يتخوف الكثير من الأتراك من صعود قياسي لأسعار العقارات وتراجع قدرتهم على الشراء والتملك، بعد قرار الحكومة، رفع قيمة العقارات المراد شراؤها من قبل الأجانب للحصول على الجنسية من 250 ألف دولار إلى 400 ألف دولار، وسط تساؤلات حول الهدف من القرار.
ويتزامن القرار الصادر في منتصف إبريل/ نيسان الجاري، مع توقعات بتزايد أعداد الأجانب الراغبين في شراء العقارات للحصول على الجنسية خصوصاً من الروس الذين يسعون إلى تجنب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو، وكذلك العرب الذين يرون أنّ الأوضاع في تركيا أفضل حالاً من بلدانهم، سواء التي تشهد حروباً أو اضطرابات سياسية وحالة من عدم اليقين الاقتصادي.
كما تأتي هذه الخطوة، قبل نحو عام من الانتخابات العامة في تركيا المقرر عقدها في يونيو/حزيران 2023، وفيها سينتخب الأتراك رئيساً وبرلماناً جديدين، لمدة 5 سنوات لكلّ منهما، إذ يرى محللون أنّ الحكومة ترمي من وراء رفع قيمة شراء العقارات، إلى تحقيق أكثر من هدف، من ذلك تقليص حدة الانتقادات الموجهة لها بتزايد أعداد الحاصلين على الجنسية مقابل المال على مدار السنوات الماضية، وفي نفس الوقت زيادة الحصيلة الدولارية التي تحصل عليها الدولة، ما ينعش الليرة المتهاوية التي خسرت أكثر من 45% من قيمتها عام 2021، وأكثر من 6% منذ بدء الحرب الروسية نهاية فبراير/ شباط الماضي.
يقول المحلل الاقتصادي التركي، هشام جوناي، إن القرار الجديد سيؤثر على قطاع العقارات، فالأسعار قد تزداد بمعدلات أكبر، ولا سيما بعد غلاء المواد الأولية في الفترة الأخيرة، ما يؤثر على قدرة الأتراك الشرائية.
ويضيف جوناي في تصريح لـ"العربي الجديد": "زيادة قيمة العقار من 250 ألف دولار إلى 400 ألف، قد لا تكون هائلة بالنسبة لمستثمر أجنبي أو ساعٍ للحصول على الجنسية التركية، إلّا أنّ الزيادة المتوقعة في الأسعار ستؤثر على قدرة الكثير من الأتراك على الشراء ما ينعكس بشكل سلبي على القطاع الذي بدأ يشهد جموداً مع الغلاء".
لكنّ الباحث الاقتصادي، يحيى السيد عمر، يرى أنّ القرار جاء في الوقت المناسب وسيعود نفعاً على تنشيط قطاع العقارات والعملة التركية، موضحا في حديث مع "العربي الجديد" أنه جاء في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وما سببته من لجوء وهروب لرؤوس الأموال نحو دول عدة، وفي ذات الوقت طاولت بعض العقوبات عموم الروس، لذلك فالتعاملات التجارية للروس باتت صعبة للغاية وهو ما دفعهم للبحث عن جنسية أخرى تمكنهم من تنفيذ أعمالهم التجارية الدولية بحرية، وهذا ما سبب زيادة الطلب على شراء العقارات من قبل الأجانب.
يضيف عمر: "العرض والطلب يحددان آلية السوق، وتركيا تشهد زيادة في الطلب على العقارات، لذا رأت الحكومة في زيادة الطلب الحالية والمتوقعة مستقبلاً فرصة لاستقطاب المزيد من الدولار، كما أنّ الحكومة في ظل الطلب المرتفع الحالي قد لا ترغب في زيادة عدد الأجانب المجنسين وذلك لأهداف تتعلق بالأمن القومي".
ويتابع أنّ "زيادة حصيلة الدولار من خلال رفع قيمة العقارات مقابل الجنسية سيزيد من المعروض من العملة الأميركية في السوق وبالتالي تحسن قيمة الليرة، وهذا في حال لم يتأثر الطلب سلباً بزيادة السعر". وكانت تركيا قد خفضت قيمة العقار مقابل الجنسية في سبتمبر/أيلول 2018 من مليون دولار إلى 250 ألف دولار.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو، إنّ قرار زيادة قيمة العقارات مقابل الجنسية جاء بعدما لمست الحكومة زيادة في طلب الجنسية، خصوصاً هذه الفترة جراء زيادة قدوم رؤوس الأموال من روسيا وأوكرانيا على حد سواء.
ويشير أوغلو إلى أنّ الجنسية عبر شراء العقار، يستفيد منها الأب والأم وولدان دون سن 18 عاماً، بمعنى أنّ تجنيس الشخص، ورغم رفع قيمة العقار بنحو 150 ألف دولار عن المبلغ السابق، إلّا أنّه رقم قليل بالنسبة للمستثمرين والساعين للجنسية التي تمنح حاملها ميزات كثيرة، على صعيد العمل الصناعي والتصدير والقروض المصرفية.
