شركات بريطانية مهددة بموجة إفلاس حادة مع تشدّد المصارف في إقراضها

17 نوفمبر 2022
تحديات جمة أمام بنك إنكلترا والسلطات المالية لتأمين تمويل القطاع الخاص (Getty)
+ الخط -

فيما يلوح الركود الوشيك في أفق الاقتصاد البريطاني، أصبح الحصول على ائتمان أكثر تكلفة وبشروط أكثر صرامة حيث تزن البنوك المخاطر المتصاعدة، فيما يضطر بعض أصحاب الأعمال إلى استخدام أموالهم الخاصة لسد الفجوات التمويلية وتجنب الوقوع في فخ الإفلاس، بينما تذهب التوقعات إلى أن أزمة التمويل قد توجه ضربة اقتصادية جديدة لاقتصاد المملكة المتحدة.

وتكافح العديد من الشركات البريطانية لتأمين تمويل مصرفي ميسور، ما يزيد الضغط على حكومة المملكة المتحدة المحاصرة في الوقت الذي تكشف فيه عن ميزانية تهدف إلى إنعاش الاقتصاد.

شركة إنتاج الفاكهة البريطانية "هول هانتر" واحدة من آلاف الشركات التي تشعر بالضغوط، ما أجبر مالكها هاري هول، على التفكير في الخطوة الجذرية المتمثلة بإقراض شركته الناجحة بعدما عجز عن تأمين قرض من مصرفه لتعويض تكاليف الاقتراض المرتفعة، وقال لوكالة "رويترز": "من المحتمل أن أكون البنك"، متوقعاً أن يضخ بعض ثروته الشخصية في شركته لعزلها عن معدلات التضخم البالغة 11.1% والركود الذي قد يدوم عامين.

وتتزايد مخاوف البنوك بشأن تقديم الائتمان للشركات الصغيرة، وفقاً لبيانات جمعتها "رويترز" ومقابلات مع مقرضين ورؤساء أعمال، حيث إن ارتفاع تكاليف الديون والعمالة والمواد الخام يضع إقراض مثل هذه الشركات تحت ضغط غير مسبوق بسبب تصاعد المخاطر.

وأظهر مسح أجراه "بنك إنكلترا" المركزي ونُشر الشهر الماضي أن المقرضين يتوقعون أن ينخفض عرض الائتمان لأصغر الشركات، التي يبلغ حجم مبيعاتها السنوية أقل من مليون جنيه إسترليني، بنسبة 10.9% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام.

وقد يسبب هذا مشكلة لرئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك، ووزير المالية جيريمي هانت، حيث أعلنا مخططاً مالياً جديداً متشدداً يوم الخميس، سعياً لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد بعد أن أطلق أسلافهما الذين لم يعمروا طويلاً العنان للفوضى في الأسواق المالية مع خطط لخفض الضرائب غير الممولة.

كذلك إن أي أزمة تواجه الشركات الصغيرة في بريطانيا، التي غالباً ما تفتقر إلى الحجم لتمرير زيادات التكلفة للعملاء بسهولة مثل المنافسين الكبار، يمكن أن تؤدي إلى ضربة جديدة للهيئة الاقتصادية.

وتمثل هذه الشركات 48% من العمالة في القطاع الخاص وحوالى 1.6 تريليون جنيه أو 36% من حجم الأعمال، وفقاً لـ"اتحاد الأعمال الصغيرة" FSB، نقلاً عن بيانات حكومية تحدد الشركات الصغيرة على أنها تضم ما يصل إلى 49 موظفاً. (الدولار= 0.9843 يورو).

رئيس هذا الاتحاد مارتن ماكتاغ قال لـ"رويترز" إنه التقى سوناك وهانت يوم الجمعة الماضي، للمطالبة بدعم مالي جديد للشركات الصغيرة، بما في ذلك تخفيف مبيعات الأصول والإعفاءات الضريبية على البحث والتطوير، مضيفاً: "كيف سنخرج من هذه الفجوة من دون الشركات الصغيرة؟ تلك القطاعات التي تضررت بشدة من الوباء، تجد صعوبة كبيرة في محاولة إقناع البنوك بتقديم الدعم لها".

حذر مصرفي من إقراض الشركات الصغيرة البريطانية خوفاً من المخاطر

وقالت 4 مصادر رفيعة في الصناعة المصرفية إن البنوك لا تزال تقرض، لكن المخاطر والتكاليف النسبية المرتفعة المرتبطة بتمويل الشركات الصغيرة، والتي قد لا يستمر الكثير منها، تعني أنه ليس لديها خيار في كثير من الأحيان سوى استبعادها.

