شبح كورونا يطارد الصين: تفش مخيف يفزع الأسواق

26 ديسمبر 2022
الاقتصاد الصيني يستعد لمواجهة مزيد من الصعوبات في ظل تفشي العدوى (Getty)
+ الخط -

تشهد الصين تفشيا مخيفاً لفيروس كورونا من جديد، ليصاب في اليوم الواحد نحو 37 مليون شخص وفق بيانات رسمية، ما يلقي بظلال قاتمة على ثاني أكبر اقتصاد في العالم في حال خروج الوباء عن نطاق السيطرة، كما تمتد التداعيات إلى الاقتصاد العالمي، بينما لا تزال تداعيات الوباء الاقتصادية قابعة بالأساس على صدور مئات ملايين البشر، لا سيما في الدول الفقيرة.

وبينما ساهمت قوة الاقتصاد الصيني وقدرة الدولة على احتواء تداعيات الوباء سريعا في 2020، والحد من تعرض الاقتصاد العالمي لضربة قاسية، فإن ثمة مخاوف هذه المرة من أن يتعرض الاقتصاد الدولي لأزمة عنيفة بسبب احتمال تعطل سلاسل التوريد وشح السلع وتفاقم التضخم، في حال خروج الأمور عن السيطرة في الصين، فالنظرة المستقبلية الاقتصادية للدولة قد تصبح أكثر قتامة إذا ظهرت موجة تفشي كبيرة وفق بنوك استثمار عالمية، كما أن حكومة بكين قد تواجه صعوبات في احتواء الاستياء الشعبي مع ارتفاع أعداد الوفيات.

وحذرت دراسة لباحثين في هونغ كونغ من أن نحو مليون شخص في الصين قد يموتون بسبب كوفيد-19 دون حملة واسعة النطاق للحصول على الجرعة التنشيطية من اللقاح وتدابير أخرى لتقليل تأثير الفيروس، فيما أشارت بيانات رسمية إلى أن نحو 250 مليون شخص أصيبوا بكورونا في غضون 20 يوماً فقط.

وعلى النقيض من الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها الصين قبل شهر للمطالبة بتخفيف قيود مواجهة كورونا لتأثيرها على معيشة الناس، يميل الكثيرون حالياً، لا سيما في بكين وشنغهاي وأماكن أخرى إلى العزوف عن الخروج من منازلهم، رغم مطالبة بعض أماكن العمل بالعودة إلى العمل حتى لو كان الموظفون مصابين.

مؤشرات التنقل تتراجع

وتراجعت العديد من مؤشرات التنقل، بما فيها الازدحام المروري في المدن الكبرى، واستخدام مترو الأنفاق، وعدد الرحلات المحلية. وفي الأيام الأخيرة، انخفض عدد ركاب مترو الأنفاق في مدن من بينها شنغهاي (شرق) أكبر مدن الصين من حيث تعداد السكان وعاصمة البلاد الاقتصادية، وقوانغتشو (جنوب وسط)، وشنتشن (جنوب)، وشيان (شمال غرب)، ونانجينغ (شرق) مع ارتفاع عدد الإصابات، بينما انتعشت خدمات التوصيل لتعيد إلى الأذهان مشاهد الأسابيع الأولى من ظهور كورونا في الدولة قبل نحو عامين.

بعد مرور 3 سنوات على توثيق أول حالة مصابة بفيروس كورونا، خففت الدولة بشكل كبير نظامها الصارم، الذي بلا شك أنقذ حياة الكثيرين، لكنه ضغط بشدة على الاقتصاد وأثار احتجاجات في مدن رئيسية عدة، إذ احتشد الآلاف في شوارع عدة مدن أواخر الشهر الماضي، للاحتجاج على اضطرابات الحياة الطبيعية، وهو حدث غير اعتيادي بشكل كبير في بلد لا يتهاون عموماً مع المعارضة، كما انتشرت أيضاً خلافات على نطاق أصغر، رفض فيها السكان الالتزام بالإغلاق أو نقلهم إلى مخيمات عزل للمصابين.

وعلى إثر ذلك قامت السلطات في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري بتخفيف القيود كثيراً، بعدما سحبت في البداية العديد منها أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. لكن بعد تعليق سياسة "صفر كوفيد" بشكل مفاجئ، واجهت المزيد من المدن موجة عدوى مخيفة في الأيام الأخيرة، ما أدى إلى ازدحام المستشفيات والاصطفاف في الجنازات.

