استمع إلى الملخص
- **تأثير التغيرات السياسية في فرنسا**: التغيرات السياسية قد تؤثر على السياسات الاقتصادية، لكن المصالح الاقتصادية تتفوق، كما يتضح من توقيع تونس على مذكرات تفاهم مع شركات فرنسية وأوروبية لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة.
- **تحديات وتوقعات مستقبلية**: رغم التوجه نحو تنويع الشراكات، يظل الاتحاد الأوروبي شريكاً تقليدياً، وتواجه تونس تحديات اقتصادية كبيرة تتطلب تهيئة مناخ أعمال جاذب للاستثمارات الأوروبية.
يهتم قطاع الأعمال التونسي بتطورات الوضع السياسي في فرنسا وتأثيراته الممكنة على العلاقات الاقتصادية بين البلدين في وقت تتجه بلدان المنطقة المغاربية نحو فك الارتباط الاقتصادي التاريخي مع دول منطقة اليورو ولا سيما فرنسا.
وتستدعي التغيرات السياسية في فرنسا اهتمام المتعاملين الاقتصاديين نظرا لأهمية حجم المبادلات بين البلدين التي تصل إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي التونسي، حسب بيانات رسمية.
وتكشف بيانات معهد الإحصاء الحكومي في تونس المتعلقة بالتجارة الخارجية أن قيمة المبادلات بين تونس وفرنسا بلغت 22.3 مليار دينار عام 2023 أي ما يعادل 7.3 مليارات دولار، وهو ما يمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي لتونـس لسنة 2023، والمحدد بـ158 مليار دينار وفق مشروع ميزانية 2024.
تأثيرات التغييرات السياسية
يرى الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف، أن حجم المبادلات التجارية والمصالح الاقتصادية بين البلدين تفسّر اهتمام قطاع الأعمال التونسي بالتحالفات البرلمانية الفرنسية والهوية السياسية للحكومة القادمة. وقال الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" إن كل تغيير سياسي غالبا ما يكون متبوعا بتغيير على مستوى السياسات الاقتصادية والنصوص التشريعية التي تنعكس على مناخ الأعمال الداخلي للبلد وشركائه الاقتصاديين. وأشار في سياق متصل إلى أن قيمة الصادرات التونسية نحو فرنسا تفسّر اهتمام قطاع الأعمال التونسي بالتغيرات السياسية التي يعيشها الشريك الأوروبي. وتابع: "يبقى تأثير السياسات الحكومية على الشراكات الاقتصادية محدودا نظرا لقدرة المتعاملين الاقتصاديين على التأقلم مع الأوضاع الجديدة مهما كان لونها السياسي". واعتبر المتحدث أن المصالح الاقتصادية غالبا ما تتفوق على الهويات السياسية للأحزاب الحاكمة.
ونهاية مايو/ أيار الماضي وقعت سلطات تونس مذكرة تفاهم مع مجمع الشركات الفرنسية "توتال" للطاقات، والنمساوية "فاربوند"، تتعلق بتطوير وإنجاز مشاريع للهيدروجين الأخضر في تونس. وتهدف هذه الاتفاقية وفق ما أعلنته رئاسة الحكومة التونسية على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" إلى تطوير وإنجاز مشروع لإنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر في مرحلته الأولى مع تركيز 5 غيغاواط من الطاقات المتجددة في أفق 2030. ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية إلى مليون طن سنويا في المرحلة النهائية للمشروع.
هذا وتبلغ قيمة استثمارات المشروع حوالي 8 مليارات يورو في المرحلة الأولى و40 مليار يورو في مرحلته النهائية.
كذلك وقعت تونس والاتحاد الأوروبي في يوليو/ تموز 2023 مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة" في التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية. ويتضمن الاتفاق تقديم مساعدة لتونس بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، إضافة إلى 150 مليون يورو لدعم الميزانية. غير أن المهتمين بالشأن الاقتصادي يحثون سلطات تونس على تنويع قاعدة شركائها الاقتصاديين وفك الارتباط التاريخي مع حلفائها الأوروبيين ولا سيما فرنسا.
توقعات باستمرار الصادرات من تونس
يعتقد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، أن انسلاخ تونس عن شريكها التقليدي، الاتحاد الأوروبي، ليس بالأمر السهل على المدى القصير، مشيرا إلى أن أكثر من 70% من الصادرات التونسية تتجه نحو أوروبا المجاورة. وقال الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن تونس تحقق فائضا ماليا على مستوى الصادرات مع الدول الأوروبية بما في ذلك التي تسيطر فيها الأحزاب اليمينية على السلطة، مرجحا استمرار تدفق الصادرات التونسية نحو الفضاء الأوروبي مع توجه نحو تنويع الشراكات الاقتصادية مع بلدان أخرى. وتعاني تونس من نمو اقتصادي ضعيف لم يتجاوز متوسط 1.2% خلال السنوات الخمس الأخيرة كما تحتاج البلاد هذا العام إلى تمويلات كبيرة بنحو 28.7 مليار دينار تونسي منها 16.44 مليار دينار تمويلات خارجية أي ما يزيد عن 5 مليارات دولار.
ويؤكد رئيس الفيدرالية التونسية من أجل مواطنة بين الضفتين (مدنية) محيي الدين شربيب، أن التغيرات السياسية التاريخية التي تحصل في أوروبا ستكون لها ارتدادات على دول جنوب المتوسط ومن بينها تونس التي تعد حليفا تقليديا للمعسكر الغربي، مشيرا إلى أن هذه الارتدادات ستكون شاملة. وقال شربيب في تصريح لـ"العربي الجديد" أن التغيرات السياسية تنعكس على العلاقات السياسية والثقافية وأيضا الملف الاقتصادي، حيث ستسعى السلطات الجديدة إلى تحقيق مكاسب اقتصادية لفائدة بلدانها، متوقعا أن ترجح كفة الاستثمارات إلى البلدان الأكثـر جاهزية واستقـرارا. وتوافقت أرقام معهد الإحصاء التونسي مع أرقام وزارة التجارة وتنمية الصادرات بتونـس في نشرة مرصد التجارة التونسية الخارجية لسنة 2023، حيث بلغت قيمة الصادرات التونسية لفرنسا 14.1 مليار دينار في حين قدرت الواردات بـ8.2 مليارات دينار (الدولار = نحو 3.06 دنانير). واعتبر شربيب أن من المهم أن تكون تونس جاهزة لهذه التغيرات وأن تستعد للمنافسة بتهيئة مناخ أعمال جالب للاستثمارات ورأس المال الأوروبي.
مرحلة الهدنة الأولمبية
في المقابل، يرى الباحث المقيم في فرنسا، نزار الجليدي، أن فرنسا تعيش حالة شلل سياسي واقتصادي مع كل شركائها في المنطقة المغاربية بما في ذلك تونس. وقال الجليدي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن فرنسا حاليا في مرحلة الهدنة الأولمبية، مرجحا أن يحقق ميزانها التجاري مع الدول المغاربية ولا سيما تونس، عجزا على المدى القريب والمتوسط نتيجة تحول هذه الدول نحو وجهات اقتصادية جديدة خارج منطقة اليورو. وخلال عام 2023 كانت فرنسا الشريك التجاري الأول لتونس في حين حلت إيطاليا في المرتبة الثانية ثم ألمانيا وإسبانيا. وتقول أرقام تقرير الحكومة الفرنسية حول التجارة الخارجية الصادر في سنة 2024، إن قيمة المبادلات التجارية بين البلدين بلغت 8.6 مليارات يورو في عام 2023، وهو ما يمثل 18% من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، حيث بلغت قيمة الصادرات الفرنسية لهذا البلد 3.4 مليارات يورو بينما قدرت قيمة الواردات بـ5.2 مليارات يورو.