شكراً للذين يكافحون لإطعام العالم

25 أكتوبر 2021
مزارع قمح في الولايات المتحدة (Getty)
+ الخط -

بمناسبة الاحتفال بيوم الأغذية العالمي في 16 أكتوبر/ تشرين الأول، يجري في كل عام تنظيم عدد كبير من الفعاليات، من المسيرات ضد الجوع، إلى المعارض الغذائية، والعروض الثقافية، والمسابقات، وسباقات الماراثون في نحو 150 بلدًا حول العالم.

وقبل أيام من احتفال هذا العام، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة، فاو، عن زيادة أسعار الأغذية الأساسية في السوق الدولية في سبتمبر/أيلول الماضي بمقدار 32.8% عن مستواه خلال الشهر نفسه من العام الماضي. وبذلك وصلت أسعار الغذاء في السوق الدولية لأعلى مستوى لها منذ سنة 2011.

ومن بين سائر الأغذية، كانت أسعار الأغذية والحبوب التي يطلق عليها الاستراتيجية، هي الأشد. إذ ارتفعت أسعار القمح بنسبة41% عن مستواها خلال الشهر نفسه من العام الماضي 2020. كذلك ارتفعت أسعار الأرزّ، ثاني أهم المحاصيل الغذائية في العالم.

وارتفعت الأسعار العالمية للذرة، المكون الرئيسي لأعلاف الدجاج اللاحم والبياض، وماشية اللحم والحليب وباقي الأعلاف الحيوانية بنسبة 38% تقريبا من مستوياتها المسجلة خلال سبتمبر/أيلول 2020.

وزادت أسعار الزيوت النباتية بنسبة 60% تقريبا عن مستواها في نفس التوقيت من السنة الماضية. وارتفعت أسعار الألبان بمقدار 15.2% عن مستواها في الشهر نفسه من العام الفائت.

وارتفعت الأسعار الدولية لجميع منتجات الألبان، لمستويات تاريخية غير مسبوقة. وزاد مؤشر أسعار اللحوم بنسبة 26.3% عن مستواه خلال الشهر نفسه من العام الفائت.

وكذلك هناك ارتفاع متواصل لأسعار لحوم الدواجن خلال الأشهر التسعة الماضية. وزاد مؤشر أسعار السكر بمقدار 53.5% من مستواها المسجل في الشهر نفسه من العام الفائت.

وفقًا لبحث أعدته منظمة الأغذية والزراعة، ينتج المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة نحو ثلث الغذاء في العالم، إذ إن خمساً من بين كلّ ست مَزارع حول العالم تتكون من أقل من هكتارين، وتشكل نحو 12% فقط من جميع الأراضي الزراعية، وتنتج ما يقرب من 35% من غذاء العالم.

كما أن أكثر من 608 ملايين مزرعة عائلية، أقل من 80 هكتارا، حول العالم وتشغل ما بين 70 و80% من جملة الأراضي الزراعية في العالم، تنتج حوالي 80% من الأغذية الاستراتيجية للعالم.

ورغم الارتفاع التاريخي في أسعار الأغذية التي ينتجها صغار المزارعين على النحو السابق، لم تتحسن أحوالهم الاقتصادية، بل زادت بؤسا وشدة. وتتحدث تقارير الأمم المتحدة بقلق عن معاناة صغار المزارعين، الذين يزرعون وينتجون معظم غذاء العالم، من الفقر والجوع.

أحدث التقارير حول انعدام الأمن الغذائي الدولي أصدرتها ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة، وأظهرت أن 795 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على ما يكفي من الطعام، وأن 3 مليارات نسمة، أي قرابة 40% من سكان العالم، يعجزون عن تحمل تكلفة الغذاء الصحي، معظمهم من المزارعين الذين يشكلون ثلاثة أرباع الجوعى في العالم ويعيشون في المناطق الريفية ويعتمد معظمهم على الزراعة في معيشته.

 

وبمناسبة يوم الأغذية العالمي، أظهرت منظمة الأغذية والزراعة، فاو، تطلع العالم الجائع إلى نظام زراعي وغذائي عالمي يتسم بالاستدامة. وهو نظام، إذا وجد، يتمتع فيه الجميع بالأغذية المغذية والآمنة والمتنوعة وبكميات كافية وأسعار معقولة، ولا يتضور فيه أحد جوعًا ولا يعاني فيه من أي شكل من أشكال سوء التغذية.

وهو نظام تكون فيه محلات الأغذية مليئة بالمنتجات، وتقل فيه كمية الأغذية المهدرة، وتكون فيه سلسلة الإمدادات الغذائية أكثر قدرة على الصمود في وجه الصدمات، الناتجة عن التغيرات المناخية المتطرفة أو ارتفاع الأسعار أو الأوبئة، مع الحد في الوقت ذاته من التدهور البيئي أو التغير المناخي.  

وتعد سلوكيات المستهلكين عنصرًا أساسيًا في النظم الزراعية والغذائية. مثل الاختيار، والتحضير، والاستهلاك وهدر الطعام. وكما تؤثر سلوكيات المستهلكين في النظم الزراعية الغذائية، كذلك تتأثر سلوكيات المستهلك بعوامل ثقافية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وفردية، وهي تشكل في نهاية المطاف نمطا غذائيا بعينه يمكن أن يؤثر على أجزاء أخرى من النظام الزراعي الغذائي. هذا على مستوى المستهلكين.