في السياق، أشار رئيس قسم التمويل التجاري في مجموعة الضغط المصرفية UK Finance، ستيفن بيج، إلى أدلة على أن الشركات الصغيرة والمتوسطة SMEs كانت تؤمّن الائتمان على نطاق أوسع، فقد أقرضت المصارف 6.5 مليارات جنيه إسترليني للشركات التي يقلّ حجم مبيعاتها عن 25 مليون جنيه إسترليني في سبتمبر/أيلول، وفقاً لبيانات "بنك إنكلترا".

وأضاف بيج أن "الإقراض يتدفق بالتأكيد، لكن ليس هناك شك في أن الشركات الصغيرة لديها الآن قدرة أقل على زيادة الاقتراض، لأن لديك اقتصاداً متباطئاً".

في الواقع، ترى الشركات الصغيرة في بريطانيا أن قدرة حصولها على الائتمان أصبحت الآن عند أسوأ مستوياتها منذ عام 2015، وفقاً لمسح ربع سنوي أجراه "إف إس بي" FSB على 1383 من أصحاب الأعمال الصغيرة، ووجد أن 42% من طلبات التمويل فشلت في الربع الثالث، صعوداً من 39% في الربع الثاني من العام، في حين أن شركة واحدة من كل 5 شركات تسعى للتمويل قدمت عروض قروض بأسعار فائدة أعلى من 11%.

ولم تقم العديد من الشركات الصغيرة حتى الآن بسداد القروض المدعومة من الدولة لدعمها خلال عمليات إغلاقات كورونا، ما يجعل ملفات تعريف الائتمان الخاصة بها غير جذابة بشكل متزايد، علماً أن 4.7 مليارات جنيه استرليني فقط من أصل 46 ملياراً أُقرضت للشركات الصغيرة في إطار خطة "إنقاذ القروض" سُدِّدَت بالكامل وفقاً لأحدث بيانات حكومية صادرة في 31 يوليو/تموز.

الشريكة في المؤسسة الاستشارية Evelyn Partners، كلير بوردن، تقول: "يتعين على أصحاب الأعمال البحث عن خيارات بديلة، أحدها مد أيديهم إلى جيوبهم الخاصة"، فيما دعا آخرون، مثل الرئيس التنفيذي لمجموعة "مانكس" المالية، دوغلاس غرانت، إلى خطة قروض دائمة مدعومة من الدولة لحماية الشركات الصغيرة والمتوسطة، قائلين إن هذا يمكن أن يكون بمثابة "الفرق الأساسي بين النجاح أو الانهيار للعديد من الشركات، وبالتالي اقتصادنا".

البنوك البريطانية تتحفظ على التسليف تلافياً لتعثّر القروض

المدير المساعد للسياسة في "اتحاد أمناء الشركات"، الذي يمثل موظفي تمويل الأعمال، ناريش أغروال، قال إن البنوك تتخذ نهجاً عملياً للإقراض مع تعثر الاقتصاد لتجنب عمليات شطب مكلفة، فيما لا تزال القروض تُمنح والشركات التي تنتهك المواثيق المرتبطة بديونها تقدم إعفاءات ولكن الدعم يأتي بثمن، لأن "المقرضين يزيدون هامش فائدة القرض"، ما اعتبره أغروال "علاوة على المخاطر وليس استغلالاً".

وخصصت البنوك الكبرى بالفعل مئات ملايين الجنيهات النقدية الإضافية لتغطية الخسائر المحتملة في حال حدوث موجة تعثر عن سداد القروض الممنوحة لزبائنها.

في هذا الإطار، كشف "لويدز بنك" الذي قدّم تفاصيل الربع الثالث من العام الجاري، عن قفزة بنسبة 30% في أشد فئة من القروض المتعثرة في وحدة الأعمال الصغيرة لديه مقارنة بنهاية عام 2021، في تلميح إلى سبب اتخاذ البنوك خطوات حذرة.

والشركات من جميع الأحجام تتعثر بأعداد أكبر بالفعل تحت عوامل الضغط المتصاعدة. فقد أظهرت بيانات رسمية الشهر الماضي أن عدد حالات إفلاس الشركات الفصلية في إنكلترا وويلز بلغ أعلى مستوياته منذ نحو 13 عاماً في الفصل الثاني من هذا العام.

كذلك تواجه الشركات الصغيرة أكبر تهديد، إذ إن شركة واحدة من كل 4 قد تفكر في الإغلاق نتيجة ضغوط التكلفة المتزايدة، وفقاً لمسح شمل 1930 شركة أجراه بنك الأعمال "تايد" في سبتمبر/ أيلول الفائت.

الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة والصناعة في لندن، ريتشارد بيرغ قال: "تجد الشركات صعوبة في إثبات أنها ما زالت أعمالاً سليمة، لكنها ستكون على ما يرام فقط إذا تمكنت من الحصول على القروض التي تحتاج إليها".

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون