على مدى السنوات الماضية صدعتنا البنوك العالمية الكبرى بمبدأ السرية المصرفية، وتعاملت مع الأمر على أنه قدس الأقداس الذي لا يُمسّ ولا يجوز الاقتراب منه، بل إن معظم دول العالم سنّت قوانين وتشريعاتٍ وأعرافاً مصرفية تلاحق من خلالها كل شخص ينتهك سرية الحسابات المصرفية لعملاء القطاع المصرفي أو حتى يلوح بالكشف عنها ولو كان مصدر أموالها غير مشروع.
وخلال اليومين الماضيين صحونا على فضيحة تورط بنك HSBC البريطانى - سويسرا في ارتكاب جريمة تهرب ضريبي كبرى عبر مساعدة عدد من كبار عملائه من السياسيين والشخصيات العامة ورؤساء الدول على ارتكاب جريمة التهرب من الضرائب وإخفاء أموال غير مصرح بها، وهي الجريمة التي أطلق عليها اسم فضيحة "سويس ليكس".
وبحسب الوثائق، التي نشرت فإن فرع HSBC بسويسرا ساعد العملاء المتعاملين معه ومنهم رؤساء دول عربية ومشاهير وتجار سلاح وسياسيون في أكثر من 200 دولة على التهرب الضريبي في حسابات مصرفية تصل إلى 119 مليار دولار.
وفي الوقت الذي لم نستيقظ فيه بعد من هذه الصدمة فوجئنا بانضمام "يو بي إس" أحد أكبر المصارف السويسرية لقائمة البنوك الخاضعة لتحقيقات من قبل السلطات الأميركية في اتهامات مماثلة تتعلق بمساعدة عملائه على التهرب من الضرائب عبر استثمارات محظورة في أميركا.
الفضيحة أو الصدمة الأخيرة ليست الأخطر كما يظن البعض، رغم أن موظف مصرف HSBC إرفيه فالشياني قال أمس إن ما كشفه ليس سوى جزء بسيط مما تضمنته الوثائق التي سلمها للسلطات الفرنسية.
المصارف العالمية الكبرى تحولت عبر السرية المصرفية لمكان آمن للأموال المشبوهة التي تتم سرقتها من الدول الفقيرة، وباتت هذه البنوك توفر غطاء آمناً للحكام الفسدة الذين يستولون على أموال شعوبهم ويهربونها لمصارف سويسرية وأوروبية بعيداً عن أعين الضرائب والجهات الرقابية، والغريب أن القائمة الأخيرة التي كشفت عنها فضيحة سويس ليكس بها أسماء لحكام ورؤساء دول ترزح بلدانهم تحت الفقر والبطالة والفساد ويطلبون ليل نهار مساعدات خارجية للتغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية داخل بلدانهم.
وللأسف، بدلاً من أن توفر السرية المصرفية مكاناً آمناً للأموال النظيفة، باتت موطئاً للأموال القذرة خاصة الناجمة عن عمليات فساد ورشى وسمسرة كبرى تحدث داخل بلداننا العربية والفقيرة.