صفقة أموال إيران... تحسن طفيف للريال بعد الإفراج الأميركي عن 6 مليارات دولار

19 سبتمبر 2023
الشركات الغربية حققت أرباحاً بقيمة 18 مليار دولار في روسيا العام الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

أصبح ما يقرب من 6 مليارات دولارات أخرى من الأرصدة الإيرانية المفرج عنها في الخارج، في متناول الحكومة الإيرانية، التي تواجه أزمة في النقد الأجنبي بفعل العقوبات الأميركية المشددة منذ 2018، والتي أفرزت أزمات اقتصادية في مقدمتها ارتفاع متواصل لأسعار السلع والخدمات في البلاد.

الأموال المفرج عنها كانت مجمدة في كوريا الجنوبية. وأعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، محمد رضا فرزين، أمس الاثنين، أنه قد جرى بالفعل تحويل 5 مليارات و573 مليوناً و492 ألف يورو (5.96 مليارات دولار) إلى حسابات 6 بنوك إيرانية في الدوحة، وفق التلفزيون الإيراني.

وجاء الإفراج عن هذه الأموال، بينما قيمة الأرصدة الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، الناتجة عن عوائد تصدير النفط، كانت تبلغ 7 مليارات دولار قبل أعوام، لكن طهران خسرت منها مليار دولار، بسبب تراجع قيمة العملة الكورية (وون) أمام الدولار، وفق ما كشف محافظ البنك المركزي الإيراني، في وقت سابق، في منشور على "إنستغرام" قائلاً: "للأسف قرابة 7 مليارات دولارات من مواردنا المالية قد أودعت لدى بنوك كوريا الجنوبية قبل سنوات بالوون من دون أي عائد ربحي"، مضيفاً أن بلاده خسرت مليار دولار من المبلغ المذكور بسبب تراجع قيمة الوون أمام الدولار خلال السنوات الأخيرة.

10 مليارات دولار في الطريق

من جهته، كشف رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية، مجيد رضا حريري، الاثنين، في حديث مع إذاعة الاقتصاد الإيرانية، عن قرب بدء مفاوضات لتحويل 10 مليارات دولار أخرى من الأموال الإيرانية في الخارج خلال الأيام المقبلة.

وقال حريري إن البنك المركزي الإيراني، تزامنا مع بدء العقوبات على البلاد عام 2009 قام بتحويل 22 مليار يورو من احتياطاته في الخارج إلى الصين "لكي تبقى بعيدة عن الألاعيب السياسية للدول الأكثر خطرا" عليها.

وتابع أنه "من 23 مليار دولار من احتياطيات إيران في الخارج تم الإفراج عن ستة مليارات دولار من كوريا الجنوبية، وستجري خلال الأيام المقبلة مفاوضات لتحويل 10 مليارات دولار أخرى".

وعن الأموال الإيرانية في الخارج، قال عضو غرفة تجارة إيران، إنها "تشمل احتياطيات البنك المركزي الإيراني بالنقد الأجنبي، فضلا عن عوائد تصدير النفط والغاز وبقية السلع"، مشيرا إلى أن الأرصدة الإيرانية في الصين من احتياطيات البنك المركزي الإيراني "لا يمكن صرفها مرة أخرى".

وهذه ليست المرة الأولى التي يُفرج فيها عن أموال إيران المجمدة في الخارج في إطار صفقات تبادل السجناء، ففي عام 2016 أيضا، أفرجت الولايات المتحدة عن 1.7 مليار دولار، كان جزءاً من المدفوعات الإيرانية وأرباحها إبان الحكم الملكي لقاء صفقات شراء أسلحة أميركية ألغيت بعد الثورة.

وتحول ملف الأرصدة المجمدة، خلال السنوات الأخيرة، إلى عنوان تفاوضي على طاولة المباحثات الأميركية الإيرانية، سواء في المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، أو المباحثات الجارية بشأن تبادل السجناء، والتي تشترط فيها طهران الإفراج عن مليارات الدولارات مقابل الموافقة على صفقة التبادل.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أمس، في مؤتمره الصحافي رداً على سؤال بشأن حجم الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج، أن إيران "لم تعد لها أرصدة مجمدة في دول أخرى"، مشيراً إلى أنه "في اليابان كانت لدينا مبالغ، استخدمنا معظمها وتمكنا من الاستفادة منها لتأمين حاجات البلاد وما بقي ليس مبلغاً يذكر، ولا نواجه مشكلة في الوصول إليها".

وتابع كنعاني أن "ثمة أرصدة في تركيا أيضاً، في متناولنا بشكل نسبي، ولوجود علاقات طيبة بين البلدين لا نواجه قيوداً جادة في استخدامها"، مضيفاً أنّ "جزءاً من الأرصدة في العراق أيضاً قد أفرج عنه ونقل إلى حسابات موثوقة، فيما الأموال المتبقية نتوقع أنّ التعاون بشأنها سيستمر في ظل العلاقات البناءة بين البلدين".

