يتوقع أن تكون سورية من البلدان التي ستتأثر وبشدة بحال زيادة فرض العقوبات على روسيا، خاصة إذا طاولت التجارة ونظام التحويل المالي "سويفت"، لا سيما في ظل توسع الاستثمارات في سورية، لتطاول الزراعة والعقارات والشركات الحكومية والمرافئ، بعد الاستحواذ على الطاقة، فوق الأرض وتحتها.
فسورية المحكومة لموسكو بحزمة اتفاقات، طاولت 40 مشروعاً وقطاعاً، بعدما توسعت روسيا، العام الماضي، وعرض نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي يوري بوريسوف "حزمة الاتفاقات"، وافق على جميعها نظام بشار الأسد لتغدو سورية وكأنها "ولاية" تتبع روسيا الاتحادية، بعد وضع اليد على مرفأ اللاذقية باتفاقية تدوم 49 سنة قابلة للتمديد، والبدء اليوم بـ"هندسة الوضع" لوضع اليد على مرفأ طرطوس، بعد توطيد أركان روسيا العسكرية بقواعد عدة و"محمية" حميميم التي تتضمن مطاراً وأكبر قاعدة عسكرية لروسيا ربما خارج أراضيها.
وجاءت "حزمة الاتفاقات" بعد استئثار روسيا منذ عام 2019 بمعظم مواقع الطاقة وعقود التنقيب واستخراج النفط والفوسفات ومحطات الكهرباء، لاسترداد فاتورة الديون التي تراكمت على نظام الأسد منذ بدأت دعمه عسكريا وسياسيا واقتصاديا إثر تدخلها عام 2015.
وبعد التعاقد على استجرار "غذاء السوريين" من خضر وفواكه وزيت الزيتون، وصل الحلم الروسي لتوطين شركاته أو ممثلين لها في العاصمة دمشق، فرأينا أخيراً الإعلان عن افتتاح فرعين لشركتين روسيتين، هما "ميركوري" و"فيلادا"، اللتان تعملان في التنقيب عن النفط، في دمشق، إضافة لوجود شركات أخرى، بمقدمتها "ستروي ترانس غاز".
ولعل بما تسمى اللجنة المشتركة، لتوقيع العقود وتفعيل الاتفاقات، وخاصة ما يتعلق منها بعقود الاستثمار طويلة الأجل (مرفأ طرطوس وشركة الأسمدة) وأراض واستثمارات شركات جديدة، هي شرعنة هواجس روسيا بالمياه الدافئة وإيجاد قاعدة بالشرق الأوسط.
لكن السؤال اليوم، وبعد غزو بوتين أوكرانيا وما تلوح به الدول الأوروبية والولايات المتحدة، كيف سينعكس ذلك على التعامل السوري الروسي، سواء لمد نظام الأسد بالسلاح والقمح، أو استجرار ما تبقى من خيرات سورية الزراعية واستكمال الإطباق على ثرواتها.
كما يرى الخبراء أن العقوبات إذا وصلت إلى خدمة "سويفت" فستكون الآثار "وخيمة" على سورية، التي اكتفت بروسيا وقايضت بعلاقتها بها العالم أجمع، فلم يعد الاتحاد الأوروبي شريك سورية التجاري الأول، كما كان منذ عقود، وتراجع حجم التبادل مع الدول العربية ودول المنطقة، لتحل روسيا بمقدمة شركاء الأسد، وتليها إيران.
ويقول الدكتور سمير سعيفان حول إغلاق نظام السويفت على روسيا، إنه لا يعتقد أن ذلك سيحصل، لأن ذلك سيكون بمثابة إعلان حرب شاملة على روسيا، فهو أشبه بقطع التيار الكهربائي عن الشركات، ولا يمكن وقتها أن يعمل النظام البنكي، بل ستتحول العلاقات إلى نقدية، حتى لو حاولت موسكو التدارك من خلال علاقاتها مع الصين أو غيرها.
من حيث المبدأ لا أعتقد أن واشنطن والدول الأوروبية ستقدم على هذا الإجراء (العقوبة)، لأن روسيا هددت بأنها في حال فرض عقوبة كهذه ستضرب الكيبل البحري للإنترنت، واليوم الإنترنت والسويفت هما عصب الحياة الحديثة، ولكن بحال حدث وفرضت الولايات المتحدة هذه العقوبة، ستتأثر علاقات روسيا مع البلدان العربية نسبياً، لأن العلاقات التجارية بين روسيا والدول العربية ليست بالكبيرة، أهمها ربما مع الجزائر ومصر، ودخلت الإمارات على الخط أخيرا. ورغم ذلك لا يزيد حجم التبادل بين روسيا وجميع الدول العربية عن 18 مليار دولار، وهو نصف حجم التبادل مع تركيا على سبيل المثال.
والاستثمارات الروسية بالبلدان العربية قليلة أيضاً، معظمها عقارات ولها علاقة باستكشاف واستثمار النفط والغاز، ولا تزيد عن 50 مليار دولار، بالمقابل لا توجد استثمارات عربية كبيرة بروسيا، وهي لا تزيد عن 6 مليارات دولار ومعظمها إماراتية (أكثر من 80% من الاستثمارات العربية بروسيا من الإمارات).
لذا لن تتأثر الدول العربية كثيرا إذا ما طاولت العقوبات نظام السويفت، رغم أن قطع السويفت سيوقف جميع التحويلات المالية وتتوقف التجارة والخدمات والاستثمارات بشكل عام.
وحول تأذي المصالح الروسية بسورية وحجم الاستثمار، يضيف سعيفان، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن هدف روسيا بسورية هو وجود عسكري والوصول للمتوسط أكثر مما هو اقتصادي، لذا نرى التركيز على قاعدة حميميم أكثر من الاقتصاد، ولكن هذا لا يعني أن روسيا غير موجودة اقتصادياً، بل هي تستأثر بالتنقيب على النفط والغاز، بالبر والبحر، وأخذت بالتنقيب عن الفوسفات واستخراجه وبيعه بمنجم خنيفيس، شرقي حمص، كما استثمرت مرفأ اللاذقية وشركات حكومية عدة.
ويتوقع المحلل السوري أن معظم عقود واتفاقات روسيا مع سورية لن تستكمل أو ترى النور، لأن روسيا تنتظر الحل قبل أن تدخل بكامل تطلعاتها وأموالها إلى سورية، لكنها تزيد الاتفاقات عاما تلو عام، وتزيد من طرق الهيمنة والسيطرة على مقدرات سورية، وتستعد لعقود إعادة الإعمار عبر 100 شركة سبق أن تكلمت عنها.
كما لا توجد علاقات نقدية كبيرة بين سورية وروسيا، وبشكل أساسي تقدم روسيا قمحا وتسجل ربما قروضا تستوفى من الاتفاقات والعقود.