أما عن المزارعين ومنتجي الغذاء، فهم محرومون من الوصول للأسواق بعيدا عن احتكار الدولة والشركات الكبرى، ويتطلعون لبيع الحاصلات الغذائية بسعر منصف، وليس بنصف السعر.  والوصول بعدالة إلى عناصر الإنتاج، وتشمل الأرض والمياه والبذور والمبيدات والأسمدة، والتمويل والتكنولوجيا والإرشاد والتدريب على الممارسات الزراعية الجيدة، والتمكين لكسب رزق يتيح حياة أفضل لهم وصحة وتعليم جيد لأولادهم. ببساطة، النظام الزراعي والغذائي المستدام يعني إنتاجًا أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل للمنتجين وللمستهلكين جميعا.

العلاقة بين النظم الزراعية والغذائية متداخلة. فالثانية نتيجة للأولى، أو علة الزراعة الحصول على الغذاء. ويطلق على النظم الزراعية الغذائية اسم سلاسل الإمدادات الغذائية. ومن وجهة نظر صانعي السياسات فهي تشمل زراعة المحاصيل الغذائية، وتخزينها، وتوزيعها، وتجهيزها، وتعبئتها ثم تسويقها وبيعها بالتجزئة.

ولسوء الحظ، لا تهتم حكومات العالم الثالث بمكانة المزارع، أو الفلاح أو المربي أو الراعي أو الصياد في نظم إنتاج الغذاء، فهو الجندي المجهول في معركة بالغة الأهمية والخطورة.

الأمم المتحدة خصصت أياما عالمية كثيرة، ليس من بينها "اليوم العالمي للمزارع الصغير" الذي يكدح في حقله تحت حر الشمس من طلوعها إلى غروبها ليطعم العالم، ويمثل 25% من العاملين ككل في العالم.

في دول العالم المتقدم، تدعم الحكومة المزارع بنسبة قد تزيد عن 100% من تكلفة الإنتاج. أما في دول العالم الثالث، وفي منطقتنا العربية على وجه الخصوص، فالمزارع الفقير هو الذي يدعم الحكومة. فالحكومات الفاسدة تشتري المحاصيل الغذائية بثمن بخس، لا يزيد في أحسن الأحوال عن نصف السعر العالمي للسلعة، ما يعتبر إفقاراً متعمداً إلى حد التجويع أو هي بالفعل صناعة الفقر.

ليست لصغار المزارعين نقابة جادة أو اتحاد يطالب بحقهم في الحد الأدنى لسعر المحصول، مثل نقابات المهن الأخرى واتحادات القوى العاملة التي تطالب بحد أدنى للأجور. ينطبق عليهم قول القائل، كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول.

ورغم أنهم منتجو الغذاء لبقية فئات الشعب، فإن أطفال المزارعين ضحايا أمراض سوء التغذية، مثل التقزم والأنيميا، الناتجة عن الجوع ونقص الغذاء والمغذيات. لهذا يشكل المزارعون نحو 80% من الفقراء في هذه الدول. بعكس أرباب المهن غير الزراعية، مثل الشرطي الذي يستحوذ على مقدرات المنظومة الأمنية، والمعلم الذي يتصدر ركائز العملية التعليمية، والطبيب الذي يأتي في أولوية المنظومة الصحية.

وبينما يتواصل ارتفاع مستويات الوزن الزائد والسمنة في العالم، يتعذر على ثلاثة مليارات من الأشخاص الذين يعيشون في الريف ويعمل معظمهم في الزراعة الوصول إلى أو الحصول على الأنماط الغذائية الصحية كماً وكيفاً.

المدير العام السابق لمنظمة الفاو، خوسيه غرازيانو دا سيلفا، وهو مهندس زراعي برازيلي، يقول إنّ الحماية الاجتماعية والاستثمارات الزراعية عاملان أساسيان للحد من المجاعة بين المزارعين الريفيين. عمل دا سيلفا في وزارة الزراعة البرازيلية عندما كانت البلاد تواجه جوعًا ريفيًا خطيرًا.

وشارك في إدارة برنامج يقوم على شراء المؤسسات الحكومية المنتجات الزراعية من المزارعين المحليين لأجل إطعام أطفال المدارس من خلال برامج التغذية المدرسية.

حفزت الخطة الاقتصاد المحلي، وحسنت الدخل لصغار المزارعين بدرجة كبيرة، وضمنت بقاء الجيل القادم من أبناء المزارعين في المدرسة. الخلاصة أنّه بما أنّ الجوع يتركز في المناطق الريفية، نحن بحاجة إلى تعزيز التنمية الريفية.

نقطة أخيرة، وهي أن أزمة كوفيد-19، كشفت عن أهمية الاكتفاء الذاتي المعتمد على المنتج (بكسر التاء وبفتحها) المحلي. وهو مصطلح اقتصادي وسياسي قديم يعنى بتحقيق السيادة الغذائية والأمن القومي واستقرار الدولة. في المقابل، فشل مفهوم الأمن الغذائي القائم على استيراد المحاصيل الزراعية والأغذية من الخارج في تأمين المجتمع واستقرار السلطة.

ودقت الجائحة أجراس الإنذار في أذن الحكومات العربية لتدارك مخاطر استيراد الغذاء في ظل ارتفاع الأسعار العالمية والتي تهدد استقرار المجتمع وتؤجج الاحتجاجات الشعبية.

ولن نملّ من التذكير بالاستثمار الجاد في النظم الزراعة الغذائية ودعم المزارعين بالتمويل والإرشاد، والتوقف عن سياسات الإفقار واللامساواة، ودعم البحوث الزراعية دعما حقيقيا، بهدف استنباط أصناف وسلالات عالية الإنتاج وقادرة على التأقلم مع التغيرات المناخية المتطرفة لتحقيق الاكتفاء الذاتي. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.

المساهمون