وتُعد مستويات الازدحام في 15 مدينة كبرى أقل 56% من المستوى المسجل في يناير/كانون الثاني 2021، وهو المعيار المستخدم في مؤشر جمعته وحدة بحثية تابعة لوكالة بلومبيرغ الأميركية استناداً إلى البيانات المرورية لمحرك البحث الصيني "بايدو".

وهذا الوضع أسوأ مما كان عليه خلال إغلاق شنغهاي ومدن أخرى في فصل الربيع. وكانت المرة الوحيدة الأخرى التي انخفض فيها مستوى الازدحام خلال العام الجاري في أوائل فبراير/شباط، عندما شهدت فترة احتفالات العام القمري الجديد إغلاق المصانع والمطاعم، فضلاً عن مغادرة المواطنين المدن الكبرى للعودة إلى ديارهم.

وتوقع جوان يي لو، رئيس وحدة الدخل الثابت لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في مؤسسة "إم أند جي إنفستمنتس" الاستثمارية أن "يستمر تقييد النشاط الاقتصادي في شهري ديسمبر/كانون الأول الجاري ويناير/كانون الثاني المقبل إثر ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 بعد تخفيف قيود التنقل".

وانخفض مؤشر مديري المشتريات للشركات، استناداً إلى استطلاعات رأي أجريت للشركات في مجالات مثل التكنولوجيا الصديقة للبيئة ومركبات الطاقة الجديدة، إلى 46.8 نقطة هذا الشهر، وهو أدنى مستوى منذ إبريل/ نيسان، وهو في منطقة انكماش طالما دون عتبة 50 نقطة. كذلك، تراجعت المقاييس الفرعية للمشتريات والتوظيف وتوقعات الأعمال أكثر من غيرها.

مزيد من الصعوبات

بينما تظهر التوقعات أن الاقتصاد الصيني يستعد لمواجهة مزيد من الصعوبات وانعدام اليقين في ظل تفشي موجة العدوى، ومع الافتقار للإحصاءات الموثوقة إزاء حالات الإصابة والوفيات مما يُصعب التنبؤ بموعد بلوغ الوباء ذروته أو بدء تلاشيه.

وبحسب جيسي ويلر، المحلل الاقتصادي في "مورنينغ كونسَلت" في تصريحات لبلومبيرغ، "تواجه الصين مخاطر صحية واقتصادية خطيرة على المدى القريب، فربما يمكث العديد من المستهلكين المحتملين في المنزل ويتخلون عن أنشطة معينة لتجنب الإصابة بالفيروس".

ويبدو أن زيادة الرحلات الداخلية المدفوعة بإعادة فتح البلاد لم تدم طويلاً، حيث تخلى الكثيرون عن السفر سريعاً الأسبوع الماضي. وانخفض عدد الرحلات يوم الخميس الماضي، إلى 42% من مستويات عام 2019، وفق بيانات أولية صادرة عن شركة بيانات الطيران الصينية "فاري فلايت".

ويمكن لموجة تفشي كبيرة للوباء أن تجعل النظرة المستقبلية الاقتصادية للصين أكثر قتامة، إذ يخيم عليها بالفعل مشكلات في سوق الإسكان المحلي وتداعيات عالمية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي علامة على حجم تفشي المرض، أظهرت معلومات جرت مناقشتها في اجتماع داخلي لهيئة الصحة العليا، يوم الأربعاء الماضي، أن ما يقرب من 37 مليون شخص في البلاد ربما أصيبوا بالوباء في يوم واحد.

وأعلن مسؤولو الصحة في مقاطعة هاينان، يوم الجمعة، إن الإصابات "تتزايد بشكل كبير"، ومن المتوقع أن تصعد الحالات في يوم رأس السنة الميلادية وعطلة رأس السنة الصينية (تمتد من نهاية يناير/كانون الثاني حتى منتصف فبراير/ شباط)، ولكن لم يعطوا أرقاماً محددة.

ووفق تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية، يوم الخميس الماضي، فإن موجة كوفيد التي تتصاعد حالياً في جميع أنحاء البلاد تضرب بعمق نظام رعاية صحية غير جاهز، مشيرة إلى أن الشوارع في الصين كانت فارغة من قبل بسبب الإغلاق، لكنها أصبحت الآن فارغة لأن الناس لا يغامرون بالخروج إلا للحصول على الأدوية.

مخاطر انتشار الوباء

لكن مسؤولون صينيون يقللون من مخاطر انتشار الوباء. ونقلت صحيفة غلوبال تايمز الصينية، أمس، عن ين يان لين، نائب مدير المكتب العام للجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية قوله، إن الاقتصاد الصيني اجتاز أكثر فتراته تحدياً، ومن المتوقع أن يظهر تحسناً عاما في عام 2023 على الرغم من حالة عدم اليقين العالمية.

