استمع إلى الملخص
- الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي: وقعت مصر اتفاقات للحصول على 42 مليار دولار من القروض، مما يتطلب رفع أسعار الوقود والاتصالات وتغيير قوانين الضرائب، ما أثار انتقادات لزيادة هشاشة الاقتصاد والاعتماد على القروض دون إصلاحات حقيقية.
- التداعيات الاجتماعية والسياسية: السياسات الاقتصادية زادت الضغوط على المواطنين ورفعت التضخم، مما أثر على المعيشة. السرية حول الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي أثارت استياء السياسيين، مطالبين بإصلاحات شاملة لتعزيز الاستثمارات وتقليل هيمنة الحكومة.
بدأ المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إجازة طويلة بمناسبة أعياد رأس السنة تاركا وراءه الحكومة المصرية حائرة، حول قرض محتمل بـ1.2 مليار دولار، قيمة شريحة رابعة من قرض وعد الصندوق بصرفها، ضمن قرض بإجمالي يبلغ ثمانية مليارات دولار، وقعه رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير المالية أحمد كوجك في مارس/ آذار الماضي.
وقال صندوق النقد الدولي، أمس الأربعاء، إنه توصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الرابعة بموجب اتفاق تسهيل الصندوق الممدد مع مصر، وهو ما قد يتيح صرف 1.2 مليار دولار بموجب البرنامج. ووافقت مصر، التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم ونقص العملات الأجنبية، في مارس/آذار الماضي، على تسهيل بقيمة ثمانية مليارات دولار على مدى 46 شهراً. وتسبب الانخفاض الحاد في إيرادات قناة السويس نتيجة التوترات الإقليمية على مدى العام الماضي في تفاقم أزمتها الاقتصادية.
وتعاني الحكومة المصرية من حالة ارتباك وضغوط هائلة على الجنيه تدفع إلى تراجعه أمام العملات الرئيسية، في وقت تواجه فيه شح الدولار وضغوطا هائلة على الموازنة العامة، التي توجه أكثر من 60% من عوائدها لدفع خدمات الديون المتراكمة بإجمالي 150 مليار دولار، وتقدر أقساطها بنحو 40 مليار دولار خلال العام المقبل.
مصر ثاني أكبر دولة مدينة للصندوق
وتشهر الحكومة شهادات مسؤولي صندوق النقد الدولي، حول تحسن الأداء الاقتصادي، في وجه المعارضين للاتفاقات التي أجرتها مع الصندوق على مدار 10 سنوات، حصلت خلالها على نحو 42 مليار دولار، جعلت مصر ثاني أكبر دولة مدينة لصندوق النقد بعد الأرجنتين، بقيمة 13.2 مليار دولار حتى منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2024. وظفت الحكومة أغلب مواردها من الصندوق في دفع تكلفة الدين وخدماته، مع ذلك سترفع الشريحة المنتظرة ديون مصر المستحقة لصندوق النقد إلى نحو 14.4 مليار دولار.
تدفع تراكمات أزمة الديون الحكومة إلى البحث عن قروض ساخنة من البنوك التجارية الدولية ومطالبة الصندوق بفتح مناقشات جديدة للحصول على تمويل إضافي مع بداية العام المقبل، لمواجهة زيادة معدلات استيراد الغاز والمحروقات والسلع الأساسية، بنحو 70 مليار دولار، التي سترفع صافي العجز بالموازنة إلى نحو 45 مليار دولار، عام 2025-2026 وفقا لتقديرات اقتصادية.
تدفع الأزمة الاقتصادية قيادات حزبية واقتصادية إلى مطالبة الحكومة، بالكف عن اعتمادها المطلق على خطط إصلاح اقتصادي مع الصندوق، دون وجود إصلاح سياسي يقدر الحريات ويفتح المجال العام، ويأخذ بيد رجال الأعمال المصريين والمستثمرين المحليين والأجانب، لقيادة التنمية، والحد من هيمنة القطاعات الحكومية والسيادية على إدارة الاقتصاد، وتوجيه موارد الدولة في مشروعات غير منتجة، تعمق الفقر وتؤرق الساسة والعاملين في المجال العام والاقتصاديين.
يشير سياسيون إلى أن اتفاقات صندوق النقد تحظى بسرية عالية لدى الحكومة فلا يتم عرضها على مجلس النواب والمجالس الاقتصادية التابعة للرئاسة ومجلس الوزراء إلا بعد التوقيع عليها مع مجلس إدارة الصندوق وتصبح ملزمة للدولة.
تعهدات برفع أسعار الوقود والاتصالات
وقالت مصادر بالحوار الوطني لـ"العربي الجديد" إنهم فوجئوا بوثيقة الاتفاق الرابع مع صندوق النقد التي صدرت في 16 مارس/ آذار الماضي، بعد نشرها على موقع صندوق النقد على شبكة الإنترنت، تتضمن تعهد الحكومة برفع أسعار الكهرباء والمحروقات والاتصالات، وتغيير قوانين الضرائب ونظام الدعم بتحويله من العيني إلى النقدي، خلال مدة لا تتجاوز 12 شهرا، أعقبه تخفيض بقيمة الجنيه فاقت 40%، دون الرجوع إلى البرلمان والحوار الوطني المكلف من قبل مؤسسة الرئاسة، بوضع حلول سياسية للأزمة الاقتصادية المزمنة.
