طريق حرير مالي.. السندات الصينية في السعودية تعزز شراكة بكين والرياض

23 ديسمبر 2024
تم طرح السندات الصينية في السعودية بالدولار (أرشيف/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعزيز العلاقات الاقتصادية: طرح السندات الصينية في السعودية يعكس استراتيجية لتعزيز العلاقات المالية بين البلدين، حيث تسعى السعودية لتنويع مصادر دخلها وتقليل الاعتماد على النفط، بينما تسعى الصين لجذب الاستثمارات السعودية.

- التحديات والفرص: السعودية تواجه ضغوطاً أمريكية للحفاظ على العلاقات التقليدية، لكنها تسعى لتحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية والسياسية، مما يعكس رغبتها في تنويع شراكاتها وتقليل الاعتماد على القوى الغربية.

- التوجهات المستقبلية: يتوقع الخبراء أن تطرح الصين سنداتها باليوان، مما يعزز مكانة العملة الصينية عالمياً، وقد تكون السعودية بوابة رئيسية لهذا التوجه، مما يؤثر على النظام المالي العالمي.

يأتي تكرار طرح السندات الصينية في السعودية بمثابة خطوة استراتيجية تعكس تعميق العلاقات المالية والاقتصادية بين البلدين، في وقت تسعى فيه السعودية إلى تنويع مصادر دخلها وتقليل اعتمادها على النفط، بما يتوافق مع رؤية 2030

وتُظهر الخطوة رغبة الصين في جذب الاستثمارات السعودية وتعزيز التعاون المالي بين البلدين في سياسة أشبه بمشروع طريق حرير جديد على المستوى المالي، مقابل اهتمام سعودي بتعميق العلاقة الاقتصادية مع الصين وشراء سنداتها باعتبار ذلك جزءاً من استراتيجية المملكة لتنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على القوى الغربية التقليدية، وهو ما عكسه اجتذاب السندات الصينية في السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لأكثر من 40 مليار دولار في أول طرح لسندات دولارية لها منذ عام 2021، حسبما أوردت وكالة "بلومبيرغ".

وتعد السعودية مكاناً غير معتاد لطرح السندات الصينية، إذ لطالما جرى اختيار لندن ونيويورك وهونغ كونغ لطرح مماثل، وعلى مدار العقدين الماضيين، تم إصدار السندات السيادية الصينية المقومة بالدولار في هونغ كونغ، بحسب بيانات "بلومبيرغ".

ويتماشى التوجه الجديد "مع العلاقات المتطورة بين الصين والسعودية"، حسبما نقلت الوكالة الأميركية عن تينغ مينغ، كبير استراتيجيي الائتمان الآسيوي في مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية، لكنه قد يواجه تحديات، خاصة مع الضغوط الأميركية التي قد تُمارس على السعودية للحفاظ على علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة، ومع ذلك، فإن السعودية تسعى إلى تحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية والسياسية، وهو ما قد يسمح لها بتعميق علاقاتها مع بكين مع الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن، بحسب إفادة خبيرين لـ"العربي الجديد".

السندات الصينية في السعودية: تحول استراتيجي

وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي محمد الناير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن خطوة طرح السندات الصينية في السعودية تشير إلى تحول استراتيجي في توجهات الصين الاقتصادية، حيث تنتقل من التركيز التقليدي على الأسواق الأميركية والأوروبية إلى استهداف أسواق الشرق الأوسط. 

ويرى الناير أن الخطوة الصينية تأتي في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دولة ذات إمكانات هائلة مثل السعودية، التي تمتلك صناديق سيادية قوية ورغبة ملحوظة في الاستثمار في السندات، مشيرا إلى أن هذا التوجه يمثل نقطة تحول مهمة، وقد يؤدي إلى تراجع إقبال دول الخليج على السندات الأميركية لصالح السندات الصينية، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها الولايات المتحدة وأوروبا.