وقال المسؤول الصيني خلال منتدى اقتصادي في بكين يوم السبت إن "عام 2022 هو عام خاص وصعب للغاية بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني، لكن البلاد صمدت أمام اختبار وتحديات عوامل لا يمكن تصورها"، مشيرا إلى "كوفيد 19"، والبيئة الدولية المتقلبة التي تجلت في الصراع الروسي الأوكراني وسياسة رفع أسعار الفائدة بقيادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وفي ظل التطورات الحالية، يتوقع محللون أن تعاود الصين الحذر في إعادة فتح الاقتصاد، وهذا يعني استمرار الاضطرابات في حركة النقل وسلاسل الإمداد، ما يعزز الاعتقاد بأن طريق الخروج من سياسة "صفر كوفيد" ستكون وعرة.

وقبل الانخراط في تخفيف قيود كورونا بشكل كبير، سجل الاقتصاد الصيني نمواً مرناً في الأشهر الـ 11 الأولى من 2022، وفق بيانات صادرة عن الهيئة الوطنية للإحصاء، وأوردتها صحيفة الشعب الصينية، قبل يومين، مشيرة إلى أن الاستثمار في البنية التحتية ارتفع بنسبة 8.9% على أساس سنوي، في حين زاد الاستثمار في الصناعات التحويلية 9.3%، وقفز الاستثمار في مجال التكنولوجيا الفائقة بنسبة 19.9%.

كما أظهرت بيانات صادرة عن الهيئة العامة للجمارك في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، نمو التجارة الخارجية للسلع الصينية بنسبة 8.6% على أساس سنوي، خلال الأشهر الـ11 الأولى من 2022، لتصل إلى 38.34 تريليون يوان (حوالي 5.78 تريليونات دولار).

ومع فتح الأسواق، انتعشت الأسهم الصينية، إذ قفز مؤشر "هانغ سينغ تشاينا إنتربرايزس" في هونغ كونغ 29% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مسجلاً أفضل أداء له منذ 2003، فيما حقق مؤشر "هانغ سينغ" المقياسي أفضل مكاسب شهرية له منذ 1998.

لكن انتشار الإصابات بكورونا من جديد يحمل رسائل معاكسة تماماً لما كان متوقعا للاقتصاد الصيني في 2023 مع إعادة فتح الاقتصاد. والأسبوع الماضي، خفض البنك الدولي بشكل ملحوظ توقعاته للنمو الاقتصادي في الدولة خلال السنة الحالية وفي 2023 لوجود "مخاطر كبيرة" مرتبطة خصوصاً بوباء كورونا والأزمة العقارية.

البنك الدولي يخفض توقعات النمو

ورأى البنك في تقرير له أن إجمالي الناتج المحلي في ثاني أكبر اقتصاد عالمي سيسجل نمواً نسبته 2.7%، ومن ثم 4.3% العام المقبل. ويشكل ذلك تراجعاً واضحاً مع التوقعات السابقة للبنك الدولي الذي رأى في يونيو/ حزيران أن إجمالي الناتج المحلي الصيني سينمو بنسبة 4.3% خلال 2022 و8.1% في 2023.

ومن المتوقع ألا تقتصر تداعيات تفشي الوباء على الاقتصاد الصيني وإنما تمتد إلى باقي العالم للارتباط الوثيق بين الصين تجارياً ومختلف أنحاء المعمورة. وفي ورقة بحثية صدرت مؤخراً عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تحت عنوان "ما يحدث في الصين، لا يبقى في الصين" أشارت الورقة إلى أن البلاد تلعب دوراً محورياً في الاستهلاك العالمي ومشاعر المستثمرين.

وبينما كافح الكثير من دول العالم لاحتواء Covid-19 في عامي 2020 و2021، ساعدت السيطرة السريعة للصين على الفيروس المصانع المحلية على تلبية الطلب العالمي المتزايد على المنتجات الصحية والإلكترونيات. كما تمتد التأثيرات إلى أسواق السلع الأولية خاصة النفط والغاز.

وتوقع هوي شان كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك غولدمان ساكس في مذكرة بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري أن تتراجع الصادرات الصينية العام المقبل ما يؤدي إلى خفض النمو بمقدار 0.5%، بينما كانت قد دعمت نمو الناتج المحلي الإجمالي للدولة على مدى السنوات الماضية، حيث ساهمت بما يصل إلى 1.7% في عام 2021.

المساهمون