أكد المصدر أن هذا الإجراء أدى إلى استقالة عدد كبير من الساسة والخبراء المشاركين في لجان الحوار الوطني، وتجميد آخرين لمشاركتهم في جلسات المؤتمر الذي استمر نحو عامين، وسط تجاهل الحكومة لكافة توصياته.
قال وزير التضامن الاجتماعي والخبير الاقتصادي جودة عبد الخالق لـ "العربي الجديد" إن الحكومة جرجرت مصر إلى اتفاقات مع صندوق النقد الدولي، جعلت الاقتصاد المصري يعاني من الهشاشة، بتجريف الأنشطة الصناعية والزراعية والإنتاجية، لصالح زيادة الروابط مع الخارج، على حساب الروابط مع الأنشطة الاقتصادية بالداخل، بما يدفع الدولة إلى التأثر بشدة بأية أزمات خارجية.
أضاف عبد الخالق إن هذه السياسات جعلت المجتمع يأكل بالدين، مطالبا بأن يتساءل الناس عما يحدث من تزييف للوعي والقانون، جراء التصريحات التي يطلقها مسؤولون حول تدفق استثمارات أجنبية وتدفقات لقروض وإعانات تمثل 90% منها قروضا على الموازنة العامة للدولة.
هلع من مشاكل الناس
يشير عبد الخالق إلى خطورة توسع الحكومة في الاقتراض، للإنفاق بإسراف خارج إمكانات الدولة بكثير، مشيرا إلى المثل الشعبي "مد رجلك على قد لحافك" بينما خرجت أرجلنا من تحت اللحاف إلى مسافات بعيدة جدا. يبين الوزير السابق إلى تسبب تلك السياسات في إصابة كبار المسؤولين بالدولة بحالة من الهلع كلما جاءت بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، لإدراكهم أن الواقع الاقتصادي البائس لن يجعلهم بمنأى عن المشاكل التي يعاني منها المجتمع على أرض الواقع، رغم محاولة تحصنهم بشهادات دولية يصدرها صندوق النقد الدولي ومؤسسات حول تحسن الأوضاع الاقتصادية ومعدل النمو، بينما هذه الأرقام لا تعني شيئا للمواطن العادي الذي تراجعت أحواله المعيشية بدرجة خطيرة.
يشير خبراء اقتصاد إلى أنه رغم وجود مخاطر من اعتماد الحكومة على قروض صندوق النقد، والتزامها بخطط إصلاح هيكلي تتضمن بيع بعض الأصول العامة، فإن الالتزامات التي تقدمها لصندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية بتنفيذ بإصلاح هيكلي شامل، وحكومة البنك المركزي، سيضمن للمجتمع الشفافية في إدارة الموازنة العامة، ومنع لجوء الحكومة من استخدام الودائع الخاصة بالعملاء في تمويل مشروعات غير مدرجة بالموازنة وغير الربحية، بالإضافة توسيع الملكية العامة، عبر طرح الأصول العامة في البورصة أمام المواطنين والمستثمرين، بما يحد من قبضة الأجهزة السيادية والبيروقراطية على الاقتصاد.
تدفع الضغوط الاقتصادية إلى تراجع الجنيه مقابل الدولار مع توقع وصوله 55 جنيها، قبل نهاية يناير/ كانون الثاني المقبل. قال خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس لــ"العربي الجديد" إن حرص البنك المركزي والحكومة على إظهار التزامها لصندوق النقد الدولي بمرونة سعر الصرف وترك العملات الصعبة تتحرك مقابل الجنيه، صعودا وهبوطا، وفقا للعرض والطلب، تؤدي إلى هبوط الجنيه، في ظل تزايد حاجة الحكومة للدولار لدفع التزاماتها تجاه الدائنين الدوليين.
تشير عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق عالية المهدي إلى أن الاتفاقات التي وقعتها الحكومة مع صندوق النقد الدولي خلال الفترة من 2016 إلى 2024 أسفرت عن زيادة هائلة بقيمة الواردات جراء تراجع سعر الجنيه أمام الدولار من 8 إلى 51 جنيها، أدت إلى صعود متواصل بقيمة التضخم، التي تخطت 40% عام 2023، والتي لم تتجاوز 19% خلال فترة الحرب في ستينيات القرن الماضي، وصل إلى 20% بمنتصف الثمانينيات، وظلت عند متوسط ما بين 20% و22% في بداية الألفية الثالثة، إلى أن شهدت قفزات تاريخية عقب توقيع الاتفاق الثاني والثالث مع صندوق النقد عامي 2020-2022 دفعت إلى قفزات متتالية بمعدل التضخم بأسعار السلع الأساسية بنسبة 74%، عام 2023.
وأشارت المهدي في دراسة اقتصادية، ألقتها بمركز "حلول" للسياسات البديلة، أن اتفاق الحكومة مع صندوق النقد للحصول على قروض بجانب التوسع في الاقتراض من الدول والمؤسسات الدولية الأخرى، وتحرير سعر الصرف عدة مرات، ساهمت في رفع قيمة الواردات، في وقت ارتفعت أسعار السلع بالأسواق العالمية متأثرة بالآثار السلبية لجائحة كوفيد-19 والحرب الإسرائيلية على غزة والتوتر الأمني في البحر الأحمر.