ويربط الناير بين الخطوة الصينية وانضمام السعودية إلى مجموعة بريكس مع مطلع هذا العام، لافتا إلى أن هذا الانضمام يعكس ثقة كبيرة في هذا التكتل الاقتصادي الذي أصبح يستقطب دولاً ذات إمكانات اقتصادية ضخمة.
وبفضل إنتاج السعودية لأكثر من عشرة ملايين برميل نفط يومياً، تمتلك المملكة قدرات مالية هائلة للاستثمار في السندات الصينية، بحسب الناير، مشيرا إلى أن الإقبال السعودي على هذه السندات جاء أكبر من المتوقع بفارق كبير، ما دفع الصين إلى خفض العائد على هذه السندات بمقدار نقطة أساس واحدة مقارنة بنظيرتها الأميركية.

ورغم أن السندات الصينية في السعودية تم طرحها بالدولار الأميركي باعتبارها عملة مرجعية معترف بها عالميا رغم وجود خمس عملات معتمدة أخرى، وهي اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني، إلا أن الناير يؤكد وجود توجه استراتيجي لدى الصين ومجموعة بريكس نحو تقليل الاعتماد على الدولار تدريجيا.

وعلى المدى الطويل، يتوقع الناير أن تبدأ الصين بطرح سنداتها باليوان الصيني، وهو ما يشير إلى خطوة إضافية نحو تعزيز مكانة العملة الصينية عالميا، كما يتوقع أن تطلق مجموعة بريكس عملة موحدة خاصة بها، ما سيمثل مؤثرا قويا على النظام المالي العالمي، مشيرا إلى أن السعودية تمثل بوابة رئيسية لهذا التوجه، إذ من المرجح أن تنتقل الصين بعد نجاح تجربتها في السعودية إلى دول خليجية أخرى لتعزيز مسار اقتصادي عالمي جديد.

السعودية على خطى البرازيل

وفي السياق، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس الفرنسية آلان صفا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن طرح السندات الصينية في السعودية يرتبط بالتطورات الأخيرة في العلاقات بين الصين ومختلف دول العالم، إذ إن الهدف الرئيسي من طرح السندات الصينية في السعودية هو تعزيز التبادل الاقتصادي القائم على الاستيراد والتصدير بين البلدين.

ويستند هذا النظام إلى نموذج التبادل التجاري المطبق بين الصين والبرازيل، حيث يعترف كل بلد بعملة الآخر بناء على اشتراط معين، بحسب صفا، موضحا أنه في حال بلغ حجم التبادل التجاري مقداراً معينا، 100 مليار دولار على سبيل المثال، فإن كلا من البلدين سيقبل عملة الآخر بهذا الحجم.

وفي سياق هذه العلاقات الاقتصادية، يوضح صفا أن الأموال المتبادلة لا تتم بشكل نقدي، وإنما عن طريق شراء السندات، مستشهداً بتجربة الصين في شراء سندات من الولايات المتحدة الأميركية اعتماداً على قيمة الدولارات المتوفرة لديها. ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن العلاقة بين الصين والسعودية تستند إلى حقائق اقتصادية، أبرزها أن الصين تعد أكبر مستهلك للنفط في العالم، وهي أكبر مستورد للنفط السعودي، في حين تتراجع واردات النفط الأميركية من المملكة بشكل مستمر.

غير أن هذه العلاقة النقدية والاقتصادية مع الصين لا تعني أن السعودية ستقلص علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية بالضرورة، كما يؤكد صفا، مستدلاً على ذلك بأن المملكة لم تعلن رسمياً حتى الآن قبولها الكامل بالانضمام إلى مجموعة "بريكس" في أغسطس/آب 2023. فالسعودية تسعى، بحسب صفا، إلى الحفاظ على علاقات اقتصادية ونقدية وسياسية واستراتيجية متوازنة مع جميع الدول، وهي استراتيجية يراها ناجحة طالما أن المملكة قادرة على تجنب الضغوط الاستراتيجية التي قد تدفعها للانفصال عن الدول الأخرى.

المساهمون