فقد الجنيه المصري، أمس الأربعاء، نحو 60% من قيمته رسمياً أمام الدولار والعملات الصعبة، مع بدء تعويم هو الرابع منذ مارس/آذار 2022 والخامس منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016.
وجاء ذلك عقب قرار توقعته الأوساط الاقتصادية خلال الأيام الماضية، في إطار اتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولي الذي أعلن، أمس، الموافقة على قرض لمصر بقيمة 8 مليارات دولار، بعد ساعات من قرار رفع أسعار الفائدة وتحريك سعر صرف الجنيه.
أدى تحرير سعر الصرف، إلى ارتباك في حركة تعاملات البنوك، التي تهافتت على شراء الدولار، وتدبيره لصالح كبار العملاء، المكدسة مطالبهم، منذ عدة أشهر، في انتظار تدبير احتياجاتهم من الدولار عبر القنوات الرسمية.
اتخذ البنك المركزي المصري قراره المؤجل منذ عام، بإجراء تعويم جديد للجنيه وتحرير سعر الصرف الأجنبي، مع زيادة سعر الفائدة على الجنيه بنسبة 6% دفعة واحدة، لتقفز إلى 27.25%.
أدى القرار إلى تراجع فوري في سعر الجنيه مقابل كافة العملات الصعبة، خاصة الدولار، في البنوك من 30.95 جنيهاً إلى 47.20 جنيهاً، بنسبة انخفاض قدرها 52%، دفعة واحدة، ليعاود التراجع في فترة الظهيرة عند مستوى متوسط 50 جنيهاً، في السوق الرسمية، بينما ارتفع الدولار إلى 55.7 جنيهاً في السوق الموازية.
أعلن البنك المركزي أنه رفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي، وأنه سيسمح بأن يتحدد سعر الصرف "وفقاً لآليات السوق" ومواصلة جهوده للتحول نحو إطار مرن لاستهداف التضخم. رفع البنك سعر الإقراض لليلة واحدة إلى 28.25 بالمائة، وسعر الفائدة على الودائع لليلة واحدة إلى 27.25 بالمائة.
سباق بين البنوك
شهدت الأسواق ارتفاعاً في أسعار الدولار بيعاً وشراء من جانب البنوك، في سباق محموم على طلب البنوك للدولار، من دون وضع آلية من جانب إدارات البنوك لبيعه للجمهور. لامس سعر الدولار في السوق الموازية 56 جنيهاً.
توقع خبراء أن يواصل الجنيه تراجعه مقابل العملات الحرة، خلال الأيام المقبلة، ليصل إلى مستويات تتراوح ما بين 65 و70 جنيهاً، مدفوعاً بزيادة الطلب على الشراء وقلة المعروض، في ظل تراجع حصيلة البلاد من عوائد قناة السويس وتراجع الدخل السياحي، مع وجود مؤشرات بإلغاء رحلات سياحية للمنطقة تأثراً بحالة العدوان الإسرائيلي على غزة، والاضطرابات في البحر الأحمر. لكن، في المقابل تسعى الحكومة إلى كبح جماح الدولار، مما قد يبقيه في مستويات بين 50 و60 جنيهاً على أقصى تقدير، حسب مراقبين.
قال خبير التمويل والاستثمار مصطفى بدرة لـ"العربي الجديد" إن تحريك سعر الصرف أمر مخطط له منذ فترة، لتخفيض الفجوة بين سعر الدولار في السوقين الرسمي والموازي، مبيناً أن لجنة السياسات النقدية استهدفت بقرارها أمس، تحريك سعر الصرف مع رفع معدل الفائدة بنحو 600 نقطة أساس، للحد من السيولة النقدية التي في حوزة المواطنين، كما أصدرت شهادات ادخار بعائد بلغ 30%.
أكد بدرة أن تحريك سعر الصرف سيساعد الحكومة في القضاء على وجود الدولار في السوق السوداء، وعودته إلى منافذه الطبيعية في البنوك، التي ستصبح هي المتحكمة في سوق الصرف، ومشاركة في تحسين الأداء الاقتصادي، بالقضاء على المضاربة في الدولار.
أضاف خبير التمويل والاستثمار أن قرار التعويم الجديد يحتاج إلى تضافر جهود الحكومة والبنوك في توفير الدولار بكميات كبيرة للمستثمرين والموردين، للإفراج عن كافة السلع المكدسة في الموانئ، بما يعمل على تسهيل وصولها للأسواق، وبما يساعد في هبوط الأسعار وتخفيض معدلات التضخم.
يتوقع بدرة أن تستمر حركة الارتباك في أسعار الصرف خلال الأيام المقبلة، إلى حين اطمئنان المشترين للدولار بوجوده في البنوك، واتجاه المواطنين الحائزين له حالياً، إلى التنازل عنه للبنوك والتي ستحصل عليه بأسعار تنافسية.
موجة تضخمية
يتوقع الخبير الاقتصادي على الإدريسي، في حديثه مع "العربي الجديد"، حدوث موجة تضخمية جديدة في الأسعار، متأثرة بارتفاع سعر الصرف، وزيادة معدلات الفائدة على الجنيه، مشيرا إلى أن الحد من التضخم يظل مرهونا بقدرة البنك المركزي على توفير الدولار في السوق، حتى لا يصعد إلى أرقام غير معلومة.
