خلال عام 2021 من المتوقع أن تكون أحوال العرب الاقتصادية والمالية والمعيشية صعبة شأن العديد من دول العالم بما فيها بعض الاقتصادات الكبرى، وربما يكون الوضع معقدا أكثر بالنسبة للعديد من دول المنطقة لأسباب عدة.
فبالإضافة إلى التأثيرات الاقتصادية الخطيرة لتفشي وباء كورونا على المراكز المالية لهذه الدول، وتراجع الإيرادات العامة للحكومات مقابل زيادة المصروفات، وارتفاع عجز الموازنات العامة والبطالة والفقر، واستمرار تهاوي أسعار النفط، المورد الأساسي للعديد من الدول العربية وفي مقدمتها منطقة الخليج والعراق والجزائر وليبيا، وتلويح بعض الحكومات بتوقفها عن سداد الرواتب، فإن هناك مشكلة أهم وأخطر بدأت تلوح في الأفق.
المشكلة تكمن في زيادة فاتورة استيراد الأغذية من قمح وزيوت ولحوم وغيرها، وتوقعات استمرار الزيادة خلال الفترة المقبلة، وهو ما قد يلقي بأعباء مالية جديدة على المواطن، إما في شكل زيادات في أسعار الخبز والدقيق والسلع التموينية، أو في شكل نقص في الدعم الحكومي المقدم لسلع وخدمات أخرى منها الوقود والمياه والكهرباء، أو زيادة الأسعار والرسوم والضرائب بشكل عام.
وفق الأرقام، فإن واردات العرب من الأغذية تبلغ نحو 100 مليار دولار سنويا، وبالتالي فإن زيادة 10% في الأسعار تعني حاجة حكومات دول المنطقة إلى تدبير تكلفة إضافية بقيمة 10 مليارات دولار. وتظهر هذه الكلفة بشكل أكبر لدى الدول العربية الأكثر استيرادا للقمح والزيوت واللحوم وبكميات ضخمة مثل مصر والجزائر والسعودية والإمارات والعراق.
علما بأن الدول العربية تستورد نحو نصف احتياجاتها من الحبوب، و63% من الزيوت النباتية، و71% من السكر. وشكلت هذه السلع نحو 76% من قيمة فجوة السلع الغذائية الرئيسية في بعض السنوات حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
وإذا كانت بعض الدول العربية تستورد حاليا 70% من احتياجاتها من الأغذية، فإن أي زيادات في الأسعار ستكلف موازناتها مليارات الدولارات، وهي تكلفة عالية في هذا التوقيت الذي تتراجع فيه إيراداتها من النقد الأجنبي والمحلي على حد سواء، وذلك بسبب جائحة كورونا وتأثيراتها على القطاعات المدرة للنقد الأجنبي مثل السياحة وتحويلات المغتربين والاستثمارات الأجنبية، وكذا تراجع إيرادات الضرائب وغيرها من الموارد العامة.
الأرقام الأخيرة الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" تقول إن أسعار الغذاء العالمية شهدت في شهر يناير/كانون الثاني ارتفاعاً للشهر الرابع على التوالي، وإن مؤشر رصد أسعار السلع الغذائية ارتفع خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى أعلى مستوى في ست سنوات.
كما سجلت أسعار القمح العالمية خلال يناير ارتفاعًا نسبته 6.8%، مقابل 5.8% للزيوت النباتية، وأسعار الزيوت النباتية 7%، مسجلاً أعلى مستوى له في ثلاث سنوات مع ارتفاع أسعار زيت النخيل وزيت فول الصويا وزيت عباد الشمس وزيت بذور اللفت.
وسجلت أسعار اللحوم سلسلة من الارتفاعات لمدة 11 شهراً، وزادت أسعار السكر 5.5%، مدفوعاً بتوقعات بانخفاض الإنتاج في العديد من البلدان المنتجة الرئيسية.
لا يقف الأمر عند الزيادات الحالية، فتقديرات منظمة فاو تشير إلى ارتفاع متوقع لأسعار السلع الغذائية العالمية خلال العقد القادم وبنسب متفاوتة، في ضوء استمرار النمو السكاني المرتفع، والتغيرات المناخية، وتباطؤ النمو، وأخيرا تأثيرات كورونا.
هذه الزيادات المتوقعة في أسعار الأغذية، تهدد ملايين المواطنين بالجوع خاصة في دول مثل سورية واليمن والسودان والعراق وغيرها، وتعيد إلى الواجهة مرة أخرى طرح قضية الأمن الغذائي العربي التي من السهل تحقيقها في ظل توفر الموارد الطبيعية من الأرض والمياه والموارد البشرية، إضافة إلى سيولة ضخمة لدى دول الخليج تتجاوز ألفي مليار دولار، يتبقي فقط الإرادة السياسية، فهل تتوفر في هذا التوقيت الصعب الذي يلوح فيه شبح الجوع في عدة دول عربية.