحالف "السقف السعري" ستكون ملتزمة بالفعل بالحظر أو بالتخلص التدريجي من واردات النفط الروسي، وبالتالي لن تستفيد بشكل مباشر من انخفاض الأسعار. وبناءً على ذلك، فإن المشترين المحتملين في الأسواق الناشئة هم الذين سيستفيدون مباشرة من النفط الروسي منخفض الكلفة.
وحسب الخبير النفطي، فإن اقتصادات الأسواق الصاعدة ترغب في استقرار أسعار النفط على سعر محدد يساهم في التعامل مع أزمات التضخم ويخلصها من الحاجة لدفع الدولارات ثمناً للنفط المستورد، وبالتالي فإن هذه الدول ربما تشتري النفط الروسي عبر صفقات مقايضة أو باليوان الصيني المرتبط بسعر تبادلي مع الروبل الروسي.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير البريطاني سايمون واتكنز إن الشركات الروسية ربما تستخدم حيلا لشحن خاماتها إلى موانئ الدول الأوروبية الصغيرة المتساهلة في الرقابة، مثل جمهوريات البوسنة والهرسك وصربيا ودولة مقدونيا وكرواتيا ومونتنيغرو وألبانيا. ومن خلال دخول النفط الروسي إلى هذه المناطق يمكن بسهولة للتجار الباحثين عن التربح تمرير الخامات الروسية إلى الأسواق الأوروبية الكبرى.
على صعيد توفير الناقلات لشحنات النفط، يرى محللون أن روسيا تستطيع توفير 75% من أسطول الناقلات الذي تحتاجه بسرعة وأن 90% من الناقلات يتوفر خلال أسابيع، وبالتالي ربما لا يكون رفض شركات التأمين مؤثراً على نقل الخامات الروسية إلى الأسواق العالمية.
وفي عام 2021، بلغت حصة الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع ما بين 68% و70% من مجموع صادرات النفط الروسي ومنتجاته إلى السوق العالمية.