عض قلبي ولا تعض رغيفي

30 يونيو 2022
بات المواطن حول العالم أكثر تركيزاً على قوته اليومي وهمّه المعيشي (Getty)
+ الخط -

تقول المؤشرات إن اهتمام المواطن في العديد من دول العالم بالتطورات اللحظية لحرب أوكرانيا تراجع في الأسابيع الأخيرة، وإن الناس لم يعد يهمها ما إذا كانت روسيا قد احتلت موقعا استراتيجيا في أوكرانيا، أو أن الجيش الأوكراني صد هجمة شرسة لجحافل الجيش الروسي على جزيرة الثعبان الإستراتيجية في البحر الأسود أو تقهقر أمامها.

وقد لا يعني المواطن حشد روسيا آلاف الجنود للسيطرة على سيفيرودونيتسك، وتعزيز واشنطن حضورها العسكري في أوروبا من عدمه.

فاهتمامات المواطن تغيرت في الشهور الأخيرة وبات التركيز الأكبر على متابعة أسوأ أزمتين تمر بهما أسواق العالم، الغذاء والوقود، والتداعيات الخطيرة للأزمتين سواء على اقتصادات الدول وقوتها المالية، أو على القدرة الشرائية للأفراد والتي تراجعت بشدة أمام الغلاء الفاحش وقفزات الأسعار المتواصلة.

على مستوى الأزمة الأولى فإن متابعة الأخبار المتعلقة برغيف الخبز ولقمة العيش وتقلبات الأسواق تصدرت اهتمامات المواطن عبر رصد تحركات أسعار الحبوب يوميا، خاصة القمح والشعير والذرة والأرز وغيرها من السلع الغذائية مثل الزيوت واللحوم.

متابعة الأخبار المتعلقة برغيف الخبز ولقمة العيش وتقلبات الأسواق تصدرت اهتمامات المواطن عبر رصد تحركات أسعار الحبوب يوميا

ومن هنا فإن العالم بات يشده أكثر خبر تطيره وكالة أنباء أو قناة فضائية عن عرقلة روسيا صادرات القمح الأوكراني وإشعال الحرائق في مخازن وصوامع القمح وزراعات الفلاحين أكثر من خبر يتحدث عن قصف روسيا موقع حربي أو مركز تسوق في أوكرانيا واعتبار مجموعة السبع أن ما حدث بمثابة جريمة حرب.

وبات متابع وسائل الإعلام العربية والعالمية يهتم أكثر بما يدور داخل الموانئ الأوكرانية، والمفاوضات الأممية بشأن الممرات الآمنة لتصدير الحبوب، أو نزع الألغام من تلك الموانئ الواقعة على البحر الأسود، أكثر من متابعته تطورات ميدانية تتعلق بتكثيف روسيا الهجوم في منطقة دونباس، وتدمير الجيش الروسي مخزن أسلحة حديثة سلمها الغرب للجيش الأوكراني.

وباتت متابعة المواطن لأخبار سيطرة روسيا على سفينة محملة بالحبوب غادرت ميناء أوكرانياً، وقصف الجيش الروسي سفينة تحمل حبوبا أوكرانية كانت في طريقها للتصدير، وضغوط مجموعة السبع على موسكو للسماح بخروج شحنات الحبوب من أوكرانيا لتجنب تفاقم أزمة الغذاء العالمية، وتحول القمح إلى سلاح فتاك في يد الروس، أكثر شغفا وجاذبية من متابعة مباحثات السلام بين موسكو وكييف، والتلاسن بين الكرملين والبيت الأبيض، وتوسيع حلف شمال الأطلنطي.

أما القضية الثانية التي يتابعها المواطن حول العالم فتتعلق بأزمة الوقود وتداعياتها الخطيرة على سعر صفيحة البنزين والسولار وأنبوبة غاز الطهي، ولذا قد يلاحق المواطن أولا بأول أخبار المفاوضات الأممية بشأن أزمة تصدير القمح الروسي والأوكراني، والوساطة التركية في تأمين ممرات آمنة للتصدير، ووضع الهند وغيرها من الدول قيود على صادرات القمح والأغذية لدول العالم، أكثر من متابعته عراقيل ضم السويد وفنلندا لحلف الناتو.

القضية الثانية التي يتابعها المواطن تتعلق بأزمة الوقود وتداعياتها الخطيرة على سعر صفيحة البنزين والسولار وأنبوبة غاز الطهي

وعندما يتابع قطاع كبير من العالم المفاوضات الجارية بين واشنطن وإيران بشأن البرنامج النووي فإن جزءاً من اهتمامه ينبع من كون أن نجاح تلك المفاوضات يفتح الباب أمام عودة صادرات النفط الإيراني للأسواق العالمية، وهو ما يساهم في تهدئة أسعار النفط وخفض أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار.

ينطبق ذلك على ما يحدث في دول العالم التي تشهد اضطرابات شعبية بسبب تردي الوضع الاقتصادي، والأمثلة كثيرة، لبنان وسريلانكا ودول أخرى تقع في أسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.

وعندما يتابع المواطن اجتماعات مجموعة السبع فإن أهم ما يلفت نظره هي القرارات المتعلقة بحظر تصدير الذهب الروسي لأسواق العالم، وتشديد الحصار على النفط والغاز الروسي، وبالتالي حدوث قفزات متوقعة في أسعار الوقود، ولا يعنيه القرارات الأخرى حتى لو كانت متعلقة بمخاطر جيوسياسية.

الحكومات والأنظمة الحاكمة تدرك هذا التغير في اهتمامات وسلوك المواطن وتوجهات الناخب وقراراته المستقبلية، وهذا ما يفسر جولة الرئيس الأميركي جو بايدن القادمة للمنطقة وزيارته دول الخليج في هذا التوقيت.

فأحد أبرز أهداف بايدن من الزيارة هو العمل على خفض سعر البنزين حتى يمتص غضب الناخب الأميركي من قفزات سعر الوقود والذي يمكن أن يقود إلى حدوث تغييرات في نتائج انتخابات الكونغرس المقبلة المقررة في شهر نوفمبر وفوز الحزب الجمهوري على غريمه الحزب الديمقراطي.

ببساطة، حدثت تحولات في اهتمامات المواطن حول العالم، حيث بات الاهتمام يركز أكثر على القضايا الاقتصادية والمعيشية ولقمة العيش ورغيف الخبز وصفيحة البنزين مقابل تراجع بريق السياسة ومتابعة أخبار الحروب والصراعات.

لم يعد المواطن يركز على متابعة يوميات الحرب في أوكرانيا ومذكرات أشلي أبنة بايدن عن تصرفات والدها معها

وربما ما مر به العالم خلال فترة جائحة كورونا ساهم في هذا التحول خاصة مع الخسائر الفادحة التي تكبدتها الدول والاقتصادات والأفراد على حد سواء بسبب الجائحة الصحية.

كانت هناك توقعات بفترة هدنة يلتقط فيها الكل الأنفاس ويعوض جزءا من الخسائر الفادحة التي تكبدها منذ نهاية العام 2019 وحتى الآن، لكن اندلاع الحرب الأوكرانية وما أعقبها من موجة تضخم في كل السلع أحبطت تلك الآمال.

ولذا بات المواطن حول العالم يركز أكثر على الجزء المعيشي، ولم يعد يركز على متابعة يوميات الحرب في أوكرانيا ومذكرات أشلي أبنة بايدن عن تصرفات والدها معها. وصدق المثل العامي القائل "عض قلبي ولا تعض رغيفي".

المساهمون