صراع على ضفاف النيل في مصر... هدف غامض وراء إخلاء قسري لمبانٍ في قلب القاهرة

01 ديسمبر 2024
جسر قصر النيل في القاهرة، 26 ديسمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار قرار إخلاء مبانٍ جامعية وأندية وحدائق على ضفاف النيل في القاهرة استياءً واسعاً، مع مطالبات برلمانية وجامعية بالتراجع عنه، خاصة بعد رفض بعض الجهات الإخلاء وإحالة النزاع للقضاء.
- تم تأجيل تنفيذ الإخلاء حتى نهاية العام، وسط شائعات عن خطط لتطوير المنطقة إلى منتجع سياحي، رغم إنذارات بالإخلاء الفوري من الشركة الوطنية التابعة لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة.
- يصر الجهاز على الإخلاء، رافضاً تأجيل نقل كلية السياحة، مما يثير اعتراضات من الجهات المستأجرة التي تخدم آلاف الأسر وتقدم خدمات عامة.

أثار قرار مفاجئ أصدره جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة في مصر، بإخلاء مبانٍ جامعية وأندية وحدائق على ضفاف نهر النيل وسط القاهرة حالة من السخط لدى أوساط برلمانية وجامعية، مطالبين بالعدول عن قرار الإخلاء الذي يبقى الهدف منه غامضاً حتى الآن.

وجه برلمانيون وأعضاء هيئات التدريس في جامعتي القاهرة وحلوان رسائل عاجلة، إلى رئاسة الجمهورية تطلب فيها التدخل بوقف قرار مفاجئ أصدره جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، بإخلاء كلية السياحة والفنادق التابعة لجامعة حلوان، ومقر نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، في المنطقة الواقعة شمال غرب جزيرة المنيل، وسط نهر النيل في العاصمة القاهرة.

جاء تحرك المسؤولين عقب رفض مجلسي إدارة نادي النيابة الإدارية وقضايا الدولة الإخلاء الفوري لمقر الناديين، وإحالتهم النزاع مع جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، إلى القضاء، قبل تخليهم عن أرض الناديين وهدم مكتب البريد والمنشآت العامة بهما، بما للأمر من توابع قانونية تترتب على المتسبب في هدمها وإهدار أصولها المالية والعقارية، وفقاً لمصادر قانونية.

أسفرت المفاوضات الأولية عن وقف التنفيذ الفوري لقرار الإخلاء القسري، للأراضي الواقعة على مساحة تقدر بنحو 90 ألف متر مربع، حتى نهاية العام، لكل من حصل على تراخيص مسبقة بعمل منشآت وحدائق عامة، بعقد غير محدد المدة والتي تدفع سنوياً لصالح وزارة الدفاع التي خلفت وزارة الري ومحافظة القاهرة، في ملكية أراضي طرح النيل.

أجل جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة نزع الأراضي، لمدة ثلاثة أشهر، تنتهي في مطلع العام الجديد، ونهاية سداد الجهات المستأجرة للرسوم المستحقة عن أراضي المنشآت المقرر هدمها. وسبق أن وجهت الشركة الوطنية التابعة لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، إنذاراً في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يطالب مديري المنشآت الواقعة على المناطق المطلة على شاطئ نهر النيل في جزيرة المنيل في المسافة بين كوبري الجامعة وفندق جراند نايل تاور (الميرديان سابقاً)، على امتداد يصل إلى كيلومتر، بإخلاء مقار المنشآت فوراً، وبحد أقصى أسبوعاً من تاريخ الطلب.

أرسلت الشركة الوطنية الإنذارات إلى كل من كلية السياحة والفنادق التابعة لجامعة حلوان وناديي مجلس الدولة ومستشاري النيابة الإدارية، وإدارة العمليات بشرطة المسطحات المائية، وحديقة أم كلثوم العامة التابعة لمحافظة القاهرة، ونادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، ومسارح المواجهة والتجوال وفاطمة رشدي العائم والشباب، تطلب فيه رفع كل المنشآت المقامة على طرح النهر.

رفضت الشركة الوطنية تبرير قرارها المفاجئ، بما ترك الساحة مليئة بالشائعات، حول طلب مستثمر عربي يمتلك الفندق الكبير في المنطقة، يرغب في تحويل شاطئ النيل، إلى منتجع سياحي، داخل مشروعه. توجه الشركة رسائل شفوية إلى المستفيد من الأراضي، بوجود خطة شاملة لتطوير مجرى نهر النيل، تنفذ بالتدريج في جزيرة المنيل وضفاف نيل القاهرة تشمل إقامة ممرات للمشاة، ومنشآت سياحية وخدمية.

جاءت المفاوضات التي يقودها برلمانيون وأساتذة جامعات، لتزيد الغموض حول القرار المفاجئ بإزالة المنشآت العامة من أماكنها، الذي استهدف، وفقاً للخطاب الموجه من جهاز الأراضي، إقامة مشروعات تخدم خطة تطوير مستشفى القصر العيني القديم التابع لجامعة القاهرة، وتوسعته حتى حدود نهر النيل. وأكدت مصادر مطلعة أن رئيس جامعة القاهرة فوجئ بصدور قرار إزالة مقر أعضاء نادي هيئة التدريس للجامعة، ولم يبلغ من قبل جهاز المشروعات بأي خطط عن دمج أراضي طرح النهر، أو تطوير مستشفى القصر العيني، الواقع في نطاق اختصاصه ومسؤولياته القانونية.