أضاف الإدريسي أن قرار لجنة السياسات النقدية بتحرير سعر الصرف جاء متأخرا جدا، بما سيدفع الجنيه إلي التراجع عند مستويات عالية، أكثر مما كان مستهدفا تحقيقه في يوليو الماضي، عندما اتفقت الحكومة مع صندوق النقد على تحرير سعر الصرف حينما كان الدولار يبلغ نحو 36 جنيها في السوق الموازية. طالب الإدريسي ألا يدار سعر الصرف بسياسات القطيع التي تدفع الدولار إلى الصعود الدائم مقابل الجنيه، مؤكدا أن سعره سيستقر خلال الفترة المقبلة، ليبدأ مرحلة التراجع، عندما تنجح البنوك في سحب الدولار الموجود في السوق السوداء، ليصل إلى سعره الحقيقي، وفقا لآليات العرض والطلب.
قيمة الدولار الحقيقية
توقع الخبير الاقتصادي هاني توفيق، أن يؤدي تحرير سعر الصرف إلى بلوغ سعر الدولار قيمته الحقيقية العادلة وفقا لآليات العرض والطلب، بما ينهي التعاملات به في السوق السوداء، مع ارتفاع سعره إلى نحو 70 جنيها للدولار، مبيناً في تصريحات صحافية أن تحديده لهذا الرقم يستهدف تجنب حائزي الدولار للخسارة المتوقعة من تحرير سعر الصرف.
دعا عضو مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادي، إلى ضرورة أن يصاحب برنامج تحرير سعر الصرف تنفيذ مخططات لرفع معدلات الاستثمار والإنتاج، تستهدف زيادة التصدير، حتى لا تظل إجراءات التشدد النقدي تدور في نفس المسار، وتفقد الدولة قدرتها على تعويم سعر الصرف أو القدرة على توليد موارد دولارية جديدة.
أكد محللون أن عمليات الطلب على الدولار أصبحت قاصرة على البنوك، بينما يترقب كبار المتعاملين في السوق السوداء، حالة توافر الدولار في البنوك للجمهور، خاصة رجال الأعمال، وتداعيات موجة التعويم الجديدة، على أسعار كافة العملات الصعبة.
مبيعات قليلة
رصدت "العربي الجديد" عرض شاشات عدة بنوك عامة خاصة لأسعار الدولار للبيع والشراء وفقاً للأسعار الجديدة، دون أن تجري عمليات بيع إلا للحالات المقررة من قبل الحكومة سلفاً، والخاصة بتدبير نفقات السفر لمن يحمل تأشيرة وموعد الطيران.
أكد أعضاء في غرفة شركات السياحة أن عدة بنوك رفضت منحهم الدولار أو الريال السعودي وفقاً للأسعار المعلنة على شاشات البنوك، مكتفين بالقول لمن تقدم بأن ضوابط الصرف تمنح أولوية تدبير العملة، لشراء الأدوية والسلع الأساسية التي تحتاجها الدولة.
يعلق رجال الأعمال آمالهم على تلبية البنوك لصرف الدولار وفقا لسوق سعر الصرف المرن، من دون تحصيل عمولات تدبير عملة، والتي تفرضها إدارات البنوك بنسبة تصل إلى 15%، من قيمة صفقات تدبير العملة.
أوضح بيان لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي، عقب اجتماعها الطارئ أمس، برئاسة محافظ البنك المركزي عبد الله حسن أن الإسراع في عملية التقييد النقدي استهدفت تعجيل وصول التضخم إلى مساره النزولي وضمان انخفاض معدلاته الشهرية.
أكد البيان التزام البنك المركزي بالحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط، ومواصلة جهوده للتحول نحو إطار مرن لاستهداف التضخم، مع السماح لسعر الصرف بأن يتحدد وفقاً لآليات السوق، منوها إلى أن توحيد سعر الصرف إجراء بالغ الأهمية، يساهم في القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي في أعقاب إغلاق الفجوة بين سعر صرف السوق الرسمية والموازية.
كشفت أرقام البنك المركزي، الصادرة منذ يومين، عن زيادة إجمالي عجز صافي الأصول الأجنبية للبنوك المحلية، شاملةً البنك المركزي، ليسجل مستوى تاريخياً جديداً عند 28.96 مليار دولار نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، بزيادة 6.5% عن الشهر السابق. أشار البنك المركزي إلى أن الاقتصاد المحلي تأثر في الآونة الأخيرة بنقص الموارد من العملات الأجنبية، مما أدى إلى ظهور سوق موازية لسعر الصرف وتباطؤ النمو الاقتصادي، واستمرت التداعيات الخارجية الناجمة عن الضغوط التضخمية العالمية في التراكم، تزامناً مع تعرّض الاقتصاد العالمي لصدمات متتالية.
وأصدر بنكا الأهلي ومصر الحكوميان، شهادات إيداع ذات عائد بنسبة 30%، عقب رفع البنك المركزي الفائدة بمعدل 600 نقطة أساس.