طلاب الجامعات الأميركية يطالبون 30 مؤسسة كبرى بسحب استثمارات داعمة لإسرائيل تتجاوز 493 مليار دولار
- النشطاء يرون في سحب الاستثمارات وسيلة فعالة لإجبار الجامعات على اتخاذ مواقف واضحة تجاه القضية الفلسطينية، مستندين إلى تجارب سابقة ناجحة في قضايا مثل الفصل العنصري والبيئة.
- على الرغم من الانتقادات التي تصف الحملات بمعاداة السامية أو تهديد أمن إسرائيل، يستمر النشطاء، بما فيهم اليهود المؤيدين للفلسطينيين، في الدفاع عن استراتيجية سحب الاستثمارات كأداة للتغيير الاجتماعي والسياسي، آملين في تحقيق انتصارات تزيد الوعي بالقضية.
تتمثل إحدى الركائز الأساسية لمخيمات التضامن مع غزة المستمرة في العديد من الجامعات الأميركية في الدعوة إلى سحب استثمارات داعمة لإسرائيل، لكن ما أهمية هذا المسعى؟ الواقع أن معظم المؤسسات لا تفرض رسوماً دراسية باهظة فحسب، بل تمتلك أيضاً مفاتيح بعض أكبر رؤوس الأموال في العالم، إذ تمتلك أكبر 30 مؤسسة في الولايات المتحدة أكثر من 493 مليار دولار من هذا النوع، بحسب أرقام عام 2023.
ولا تستثمر هذه المؤسسات دولاراتها مباشرة في الشركات المتواطئة في الإبادة الجماعية الإسرائيلية، لكن سحب استثمارات داعمة لإسرائيل من شأنه أن يفرض ضغوطاً كبيرة على الشركات كي تستجيب لهذه الحملة، علماً أن الدعوات لسحب الاستثمارات مستمرة منذ سنوات في قضايا أُخرى، بما في ذلك سحب الاستثمارات بمواجهة بواعث الكربون الثقيلة والمتواطئين في هذا الإطار، وفقاً لحساب "بروتكتس بالاستاين" على "إنستغرام".
وفي السياق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأربعاء الماضي تقريراً موسعاً حول الموضوع اعتبرت فيه أن من المرجح أن يكون للحملة تأثير ضئيل على الشركات أو إسرائيل، لكن النشطاء يرون أن سحب الاستثمارات هو وسيلة واضحة لإجبار الكليات على اتخاذ إجراءات بشأن هذه القضية. وبينما تجمعوا بالقرب من بوابات جامعة كولومبيا الخاضعة للحراسة في مانهاتن العليا يوم الثلاثاء، بدأ نحو 100 من المتظاهرين يهتفون: "اسحبوا استثماراتكم، لن نتوقف، لن نرتاح".
و"سحب الاستثمارات" هو مطلب تكرر على اللافتات وفي المقالات الافتتاحية في الصحف الطلابية وخلال المسيرات التي تجتاح الجامعات التي تجتاحها الآن موجة من النشاط المؤيد للفلسطينيين. لكن اختلف ما يعنيه في الواقع من حيث النطاق والتفاصيل، وفقاً للصحيفة الأميركية. ففي جامعتي ييل وكورنيل، دعا الطلاب الجامعات إلى التوقف عن الاستثمار في شركات تصنيع الأسلحة، بينما يطالب طلاب جامعة كولومبيا ببيع ممتلكاتها في الصناديق والشركات التي يقول الناشطون إنها تستفيد من الغزو الإسرائيلي لغزة، والاحتلال طويل الأمد للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غوغل التي لديها عقد كبير مع الحكومة الإسرائيلية و"إير بي إن بي" المتعاملة مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
ويقول باحثون للصحيفة نفسها إن تأثير سحب استثمارات داعمة لإسرائيل سيكون ضئيلاً في نهاية المطاف على الشركات وعلى الاحتلال الإسرائيلي، معتبرين أنه إذا تخلت الجامعات عن أصواتها كمساهمة في الشركات، فإن سحب الاستثمارات قد يؤدي إلى نتائج عكسية في الضغط على الشركات لتغيير ممارساتها.
غير أن الجامعات ترفض حتى الآن الدعوات لسحب الاستثمارات. ويقول المدافعون عن إسرائيل إن هذه الدعوات غير عادلة لدولة تتعرض للتهديد بالهجوم، ومعادية للسامية لأنها تستهدف الدولة الوحيدة ذات الأغلبية اليهودية في العالم. وهذا اتهام قديم العهد ضد حركة "المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات" التي تستهدفها.
وفي المقابل، النشطاء المؤيدون للفلسطينيين، وكثير منهم يهود، يرون أن سحب الاستثمارات وسيلة واضحة وقابلة للتحقيق لإجبار الكليات على اتخاذ إجراءات بشأن هذه القضية، وهو، برأيهم، انتصار رمزي مهم ومن شأنه أن يزيد الوعي بالمخاوف التي يعبّرون عنها. كما يستشهدون بنجاح الجهود السابقة، بما في ذلك الطريقة التي مارس بها الطلاب في الثمانينيات الضغط على جامعاتهم لسحب استثماراتهم من الشركات التي نفذت أعمالاً تجارية في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وكذلك من شركات الوقود الأحفوري.
وبحسب "نيويورك تايمز"، تمتلك الجامعات التي تواجه هذه الدعوات ثروات هائلة تقدر بمليارات الدولارات المستثمرة في الأسواق المالية، لا سيما في الأسهم والعقارات وصناديق الاستثمار الضخمة. ويعني سحب الاستثمارات ببساطة بيع الممتلكات. ومن الأمثلة التي يُستشهد بها غالباً ما حدث في الثمانينيات، حيث استهدف الشركات التي كانت تتعامل تجارياً مع جنوب أفريقيا التي كانت تحت حكم الفصل العنصري. وتصدرت جامعة كولومبيا عناوين الأخبار عندما باعت ما قيمته 39 مليون دولار من الأسهم التي كانت تمتلكها في شركات بما في ذلك كوكا كولا وفورد موتور وموبيل أويل، بعد أسابيع من اعتصامات الطلاب في حرمها الجامعي.
وحذت المدارس الأخرى حذوها، إذ سحبت أكثر من 150 جامعة استثماراتها من الشركات التي تمارس أعمالا تجارية في جنوب أفريقيا، كجزء من العقوبات المفروضة على البلاد. لكن مقارنة بالثمانينيات، تتمتع الجامعات بسيطرة مباشرة أقل على استثماراتها الآن، وتختار بدلاً من ذلك مديري الأصول للإشراف على المحافظ الاستثمارية التي تستثمر بشكل متزايد في الأسهم الخاصة وصناديق التحوّط. وقد أشار بعض مديري الجامعات إلى أن القليل جداً من أموالهم يُستثمر بفعالية في الشركات التي يمكن ربطها بالاحتلال الإسرائيلي.
وفي جامعة كولومبيا، يدعو الطلاب إلى سحب حصصهم في عدد من الشركات التي لا تشارك مباشرة في الحرب، بما في ذلك كاتربيلر وغوغل وإير بي إن بي. وقد خضعت علاقات كاتربيلر مع إسرائيل للتدقيق لعقود من الزمن، وزادت حدتها بعد عام 2003، عندما دهست جرافة مدرعة صنعتها الشركة للجيش الإسرائيلي الناشطة الأميركية المؤيدة للفلسطينيين راشيل كوري، وسحقتها حتى الموت، بينما كانت تسعى إلى وقف الإبادة الجماعية، فضلاً عن دور منتجاتها في هدم منازل الفلسطينيين بقطاع غزة.