يصر جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة على إزالة كل المنشآت، رافضاً طلب تأجيل نقل كلية السياحة، لحين تدبير مقر بديل بجامعة حلوان جنوب العاصمة، عقب انتهاء العام الدراسي في يوليو/تموز 2025. يعكس جهاز المشروعات خشونة المعاملة مع المستفيدين، بعدم قبول التفاوض حول مستقبل أرض امتلكها بقرارات سيادية، منذ ثلاث سنوات فقط، أسرع في أعقابها بتغيير عقود الإيجار، وقياس مساحتها على أرض الواقع، في ضوء التطورات على جرف النهر، ورفع الرسوم المقررة سنوياً، ووضع شروط لم ينتبه إليها المستأجرون بجعل مدة العقد محدودة المدة سنوياً.

قالت عضو مجلس النواب ونائب رئيس نادي أعضاء هيئة التدريس في جامعة القاهرة رشا أبو شقرة، لـ"العربي الجديد" إن مجلس النادي تضامن مع مطالب نادي القضاة، بتقديم التماس لرئاسة الجمهورية للحفاظ على بقاء الأندية بأماكنها التي استثمرت بها ملايين الجنيهات، لتقديم خدمات عامة لأعضائها بعيداً عن تحميل موازنة الدولة أي أعباء مالية، عدا ما تدفعه تلك الأندية من أموال للجهات المؤجرة، والضرائب عن الأنشطة التي تمارسها لخدمة نحو 26 ألف عضو هيئة تدريس. وأشارت أبو شقرة إلى أن القرار النهائي سيكون لرئاسة الجمهورية، التي تلقت طلبات مماثلة من الجهات المستأجرة، للأرض، تبين أن المنشآت المطلوب هدمها تخدم آلاف الأسر.

وتختلف قيمة تأجير أرض طرح النهر، وفقاً للجهة المستأجرة، حيث تدفع حديقة أم كلثوم 50 جنيهاً عن تأجير المتر المربع سنوياً، بينما تصل إلى 90 جنيهاً في ما يخص كلية السياحة والفنادق، و75 جنيهاً لنادي أعضاء هيئة التدريس، و100 جنيه لنادي مجلس الدولة والنيابة الإدارية، و150 جنيهاً لأرض المسرح العائم، وهو الأقدم في المنطقة، منذ ستينيات القرن الماضي، بالتزامن مع بناء كوبري (جسر) جامعة القاهرة.

في جولة لـ"العربي الجديد" جرى رصد إخلاء إدارة العمليات بشرطة الإنقاذ النهري مساحات واسعة من الأرض، مع بقاء بعض الوحدات الصغيرة، على الشاطئ، لمواجهة الحالات الطارئة. وجهت كلية السياحة رسائل طمأنة إلى الطلاب باستمرار الدراسة في المقر، لمنتصف العام الدراسي الحالي، من دون رؤية واضحة أمام أعضاء هيئة التدريس عن باقي الفصل الدراسي.

وتشهد حديقة أم كلثوم التابعة لمشروع الحدائق المتخصصة بمحافظة القاهرة، اضطراباً بين العاملين الذين يخشون إنهاء عقود عملهم، وإغلاق المحلات التي دفعوا إيجارها لمدة عامين قادمين، وإزالة الأشجار التي زرعوها على مدار 30 عاماً. انتاب الزوار الدهشة من رغبة الشركة الوطنية في إزالة المتنزه الوحيد على مساحة ستة أفدنة، بشاطئ النهر المتاح للمواطنين برسوم زهيدة، ويخدم المرضى والأهالي المترددين على مستشفى قصر العيني. يتساءل العمال عن مصيرهم والدوافع التي تجعل الدولة تغلق متنفساً وطنياً يخدم عامة الشعب، من دون أن يحمل الدولة أي تكاليف في إنشائه وتجميله وتشغيله، بينما يوفر مبالغ هائلة للصناديق الخاصة التي تمول مكافآت قيادات محافظة القاهرة وكبار المستشارين والموظفين الذين يعينون، بدون تمويل من الدولة.

كانت أرض المنطقة قد آلت إلى جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، مطلع عام 2021، تنفيذاً لقرار أصدره رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، بصفته مفوضاً عن الحاكم العسكري، رقم 2637 لسنة 2020، ينقل ملكية التصرف في أراضي طرح النيل من وزارة الري إلى جهاز إدارة أراضي القوات المسلحة، لتصبح جميع أراضي طرح النهر على امتداد مسافة تزيد عن 50 كيلومتراً، على جانبي نهر النيل، من جنوب مدينتي حلوان إلى مناطق شبرا مصر تابعة للجيش الذي آلت إليه ملكية 36 جزيرة تقع وسط نهر النيل على امتداد مجرى النهر من جنوب مدينة أسوان جنوب مصر حتى المصب بالبحر المتوسط شمالاً، وفقاً لقرار جمهوري رقم 18 لسنة 2022.

بدأت المناوشات بين جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، والمنشآت المستأجرة لأرض طرح النهر من وزارة الري، في منطقة الزمالك، عام 2022، بإزالة سلسلة مطاعم وأخرى تابعة لنجل رئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان فخري الفقي، شمال جزيرة الزمالك، امتدت إلى الناحية الأخرى من فرع النيل في منطقة الكيت كات لرفع "العوامات" التي تستخدم بيوتاً لبعض الأسر، يرجع بعضها إلى فترة الحرب العالمية الأولى.

برر جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة قرار نزع الأراضي وتحطيم المنشآت المقامة عليها بالقوة الجبرية، لاستهدافه تطوير الأراضي الواقعة على ضفاف النيل وإقامة ممرات للمشاة، لخدمة المواطنين غير القادرين على الوصول إلى شاطئ النهر، من دون تحمل تكاليف باهظة أو الاشتراك في عضوية الأندية والمقرات الواقعة على جوانبه.

المساهمون