سورية: حرفة صناعة الأحذية من التصدير إلى الترميم

21 يوليو 2024
صناعة الأحذية تميزت في سورية قبل الحرب - الرقة 28 إبريل 2022 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تراجع صناعة الأحذية في سوريا**: تدهورت صناعة الأحذية والجلديات خلال الحرب بسبب الدمار، مما أدى إلى انتشار التقليد واستخدام مواد ضعيفة، وإغلاق العديد من الورش.
- **تحديات الحرفيين والمعامل الصغيرة**: ارتفاع أسعار الطاقة وصعوبة الحصول على المواد الأولية والاستيراد، أجبر العديد من الحرفيين على إغلاق ورشهم أو العمل كأجراء في المعامل الكبيرة.
- **تأثير التحديات على السوق والمستهلكين**: سيطرت الشركات الكبيرة على السوق، مما رفع الأسعار وجعل الأحذية غير متاحة للكثيرين، مما أدى إلى ازدهار مهنة تصليح الأحذية كبديل اقتصادي.

تراجعت مهنة صناعة الأحذية والجلديات في سورية خلال سنوات الحرب  نتيجة ما طاولها من دمار كباقي الحرف والصناعات السورية، وباتت صناعة يشوبها التقليد، واستخدام أضعف المواد الأولية، ما ساهم في الترويج للأحذية المهربة والبالة.

ورغم السعي الكبير من الصنّاع والحرفيين لإحيائها خلال السنوات الأربع الأخيرة، وإعادتها إلى الواجهة، واجهت صناعة الأحذية صعوبات كبيرة أدت إلى تراجعها من جديد وإلى إغلاق العديد من الورش الصغيرة والكبيرة في معظم المحافظات السورية

ويقول الحرفي مشعل السلمان لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع أسعار حوامل الطاقة وعدم توفر المواد الأولية كالجلود والشمع والخيوط وغيرها من لوازم صناعة الأحذية في سورية، وصعوبة استيرادها لعامة الحرفيين، وقفت عائقاً في طريق الورش والمعامل الصغيرة، فاضطر معظمها للإغلاق، فيما اقتصر عمل البعض منها على صناعة أجزاء من الأحذية كالوجه او الكعب لصالح المعامل الكبيرة، وبالتالي أصبح الحرفي أجيراً عند صاحب المعمل. 

وأكد هذه المعلومات "أسعد شمسو"، رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الأحذية بحماة، لموقع "غلوبال" مضيفاً أن 65% من ورشات صناعة الأحذية قد توقفت وبات معظم الحرفيين يعملون على ماكيناتهم لإنتاج الأجزاء فقط، دون القطع الكاملة لأن ماكينات الحقن والحقن المباشر موجودة لدى المعامل الكبيرة فقط القادرة على تحمل تكاليف الطاقة والتي تجد طرقا لاستيراد الجلود والمشمع، وهذه فقط التي تستكمل صناعة المنتج وتقطف ثمرة العمل الأكبر.

ولخص "شمسو" مشاكل الحرفيين بغلاء سعر المازوت بالدرجة الأولى بالإضافة لعدم وجود فرص للتصدير تعوض الخسائر أو تساهم في استمرار العمل. ودفعت الظروف الصعبة، والمستحيلة أحياناً، بحرفة صناعة الأحذية للتمركز والخصخصة في معامل كبيرة ضمن المدن الصناعية الأكثر قوة والأوفر خدمات، مثل معامل صناعة الأحذية في دمشق وحلب ومدينة عدرا الصناعية، التي بدأت تأكل الورش الصناعية الصغيرة المنتشرة في باقي المدن وأخذت تسيطر على أسواق التصريف المحلية في غياب شبه كامل للتصدير. 

