ارتفعت أسعار المنازل الأميركية في سوقٍ اشتعلت بعد تزايد ثروات الأميركيين خلال عام الجائحة، حتى أصبح الأمر المعتاد أن تباع بأكثر من الأسعار المعلنة على تطبيقات وصفحات سماسرة العقارات.
وتحولت العقارات إلى سوق يتحكم فيها البائعون، ويستسلم المشترون لما يفرض عليهم إن استطاعوا، وهو ما أثار حالة من الجدل حول مصير تلك الارتفاعات، ما بين كونها ارتفاعات مبررة نتيجة تأثيرات السياسة النقدية والمالية وحزم المساعدات خلال أزمة الجائحة، أو كونها مجرد فقاعة لن تلبث أن تنفجر، كما حدث في حالات أخرى مشابهة.
واعتُبر العام الأخير الأكثر سخونة في نشاط مبيعات العقارات منذ عام 2007، الذي شهد إرهاصات الأزمة المالية العالمية، التي كانت قروض الرهن العقاري المبالغ فيها ومشتقاتها على رأس العوامل التي أوصلت العالم لما حدث من اضطرابات مالية، وإفلاسات في بعض الأحيان، وقتها.
وبعدما ارتفعت أسعار المنازل في كلّ مكان تقريباً في الولايات المتحدة، أظهرت بيانات صادرة عن شركة "زيللو" المالكة للتطبيق الشهير المتخصص في عرض العقارات للبيع أنّ نسبة ارتفاع الأسعار خلال العام الأخير في عشرات من المدن الأميركية تجاوزت 10%.
أظهر تقرير حديث صادر عن رابطة المطورين العقاريين الوطنية في الولايات المتحدة، عجزاً يقدّر بنحو 5.5 ملايين منزل، بسبب تراجع معدلات البناء خلال العقدين الأخيرين عن حجم الطلب المسجل في المتوسط طويل الأجل
ووسط تضخم واضح رفع كلفة كلّ شيء، بما في ذلك مواد البناء وأجور العاملين في قطاع الإنشاءات، أظهر تقرير حديث صادر عن رابطة المطورين العقاريين الوطنية في الولايات المتحدة، عجزاً يقدّر بنحو 5.5 ملايين منزل، بسبب تراجع معدلات البناء خلال العقدين الأخيرين عن حجم الطلب المسجل في المتوسط طويل الأجل.
وطالبت الرابطة، في تقريرها، الذي صدر قبل نهاية الأسبوع الماضي في واشنطن العاصمة، أعضاء الكونغرس بضرورة العمل على سدّ ذلك العجز من خلال خطة لتطوير البنية التحتية في البلاد خلال الفترة القادمة، مؤكدةً أنّ "بناء المنازل هو جزء من البنية التحتية الحيوية، ولديه من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية ما يفوق تكاليفه، بالإضافة إلى أنّه يساعد واضعي السياسات على المستوى الفيدرالي والمحلي".
وحذرت الرابطة من التهاون في اتخاذ إجراءات فورية، عبر جميع المستويات الحكومية، من أجل حلّ الأزمة، مطالبة باتخاذ الخطوة الضرورية لهذا الجيل من الأميركيين.
وتباطأت الإضافات إلى مخزون المساكن في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ منذ بداية الألفية الثالثة، وتحديداً خلال العقد الأخير، الأمر الذي بدا واضحاً في الولايات كافة، وخلق ما يسميه تقرير الرابطة "فجوة البناء" التي قد يصل حجمها إلى 6.8 مليون وحدة سكنية منذ عام 2001.
ورغم أنّ المتوسط السنوي لبناء المنازل في الولايات المتحدة تجاوز 1.5 مليون منزل خلال الفترة من 1968 إلى 2000، تسببت الأزمات المالية المتتالية، كما ارتفاع معدلات الفائدة في أغلب الفترات، في انخفاض المتوسط السنوي خلال العقدين التاليين إلى 1.224 مليون منزل في العام.
ويقول ديفيد بنك، نائب أول لرئيس مجموعة "روزن الاستشارية" التي أعدت التقرير: "نحتاج إسكاناً بأسعار معقولة، نحتاج لأسعار السوق، نحتاج لمنازل الأسرة الواحدة وللمنازل متعددة الأسر".
وتسبب نقص المعروض من المنازل في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع الطلب على الشراء بسبب انخفاض معدلات الفائدة المطبقة على قروض الرهن العقاري لأدنى مستوياتها في التاريخ، وارتفاع ثروات الأميركيين خلال عام الجائحة، في ارتفاع أسعار المساكن كما ارتفاع الإيجارات.
ارتفع سعر المنازل القائمة في الولايات المتحدة بنسبة 19% مقارنة بسعرها في العام السابق
وفي المتوسط، ارتفع سعر المنازل القائمة في الولايات المتحدة بنسبة 19% مقارنة بسعرها في العام السابق، ووصل متوسط سعر ما يعرف باسم منزل الأسرة الواحدة إلى أعلى مستوياته التاريخية، مسجلاً 341.6 ألف دولار في إبريل/ نيسان الماضي.
وأظهر تقرير الرابطة أنّ نصف المنازل القائمة التي بيعت خلال إبريل/ نيسان الماضي اضطر مشتروها إلى دفع نسبة 20% من قيمتها من أموالهم، بينما تم تمويل باقي المبلغ من خلال قروض الرهن العقاري.
ووفقاً لسجلات السنوات العشر الأخيرة، وصلت قيمة الدفعة التي يتحملها المشترون من أموالهم إلى 50% أو أكثر من قيمة العقار في ثلاث فترات فقط، كانت جميعها خلال الأشهر الثمانية المنتهية في إبريل/ نيسان الأخير.
ودفع ربع مشتري العقارات القائمة خلال نفس الشهر كامل قيمة العقار نقداً، وهي أعلى نسبة تُسجل منذ أربعة أعوام.
وخلال العام الأخير، تغيرت ديناميكيات بيع وشراء المنازل الأميركية، وبعدما كان صاحب المنزل يحدد السعر الذي يطلبه لبيع منزله، فتأتيه العروض بأسعار تقل 3% - 5%، ليختار أفضلها، أصبح على من يريد شراء منزل أن يعرض مبلغاً يزيد عن السعر الذي يطلبه البائع بما لا يقل عن 10% لضمان فوزه بالمنزل المعروض للبيع.
يقول محمد، المقيم في واشنطن العاصمة، إنّه أراد أن يشتري منزلاً في ولاية فلوريدا بالقرب من الشاطئ بهدف الاستثمار، فزار المنطقة التي يرغب الشراء فيها، ثم أخذ يراقب الأسعار، فوجد أنّها ارتفعت بصورة غير معقولة خلال الأشهر الستة الأخيرة، ليضطر إلى اتخاذ قرار الشراء قبل أن ترتفع أكثر من ذلك...
يضيف محمد: "أول خمس مرات وجدت منزلاً في الحدود السعرية التي في حدود قدرتي، وتتراوح بين 300 و400 ألف دولار. كنت أقدم العرض بقيمة أقل من المطلوب بحوالي 20 ألف دولار، ثم اضطررت لتقديم طلبي بالقيمة المطلوبة كاملة، وكلّ ذلك لم يفلح" مؤكداً أنّه اضطر في النهاية لعرض 35 ألف دولار فوق السعر المطلوب، ليضمن قبول عرضه، وهو ما حدث بالفعل.