صراع الموارد في أسيا الوسطى يشتد رغم قمع احتجاجات كازاخستان

19 يناير 2022
الجيش الروسي أثناء محاصرة الاحتجاجات في العاصمة (Getty)
+ الخط -

وسط سهول منبسطة وجبال شاهقة ترقد دول آسيا الوسطى الخمس على مساحة 4 ملايين كيلومتر مربع في موقع استراتيجي بين الصين وروسيا وأوروبا.

وهذا الموقع الاستراتيجي الجذاب وما يحتويه من موارد طبيعية غنية بات نقمة على مواطني آسيا الوسطى الذين عانوا من الهيمنة الروسية المباشرة وغير المباشرة منذ الثورة البلشفية في عام 1917.

واليوم يقبعون تحت نفوذ روسي غير مباشر يحرسه حكام موالون لموسكو وقواعد عسكرية روسية ومعاهدات دفاع وأمن تتيح للجيش الروسي التدخل في أية لحظة لحماية المصالح الاقتصادية الروسية في دول آسيا الوسطى، كما حدث قبل أسبوعين في كازاخستان.

فقد تمكنت القوات الخاصة الروسية تحت مظلة معاهدة منظمة الأمن الجماعي من وأد الثورة الشعبية في كازاخستان ضد الظلم السياسي والاقتصادي والغبن الطبقي المتراكم منذ أكثر من قرن الذي تمارسه موسكو على سكان كازاخستان.
ويرى خبراء أن الثورة في كازاخستان لم تنته رغم أنها خمدت، إذ إن الجغرافية السياسية والموارد والتركيبة السكانية في دول آسيا الوسطى تفرض حدوث ثورات كبرى في هذه المنطقة وسط المصالح الدولية المتضاربة في موارد المنطقة.

إيغور دينسوف: اضطرابات كازاخستان رفعت من القلق الصيني حول الاستثمارات الضخمة التي ضختها في آسيا الوسطى

في هذا الشأن ترى دراسة في مجلة "استراتيجيك أنلاسيز"، الدورية الشهرية الأميركية، أن النفوذ الروسي في آسيا الوسطى سيواجه تحديات في المستقبل.

من بين هذه التحديات الفراغ الجيوسياسي الذي تركه الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والتنافس الدولي على موارد المنطقة وجاذبية أسواق آسيا الوسطى لدول صاعدة مثل تركيا تربطها علاقات أثنية مع شعوب آسيا الوسطى ولديها مصالح اقتصادية في أخذ حصة من أسواق آسيا الوسطى.
في ذات الصدد يقول الدكتور إيغور دينسوف في تحليل بصحيفة "ذا دبلومات"، إن اضطرابات كازاخستان رفعت من القلق الصيني حول الاستثمارات الضخمة التي وضعتها في آسيا الوسطى.

وهنالك ترتيبات قائمة بين موسكو وبكين حول آسيا الوسطى حيث تطلع موسكو بالدور الأمني والعسكري في المنطقة بينما تطلع بكين بالدور الاقتصادي حيث تستثمر أكثر من 50 مليار دولار بدول المنطقة.
وتمثل آسيا الوسطى الممر الرئيسي لمشاريع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي تمر إلى أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وبالتالي، فإن أية اضطرابات شعبية في المنطقة تقلق الشركات الصينية.

ويتيح انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف الناتو من أفغانستان وصعود طالبان للحكم في كابول أكثر من فرصة لتمرد لدى سكان آسيا الوسطى على موسكو التي ينظرون إليها باعتبارها مستعمرا.

فالدول التي تشكل آسيا الوسطى غنية جداً بالموارد الطبيعية والتركيبة السكانية التي يشكل الشباب معظمها. ولكن في المقابل فإن هذه المنطقة تعيش حالة من الفقر والتخلف يجعلها في مؤخرة دول العالم من حيث معدلات النمو الاقتصادي ودخل الفرد ومستويات الصحة والتعليم.

بيانات البنك الدولي: دول آسيا الوسطى الخمس لا يتجاوز حجم اقتصادها 431.3 مليار دولار في 2021

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن دول آسيا الوسطى الخمس التي تتكون من كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان، لا يتجاوز حجم اقتصادها 431.3 مليار دولار في عام 2021.
وهذا الحجم من الناتج المحلي يفوق قليلاً ناتج جزيرة صغيرة مثل سنغافورة التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة وتقل مساحتها عن مساحة مدينة طشقند عاصمة أوزبكستان.
ويرى خبراء أن ما يرشّح تجدد الاضطرابات في آسيا الوسطى، هو غنى هذه المنطقة بالموارد الطبيعية التي يحتاجها العالم حالياً وفي المستقبل وسط الفقر المدقع لسكانها.
وعلى سبيل المثال فإن كازاخستان أكبر الدول الخمس التي تكوّن آسيا الوسطى، تنتج يومياً نحو 1.6مليون برميل يومياً من النفط وبلغ الإنتاج نحو 1.8 مليون برميل يومياً في عام 2020، وهو ما يقارب إنتاج دولة خليجية مثل الإمارات العربية المتحدة أو الكويت. وينتج حقل واحد في كازاخستان وهو حقل تنغيز نحو نصف مليون برميل يومياً.
وهذا الحقل، هو ثاني أضخم حقل في العالم بعد حقل غوار السعودي ويبلغ احتياطيه نحو 6 مليارات برميل. وعلى صعيد الغاز الطبيعي تشير البيانات الكازاخية الرسمية إلى أن كازاخستان انتجت نحو 54 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2021 وتخطط لرفع الإنتاج إلى نحو 87 مليار متر مكعب بحلول عام 2030.

كما تنتج كازاخستان نحو 40% من الإنتاج العالمي من اليورانيوم، حيث تنتج سنوياً نحو 19.477 ألف طن سنوياً وفقاً لبيانات نشرة "أي أن أن" المتخصصة في أخبار المعدن النفيس.

لكن بيانات الحكومة الكازاخية تشير إلى إنتاج البلاد السنوي من اليورانيوم يقدر بأكثر من 20 ألف طن. وتعد الصين الدولة الرئيسية في استهلاك اليورانيوم الكازاخي إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

أما الدولة الثانية من حيث عدد السكان والمساحة في منطقة آسيا الوسطى، فهي أوزبكستان، وهي دولة حبيسة، أي ليست لديها إطلالة على البحر ويقدر عدد سكانها بنحو 35 مليون نسمة حسب بيانات البنك الدولي وهي دولة غنية بالذهب واليورانيوم والمعادن النفيسة الأخرى.
ويرى محللون أن دول آسيا الوسطى ربما تصبح من المفاتيح الرئيسية في تلبية الوقود الذري للطاقة النظيفة في العالم خلال العقود المقبلة، إذا توفر الاستقرار السياسي والاستثمار في الكشوفات والاستخراج.

المساهمون