وكان محافظ البنك المركزي الإيراني قد كشف لأول مرة، في 14 يونيو/حزيران الماضي، أن بلاده تمتلك أرصدة بالنقد الأجنبي في دول مختلفة تقدر بأكثر من 100 مليار دولار، من دون الإفصاح عن أسماء تلك الدول وحجم الأموال المجمدة في كل دولة.

وجهات استخدام الأرصدة المفرج عنها

والسؤال البارز بعد الإفراج الأميركي عن الأرصدة الإيرانية في كوريا الجنوبية، هو تأثير ضخ هذه الأموال في الاقتصاد الإيراني المتأزم.

وفي السياق، يقول الخبير الإيراني محمد حسين أنصاري فرد، لـ"العربي الجديد" إن الستة مليارات دولار المفرج عنها "مبلغ كبير وجدير بالاهتمام، يعادل 350 ألف مليار تومان بالعملة الإيرانية"، مشيراً إلى أن الإفراج عن تلك الأرصدة جاء في وقت سجلت إيران خلال الفترة الأخيرة أعلى صادرات نفط بلغت مليوناً و500 ألف برميل يومياً.

,يرى أنصاري فرد أنّ "أقل تأثير سيكون نفسياً على السوق"، لافتا إلى أن أسواق إيران والدول الأخرى التي تتعرض للعقوبات الأميركية "تتأثر بتوقعات تضخمية" مستمرة، غير أن الإفراج عن هذه الأموال من شأنه أن "يقمع هذه التوقعات التضخمية ويعطي أفقا أفضل وأكثر وضوحا للاقتصاد الإيراني".

وعن وجهة صرف الأرصدة المفرج عنها، يوضح أن "المواد الغذائية تستحوذ على أكبر حصة من الواردات الإيرانية التي تبلغ 50 مليار دولار سنوياً، وخاصة زيوت الطعام والمواد الأولية للأعلاف الحيوانية وفول الصويا وحبوب الذرة والشعير"، مشيرا إلى أن المليارات الستة تغطي "جزءاً كبيراً" من احتياجات إيران الاستيرادية التي لا تشملها العقوبات، كما تستخدم الأرصدة الإيرانية في العراق واليابان للغرض نفسه.

شراء الأغذية والأدوية

وأكدت الإدارة الأميركية أن إيران يمكنها فقط استخدام الأموال لشراء الأغذية والأدوية والسلع الإنسانية، معلنة أنها ستشرف على طريقة صرفها، مع التهديد بأنها ستوقف العملية إذا ما استخدمتها طهران لأغراض غير إنسانية.

غير أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قال، الجمعة الماضي، وفق وكالة "مهر" الإيرانية، إن هذه الأرصدة "تعود للجمهورية الإسلامية الإيرانية وأنها ستصرف لتأمين الاحتياجات حسب التشخيص، ولإيران حرية القرار بشأن طريقة استخدامها"، مؤكدا أن "السلع الإنسانية تعني كل ما يحتاجه الناس والحكومة ستقرر ما هي حاجات الناس".

بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الجمعة، في تصريحات أوردتها وكالة "إيسنا" شبه الرسمية، إن بلاده يمكنها من خلال هذه الأموال "شراء سلع غير محظورة"، نافيا صحة ما وصفه ناشطون بأن الإفراج عن الأموال جاء على طريقة "النفط مقابل الغذاء" الذي طبق مع العراق في تسعينيات القرن الماضي، على خلفية العقوبات الأميركية الشديدة التي تعرضت لها بغداد.

وفي مقابل تأكيد محللين أهمية الإفراج عن هذه الأموال للاقتصاد الإيراني، قلل رئيس كونفدرالية صادرات إيران، محمد لاهوتي، في مؤتمر صحافي، من أهمية المبلغ المفرج عنه، قائلا: "لا أعتقد أن هذا المبلغ سيكون له تأثير في مختلف المجالات.. فهو ليس رقماً كبيراً". غير أن لاهوتي أكد في الوقت ذاته أن هذه الموارد المالية المفرج عنها "ستساعد في توفير النقد الأجنبي".

وتأمل الحكومة الإيرانية، أن تساعدها تلك الأموال في ضبط سوق العملات الأجنبية، وتزيد من دورها في تنظيم هذا السوق ورفع قيمة الريال الإيراني.

ويتوقع مراقبون أن يتراجع سعر صرف الدولار، إذ تحسن سعر العملة الوطنية بشكل طفيف بعد الإعلان عن الإفراج عن المليارات الستة، مسجلة 495 ألف ريال للدولار الواحد.

المساهمون