لا تعتمد الأسواق في ليبيا والسودان خلال الفترة الأخيرة على قانون العرض والطلب، بل على تجار استغلوا حالة الحرب وعدم الاستقرار والانقسامات ليتربحوا على حساب المواطنين.
وتغلغل تجار الحرب في العديد من القطاعات الاقتصادية ليسيطروا على نسب كبيرة منها ويوجهونها حسب مصلحتهم وسط ضعف الأجهزة الرقابية في كلتا الدولتين.
وفي السودان تنشط هذه الفئة في مجالات التجارة بالعملة والوقود والتجارة والذهب والعقارات، ما يعني حرمان اقتصاد الدولة من إيرادات هائلة ومزيد من المعاناة للمواطنين من البطالة والفقر والجوع، حسب مراقبين.
يقول الخبير الاقتصادي، محمد النيل، لـ"العربي الجديد" إن غياب الحكم الرشيد والإدارة النزيهة للدولة يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وتدهور الاقتصاد، وبالتالي يقود إلى النزاعات وتفكك المؤسسات وخلق مناخ يؤدي إلى استغلال البعض لتلك الأوضاع من أجل نهب الأموال العامة.
ويضيف النيل أنه رغم التدهور في الاقتصاد الكلي وتفاقم معيشة المواطنين، فإن ظهور أثرياء جدد يتمددون في التجارة الداخلية والخارجية يطرح تساؤلا عن كيفية الوصول إلى هذا الثراء.
ويقول إن كثيرا من التصريحات الرسمية تشير إلى علم القائمين على أمر البلاد بالمخربين والمتاجرين بقوت الشعب، ولكن لا يوجد عقاب أو حتى تقديم من أجرموا في حق الشعب للمحاكمة.
وأكدت تقارير غير رسمية أن قوات الدعم السريع كانت تتربح على حساب الشعب السوداني باشتغالها في عمليات تنقيب الذهب. وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إنه حتى الآن لم تنجح السلطات السودانية في مساعيها لمنع تهريب الذهب الذي ازدادت وتيرته بدرجة كبيرة مؤخرًا.
وسبق أن قال رئيس شعبة مصدري الذهب عبدالمنعم الصديق إن شركات أمنية وأخرى تتدثر تحت غطاء شركات حكومية تعمل في صادرات الذهب بشكل غير شرعي، وتبيعه في دبي وتوزع العائد لتجار العملة دون علم بنك السودان المركزي.
أكدت تقارير غير رسمية أن قوات الدعم السريع كانت تتربح على حساب الشعب السوداني باشتغالها في عمليات تنقيب الذهب
الباحث الاقتصادي هيثم محمد فتحي، يطالب بتنظيم وتقنين العملية الاقتصادية ووضع قواعد وأسس للتعامل بها ومنع ممارسة التجارة غير المشروعة للمخربين. وشدد في تصريح لـ"العربي الجديد" على ضرورة أن تكون هذه التجارة وفق أسس وقواعد تدخل في الاقتصاد الوطني.
واتسعت ظاهرة التهريب في السودان عبر المنافذ الجمركية، وسط تراجع كبير في حجم الأموال المتأتية من عمليات التصدير، الأمر الذي ساهم في ازدياد العجز التجاري عن ستة مليارات دولار.
هذا الواقع دفع عددا من المصدرين والمستوردين السودانيين إلى طرح جملة من المقترحات لمنع ومكافحة التهريب والتلاعب بقيمة إيرادات الصادرات ووقف التجارة بالعملات.
ويرى الاقتصادي بابكر الزين وجود مستفيدين من الوضع الراهن باعتبار أن تجارة الدولار هي أحد أهم القطاعات التي لجأ إليها تجار الحروب.
واستشهد الزين بحديث رئيس الوزراء السابق عبدا لله حمدوك الذي قال في لقاء تلفزيوني سابق إن الحكومة تعلم من يتاجرون في الدولار ولكنها لم تستطع التحكم في ذلك. وأضاف الزين أن الأمر يدل على أن السلطة ذاتها شريكة في عملية ارتفاع الدولار وانخفاضه دون مراعاة المجتمع الذي تحكمه.
وفي ليبيا ازدهرت أنشطة تجار الحروب في العديد من القطاعات ومنها التجارة.
وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي أبوبكر الهادي لـ"العربي الجديد" إن "النظرية الاقتصادية تختلف لدينا من ناحية التطبيق، فتجار الحروب لهم حضور في المشهد الاقتصادي من أزمات نقص السيولة بالمصارف إلى أزمة سعر الصرف وافتعال أزمات البنزين وتهريبه، بالإضافة إلى الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات وغسيل الأموال عبر العقارات".
الهادي أوضح أن الاقتصاد الليبي يعاني من احتكار كامل للسلعة من قبل ما أطلق عليهم بالأغنياء الجدد، فالحكومة قالت إن هناك مخزونا يكفي ستة أشهر ولكن الأسعار تقفز بشكل متواصل.
فيما أكد أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية عبد الحكيم عامر غيث، وجود ما سماه زواجا غير شرعي بين المال والسلاح نتج عن طبقة من محدثي النعمة وأصحاب الأموال والكلمة العليا في البلاد.
وقال إن هناك صنفين من تجار الحروب، الأول يعمل عبر القطاع غير الرسمي "اقتصاد الظل" الذي يشكل 90 % من الاقتصاد الليبي، والثاني عبارة عن شركات قائمة تقوم بتهريب العملة والوقود، أو استيراد سلع عديمة الجودة من غذاء ودواء وهي مسنودة من مليشيات عسكرية.
وأعلن النائب العام الصديق الصور، مؤخرا، عن ضبط ناقلة تهريب وقود في مدينة الزاوية، الواقعة على بعد 48 كم غرب طرابلس.