تم الاستغناء عن إبراهيم جابر عندما أغلق مطعم الوجبات السريعة الذي كان يعمل به طاهيا في بيروت أبوابه. ولعجزه عن العثور على وظيفة أخرى، اضطر لإخراج ابنته من المدرسة لكي يستطيع تدبير الطعام للأسرة.
وجابر واحد من عدد كبير من اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تضخم مذهل في وقت اضطر فيه أصحاب الأعمال لخفض حجم نشاطاتهم أو الإغلاق تحت وطأة الأزمة المالية المتصاعدة في البلاد.
قال جابر إنه لن يسجل ابنته في المدرسة لعجزه عن تدبير نفقاتها. وأضاف أن أصحاب المطعم اعتادوا صرف مبلغ للعاملين للمساهمة في نفقات الدراسة وأن هذا المصدر توقف الآن.
أما من احتفظوا بوظائفهم فقد شهدوا انخفاض القيمة الحقيقية لمرتباتهم انخفاضا كبيرا، إذ فقدت الليرة اللبنانية حوالي 90% من قيمتها مقابل الدولار في العامين الأخيرين.
وقال جابر إنه يفضل العمل في أي مكان في العالم ولو في رفع النفايات إذا اقتضى الأمر على البقاء في لبنان.
ويحذر الخبراء من تضخم جامح إذا لم يشكل ساسة لبنان المنقسمون بشدة حكومة قريبا لمعالجة الأزمة المالية التي بدأت في 2019 وتنذر بزعزعة الاستقرار في البلاد التي مزقتها حرب أهلية بين 1975 و1990.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إن التضخم في أسعار المواد الغذائية ارتفع بما يصل إلى 557% منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2019.
وقالت رشا أبو ضرغام، المتحدثة باسم البرنامج: "نحن نتحدث عن أسرة من كل خمس أسر تواجه صعوبات في تدبير الطعام".
ويضطر عدد كبير من الأسر التي تزورها بانتظام إلى عدم تناول بعض الوجبات من أجل توفير الطعام لأطفالها، بينما تعتمد أسر أخرى في تدبير قوت يومها على قيام بعض المخابز القريبة بإرسال طعام مجاني بين الحين والآخر.
دائرة مفرغة
في ضوء الارتفاع الشديد في تكاليف المعيشة، وعدت حكومة تصريف الأعمال العاملين بإعانات مختلفة، من بينها زيادة في إعانة المواصلات قيمتها 16 ألف ليرة لبنانية يوميا، أي أقل من دولار بسعر الصرف الحالي في السوق.
ويجادل بعض الاقتصاديين بأن ذلك لن يحقق شيئا سوى زيادة الدورة التضخمية ويؤدي في النهاية إلى تضخم جامح إذا لم تنفذ إصلاحات مستديمة.
وقال الاقتصادي البارز ناصر الصعيدي، الوزير السابق: "ما إن تدخل تلك الدورة التي تنفذ فيها تعديلات لكلفة المعيشة... دون أن تملك أي مصدر آخر للدخل حتى تجد أنك لا تفعل شيئا سوى طباعة النقود، وبذلك تخلق دائرة مفرغة"، فيما لم يتسن على الفور التواصل مع مسؤولين بحكومة تصريف الأعمال للتعليق.
وكان التضخم أحد الأسباب الرئيسية وراء قرار علي حمودي إغلاق مطعمه الشهير "كلاسيك ساندويتش"، الذي كان جابر يعمل فيه.
ومع تراجع أعداد الزبائن في ضوء ارتفاع الأسعار، اضطر حمودي لدفع مبالغ أكبر للحصول على الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء الخاصة في غياب الكهرباء التي توفرها الدولة ولمواصلة تشغيل الدراجات النارية التي يعمل سائقوها في توصيل الطلبات.
والآن يعتزم حمودي نقل نشاطه إلى خارج لبنان، ويقول إنه أرجأ القرار رغم تصاعد المشاكل، لأنه كان يشعر بالقلق على العاملين لديه البالغ عددهم 230 فردا.
وقال إن ذلك معناه أن 230 أسرة أصبحت الآن بلا دخل، مشيرا إلى أنه يعتقد بأن العاملين لن يستطيعوا العثور على وظيفة أخرى.
ويحذر مستوردو الغذاء من أن النقص قد يتفاقم قريبا لعجزهم المتزايد عن توفير النفقات. وقد ظهرت بالفعل مساحات كبيرة من الأرفف الخالية في بعض متاجر السوبرماركت.
وقال هاني بحصلي، رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، إنه متأكد من أن عددا كبيرا من الشركات قلص بالفعل وارداته رغم أن ظهور ذلك في البيانات الرسمية سيستغرق وقتا.
وفي أحد متاجر السوبرماركت في بيروت يعيد الزبائن الكثير من السلع إلى الأرفف بعد تفقد ثمنها.
وقال نجا شليطا، في أحد المتاجر، إن الحقيقة الآن هي أنه لم يعد بإمكان الناس تدبير طعامهم، مضيفا أنه لا يدري إلى أين يتجه لبنان.
(رويترز)