شح في السلع وغلاء لا يتوقف بمصر رغم انفراجة الدولار

23 مارس 2024
ارتفاع مستمر في أسعار السلع خلال شهر رمضان (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مصر تواجه تحديات اقتصادية بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية، مع تباطؤ وصول السلع المستوردة وندرة المعروض، خاصة قبل شهر رمضان وفترة الأعياد، مما يزيد الطلب والأسعار.
- الحكومة تحاول معالجة الأزمة بقرارات نقدية لتوفير السيولة وفرض قيود على الاستيراد، لكن هذه الإجراءات تساهم في استمرار ارتفاع الأسعار، وتواجه انتقادات بسبب فشلها في ضبط الأسعار.
- خبراء اقتصاديون يقترحون حلولًا تشمل تغيير سياسات البنك المركزي، تسهيل إجراءات الاستيراد، والإفراج عن البضائع المكدسة في الموانئ لزيادة المعروض وتخفيف الضغط على الأسعار، مطالبين بتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص.

تواصل أسعار مختلف السلع ارتفاعها في مصر، رغم الوعود الرئاسية والحكومية المتكررة بمواجهة حاسمة للتضخم المرتفع وضمان استقرار أسعار المنتجات الأساسية وتوفيرها في الأسواق لتكون في متناول المواطنين بكلفة مقبولة، لا سيما بعد تواري السوق السوداء للدولار وتراجع سعر صرف العملة الأميركية أخيراً بعد التدفقات الأجنبية المتأتية من بيع أصول كبيرة والمنح والقروض.

يعكس تباين الأسعار مع وفرة الدولار لدى الحكومة والبنوك تباطؤ وصول السلع الغذائية والاستهلاكية المستوردة، الأمر الذي يتضح في ندرة المعروض وارتفاع الطلب في شهر رمضان واقتراب فترة الأعياد، التي تشهد عادة زخماً في شراء مختلف السلع.

يؤكد الخبراء لجوء الحكومة إلى معالجة شح السلع بقرارات نقدية تستهدف توفير السيولة للموردين، بينما تختار نوعية المشتريات والمبالغ التي توفرها للموردين المحددين من جانبها، دون أن تسمح بحرية استيراد السلع المطلوبة للمواطنين، حيث تواصل فرض قيود على الاستيراد، وتلزم الموردين بتدبير 120% من قيمة كل صفقة، وهو ما يضطرهم إلى تدبير الدولار من البنوك مقابل عمولة تراوح ما بين 10% و15%، أو المخاطرة بتجميعه من السوق الموازية (السوداء) بنحو 55 جنيهاً للدولار.

وتتسبب هذه القيود في مواصلة أسعار السلع ارتفاعها، وهو ما يربك الحكومة التي تسوق لصفقات حصولها على قروض وعوائد بيع أصول عامة بقيمة 55 مليار دولار خلال العام الجاري، الأمر الذي ينهي أزمة مالية خانقة تجعلها في مأمن من اضطرابات اجتماعية حذر اقتصاديون وبرلمانيون ومؤسسات دولية من خطورتها طوال الأشهر الماضية.

تشمل موجات الغلاء زيادة أسعار الطعام، كالدواجن والأجبان والبيض والسكر والزيوت، وهو ما يتعارض مع موجات انخفاضات سعرية تشهدها الأسواق الدولية، وذلك رغم ما ترصده الحكومة من مليارات الدولارات للإفراج عن السلع والبضائع المكدسة في الموانئ.

كما ارتفعت أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية والملابس، مع استقرار نسبي في أسعار السلع المعمرة والاستهلاكية غير الأساسية. وتتهم الحكومة التجار بالجشع وبالتسبب في تصعيد موجات الغلاء، وتبدو عاجزة عن توفير البدائل مكتفية بمزيد من الوعود بحلها خلال بضعة أسابيع، في ظاهرة يعتبرها جودة عبد الخالق، وزير التضامن الأسبق، "دليلاً واضحاً على أن الحكومة ولجنة ضبط الأسواق وأسعار السلع، التي عقدت عدة اجتماعات خلال الآونة الأخيرة بحضور وزراء التموين والصناعة وقيادات اتحاد الغرف التجارية وأجهزة حماية المستهلك والمنافسة ومنع الاحتكار، فشلت فشلاً ذريعاً في مهمتها".

يشير الوزير الأسبق والخبير الاقتصادي، في خطاب وجهه للحكومة، نشرته الأربعاء الماضي جريدة "الأهالي" الصادرة عن حزب التجمع الوحدوي (يسار)، إلى أنه رغم توافر الدولار منذ أسبوعين، إلا أن المواطن لم يجد السكر المختفي من الأسواق، ولم تنخفض الأسعار، ويبدو أن الأزمة لن تنفرج خلال شهر رمضان الجاري، ما يجعل المواطن يكابد لهيب الأسعار التي تنفلت بسب ضعف الرقابة الحكومية الحكومة وجشع التجار.

بدوره، يقول عبد النبي عبد المطلب، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة اعتمدت على مواجهة التضخم برفع أسعار الفائدة بمعدل 600 نقطة (6%) دفعة واحدة مع تعويم العملة التي تراجعت من 31 جنيها للدولار إلى نحو 50 جنيهاً للدولار دفعة واحدة في اليوم الأول للتعويم، بهدف جذب السيولة إلى البنوك وعدم توجه المواطنين نحو المزيد من الاستهلاك، في الوقت الذي وعدت فيه بتوفير الدولار للموردين وفقا لأسعاره السائدة بالبنوك.