ويرى أوغلو أنّ القرار لن يؤثر سلباً على قطاع العقارات، لأنّه يشهد اقبالاً كبيراً هذه الفترة، من الروس والإيرانيين والعراقيين وحتى الأوروبيين. وفي ما يتعلق بالشروط الجديدة للتملك يقول أوغلو إنها لم تصدر كاملة، لكن هناك أنباء حول عدم مبيع العقار قبل مضي ثلاث سنوات، وهذا يخفف من المضاربة وربما يوجه الرساميل إلى العقارات التجارية أكثر من السكنية للاستفادة من تدوير الرساميل.
وكانت تركيا قد أصدرت قانون تجنيس الأجانب استثنائياً، عبر شراء العقارات والإيداع المصرفي، عام 2017 بقيمة مليون دولار للعقار وثلاثة ملايين ليرة إيداع مصرفي لخمس سنوات، قبل أن تعدل القانون في سبتمبر/أيلول 2018 بتخفيض الإيداع إلى 500 ألف دولار وقيمة العقار إلى 250 ألف دولار.
وهناك من يرى أنّ قرار زيادة قيمة العقار مجدداً لا يخلو من أسباب سياسية، وفق محللين، خصوصاً بعد إطلاق نشطاء أتراك، هاشتاغ VatanımdaMülteci "لاجئ في وطني"، معربين عن رفضهم تملك الأجانب العقارات مقابل الجنسية.
وفي السياق، يعتبر مدير مركز حرمون للأبحاث في إسطنبول، سمير عبد الله، أنّ القرار الأخير برفع قيمة العقار مقابل الجنسية جاء في إطار محاولة الحكومة ضبط وجود الأجانب وتقليل عدد المجنسين، قبل حلول انتخابات العام المقبل، وتخفيف انتقادات المعارضة لحزب العدالة والتنمية، بل إنّ هناك أصواتاً تركية، بما فيها من حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية، تطالب برفع قيمة عقار التجنيس إلى مليون دولار، كما كان في السابق.
وعلى خلاف الكثير من المحللين يرى عبد الله أنّ القرار لن ينعكس كثيراً على سعر الليرة، وأنه سيؤثر على سوق العقارات الذي بالكاد بدأ في الانتعاش بعد عامي كورونا، ما سيؤدي إلى تراجع المبيعات دون أن تنخفض الأسعار.
وفي السياق، يقول مدير المبيعات في شركة "فال" المتخصصة في التسويق العقاري، أحمد ناعس، إنّ هناك حالة ترقب في السوق العقارية للقرار الحكومي الأخير، مضيفاً أنّ الجميع ينتظرون شروط منح الجنسية بناء على القيمة المحددة هذه المرة وما إذا كان سيتم فرض حظر بيع لبضع سنوات.
ويضيف ناعس في حديث مع "العربي الجديد" أنّ قطاع العقارات، خاصة بعد تخفيض سعر الفائدة المصرفية واستقطاب معظم الإيداعات، بات الأكثر تحقيقاً للعائد، سواء عبر إعادة البيع أو التأجير والاستثمار، لذا ارتفعت الأسعار إلى مستوى يراه كثيرون، غير منطقي ولا يتناسب مع دخل الأتراك، لكنها بالنسبة للمستثمرين الأجانب والساعين إلى الجنسية، متوسطة أو قليلة، بدليل الإقبال المتزايد على الجنسية وفق شرط شراء العقار ووصول عدد من حصل على الجنسية منذ صدور القرار عام 2017، إلى نحو 20 ألف شخص.
وتقدر البيانات الرسمية عدد الحاصلين على الجنسية مقابل شراء العقارات بنحو 17.9 ألف شخص حتى منتصف العام الماضي 2021، عدا الحاصلين على الجنسية جراء الإيداع المصرفي.
وفي حين لا يستبعد ناعس الأسباب السياسية، لتقليل عدد المجنسين، خصوصاً ما قبل الانتخابات، يضيف أن تركيا ستدرس آثار رفع قيمة عقار التجنيس، وربما نرى تعديلات أخرى، إذ بدأ شرط الجنسية بقيمة عقار مليون دولار، وذلك ضمن ما نرى من تعديل قوانين وقرارات عقارية، مثل التقييم العقاري على سبيل المثال.
وحول الآثار المباشرة على السوق، يؤكد أنّ السوق التركية وخلال الأيام السابقة التي تلت الإعلان عن القرار تشهد حركة مبيع كبيرة، ولكن يتوقع تراجع المبيعات بعد نشر شروط التجنيس، مشيراً إلى أنّ حركة السوق لا تحددها شروط الجنسية فقط، بل عائد العقارات الذي ارتفع 29% خلال الربع الأول من هذا العام، وزاد عن 106% خلال عام، لافتاً إلى أنّ الاستثمار العقاري ما زال ضمن أولويات رؤوس الأموال وإقبال المستثمرين.