ويقول التاجر عمار كيلاني لـ"العربي الجديد": "لقد استحوذت بعض شركات صناعة الأحذية الكبيرة على الأسواق الداخلية، وهذا طبيعي نتيجة امتلاكها الشروط المناسبة للإنتاج، وفي مقدمتها تأمين حوامل الطاقة من خلال وجودها بمدن صناعية معفاة من التقنين الكهربائي، وإمكانات وطرق لاستيراد المواد الأولية، وحتى للتصدير بطرق أو بأخرى، وبالتالي وضعت الورش والمعامل الصغيرة في منافسة غير متكافئة، الأمر الذي أدى إلى توقف النسبة الكبرى منها". وأضاف: "لا ننكر نحن التجار أننا ساهمنا بشكل أو بآخر بتوقف هذه الورش، لأن التاجر يبحث دوماً عن الاستمرار في العمل والربح الأوفر، وهذا بات من الصعب تحقيقه في الورش الصغيرة".

ولم يظهر التعثر في صناعة الأحذية فارقاً في أسواق التصريف، بل حافظت هذه على تجارتها وعلى الحد المناسب من الأسعار التي تؤمن ربحا غير مشروط ولا يخضع للرقابة التموينية، وانعكست الأسعار عجزاً في قدرة الشريحة الكبرى من المواطنين عن الشراء. وتقول "سلمى أبو الحسن" من سكان مدينة دمشق لـ"العربي الجديد" إن الحد الأدنى لسعر حذاء نسائي أو رجالي أو للأولاد ذي جودة متوسطة يزيد عن 150 ألف ليرة سورية، ويبدأ صعوداً بحسب الجودة والموديل، لتصل الأسعار لشريحة لا تخص الموظفين والطبقات المتوسطة، وغالباً ما اختلفت الأسعار بين يوم وآخر بحسب تغيرات سعر الدولار.

وأضافت: "بتنا نلجأ لتصليح الحذاء أكثر من مرة من أجل التوفير. وما يُثير الغرابة هو استمرار عمل معظم محال الأحذية في الوقت الذي يشتكي فيه الجميع من الكساد وضعف المبيعات وتكاليف الإيجارات الباهظة". وفي هذا الشأن يقول الصناعي "مهدي رستم" لـ"العربي الجديد": لقد استغل التجار الأزمة السورية منذ بدايتها وعرفوا كيف يستثمرون في أزمات المنتج وحاجة الناس، فالتاجر لا تعنيه  كيفية الحصول على المواد الأولية وحوامل الطاقة وماكينات العمل، وأمامه الكثير من الخيارات من داخل وخارج البلد، في حين يجهد المصنع لإنتاج القطعة بظروف صعبة وأبواب مغلقة أمام التصدير، وبالتالي إذا كانت أرباح المصنع تتراوح بين 12% و20%، فأن أرباح التاجر لا تقل عن 100%، وتصل إلى 200%، في غياب الرقابة التموينية. 

ويضيف رستم: "لن أكون مخطئاً إذا أخبرتكم أن العديد من حرفيي صناعة الأحذية في سورية قد حوّلوا الورش الصغيرة إلى أماكن تصليح أحذية، لما في هذا من تخفيف تكاليف العمل وللمحافظة على ماكينات الإنتاج كي لا تباع بأسعار زهيدة وفي نفس الوقت نتيجة الاقبال الكبير على تصليح الأحذية". 

وعن هذا يقول احد معلمي تصليح الأحذية لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع أسعار الأحذية، وتراجع القدرة الشرائية للشريحة الكبرى من السوريين، فتحا سوقاً واسعة وفرص عمل كبيرة لمهنة تصليح الأحذية، وأصبحت تنتشر هذه في كل الأسواق والمدن بكثافة، لما توفره من تكاليف لعموم الناس. والأهم من هذا العمل أن العديد من العاملين فيها ذوو خبرة تساعد في ترميم الحذاء والتصغير أو التكبير بحسب الطلب، وكل هذا مقابل تكاليف تتراوح بين 5 آلاف و25 ألف ليرة، وهذه تكلفة زهيدة مقارنة بأسعار الأحذية المرتفعة والتي لا تتلاءم مع دخل المواطن. وتتركز صناعة الأحذية في القطاع العام بثلاثة مصانع كبرى في دمشق والسويداء وحمص، وهي مخصصة للصناعات العسكرية.

المساهمون