يؤكد عبد المطلب أن إلغاء البنك المركزي اجتماع لجنة السياسات النقدية الدوري، مساء الخميس الماضي، وجه رسالة طمأنة للأسواق بأن الدولة جادة في مسألة تعويم الجنيه للحد من ارتفاع قيمة الدولار في السوق الموازية التي تتحكم في أسعار السلع الأساسية وكافة المنتجات بالأسواق، وأنها لن تتجه إلى مزيد من رفع الفائدة حاليا، لتشجع الموردين على تدبير السيولة التي يحتاجونها من البنوك لشراء السلع ومستلزمات الإنتاج ويمكنهم من توفيرها بأسعار مناسبة بالأسواق.

يرى الخبير الاقتصادي أن الحلول التي تطرحها الحكومة لمواجهة الغلاء تصطدم بالقواعد التي فرضها البنك المركزي لتمويل الواردات، منذ فبراير/ شباط 2022، ويوضح أن البنك المركزي متمسك بنظام السماح باستيراد السلع بنظام "الاعتمادات المستندية"، حيث يطالب الموردين بسداد كامل قيمة الصفقات التي يتفقون عليها مع نظرائهم بالخارج، بالإضافة إلى 20% زيادة في قيمة التمويل، وهو ما يحمّل الموردين مخاطر عالية عند إبرام الصفقات ويدفعهم للاقتراض بفوائد مرتفعة تزيد عن 30%.

ويضيف أن دفع الفواتير بكامل القيمة يضيق الخناق على الموردين، ويكتفي أغلبهم بطلب الواردات عند الحدود الدنيا بما يناسب حجم السيولة لديهم، والتركيز على السلع التي تحددها الحكومة والخاصة بالسلع الغذائية والدوائية لضمان التمويل من البنوك، دون أن تحقق إشباعاً لطلبات المستهلكين المتراكمة خلال العامين الماضيين، ويشعر المواطنون بأن التدفقات النقدية التي حصلت عليها الحكومة تبخرت دون أن تحقق لهم أي فائدة مرجوة.

يدعو عبد المطلب إلى ضرورة عودة البنك المركزي إلى نظام اعتماد "مستندات التحصيل" التي يقدمها الموردون للبنوك لتمويلها عند 10% من قيمتها أو 50% من كلفتها كحد أقصي، على أن يخرج البنك المركزي من عمليات الوساطة التي أقحم أجهزته فيها على مدار العامين الماضيين، بين الموردين والمصدرين، لتعود البنوك كجهة ضامنة لسداد مستحقات الطرفين.

يضع الخبير الاقتصادي شروطاً للقضاء على شح السلع وضمان خفض أسعارها بالأسواق، تشمل ابتعاد البنك المركزي عن تمويل صفقات الواردات وحساب سعر الصرف وتركه للبنك الخاص بكل مورد، واعتماد مستندات التحصيل لتخليص إجراءات الاستيراد والقضاء على بيروقراطية إنهاء مستندات الاستيراد في البنوك ومنافذ التخليص الجمركي، والإفراج عن جميع البضائع الموجودة حالياً في الموانئ دفعة واحدة، دون الالتزام بالقواعد المعلنة بالبنك المركزي، على أن تتولى الشركات الموردة تسوية قيمة الصفقات في مراحل لاحقة.

ويتوقع اقتصاديون استمرار حالة انفلات أسعار السلع بالأسواق مع زيادة الرسوم الجمركية وربطها بسعر الصرف الجديد للجنيه، في ظل عدم قدرة الحكومة على مواجهة كبار المحتكرين للسلع بالأسواق وارتباكها في إدارة الأزمة، رغم قبولها بتحرير سعر الصرف للمرة الرابعة أملا في تهدئة موجات التضخم والقضاء على تراكم الواردات السلعية ومستلزمات الإنتاج في الموانئ.

شارك رئيس الوزراء، الأسبوع الماضي، في احتفال ضخم بميناء الإسكندرية على البحر المتوسط، شمال البلاد، بخروج بضائع ومستلزمات إنتاج سلع أساسية قيمتها 1.7 مليار دولار من كافة المنافذ الجمركية، بهدف تلبية الطلب على السلع وزيادة حجم المعروض السلعي وتهدئة الأسعار والحد من التضخم الذي بلغ مستويات قياسية على مدار الأشهر الماضية.

كما يشير اقتصاديون إلى عدم تلبية الحكومة للإفراج عن مستلزمات المصانع من معدات طبية وهندسية وقطع غيار للسيارات، انتظاراً لمزيد من التدفقات بالدولار، دون أن تدرك أهمية تلك المستلزمات في تشغيل آلاف المصانع المعطلة، والتي تعمق أزمة القطاعات الإنتاجية غير النفطية المستمرة منذ عامين.

ويزيد الغلاء غضب المواطنين في ظل تردي الأحوال المعيشية وتصاعد الاضطرابات السياسية في المنطقة، وتراجع قيمة الدخول وارتفاع معدلات البطالة. وأوقع الغلاء 7 ملايين مواطن في دائرة الجوع والفقر المدقع، وفقا لتقديرات صادرة في نهاية العام الماضي عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، كما يزيد عدد الفقراء الذين يمثلون 33% من السكان، وفقا لتقديرات البنك الدولي، ويدفع الطبقة المتوسط نحو حافة الفقر.

المساهمون