سورية... حالة جنون

15 فبراير 2021
تضاعفت الأسعار خلال عام أكثر من 300% (فرانس برس)
+ الخط -

ترى، أيستوي القول إن اكتفينا باختصار الغلاء في سورية بـ"حالة جنون" كما قالت رئيسة لجنة سيدات الأعمال الصناعيات مروة الإيتوني، من دون الوقوف على الأسباب ومعرفة المسببين، أو حتى، محاولة قراءة ذلك الجنون، إلى أين يمكن أن يصل وما هي عواقبه على السوريين؟
إذ وصف الغلاء بالجنون ومن ثم نصمت، ربما يشير بإصبع الاتهام للتجار وحدهم، وأن الحكاية، احتكار واستغلال ظروف الحرب وتحميل المسؤولية على شماعة الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تستهدف النظام المقاوم والممانع.

من دون أن يعلم من يسمع "جنون الأسعار" أن نظام الأسد أوقف تمويل التجارة ويلاحق الصناعيين حتى بقطع الكهرباء عن المدن الصناعية، والمستهلك بلقمة عيشه بعد خيار التجويع من أجل التركيع منذ عام 2011.
أغلب الظن، أن السبب المباشر لما رأته "الرئيسة جنوناً" هو تهاوي سعر صرف الليرة السورية إلى أدنى مستوى على الإطلاق، فأن يصل سعر الدولار إلى نحو 3300 ليرة بالعاصمة دمشق، ليتراجع سعر الصرف بنحو 300 ليرة خلال أسبوع، ويبقى سعره الرسمي أقل من نصف السعر الحقيقي (1256 ليرة للدولار)، فهذا على الأرجح ليس جنوناً.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وليس من الجنون أن يرتفع سعر الذهب 11 ألف ليرة سورية خلال أسبوع، فيسجل رقماً قياسياً بوصول سعر الغرام إلى 165 ألف ليرة، ما يعادل راتب موظف لثلاثة أشهر، بل ثمة مؤشر على تلاشي ثقة السوريين بعملتهم، بواقع تجريمهم إن تعاملوا بالعملات الأجنبية، وبقاء المعادن الثمينة، الملاذ الوحيد ليهربوا من الليرة المرشحة للانهيار.
كما لا يصح وصف الحالة المعيشية بـ"الجنون" بعد أن تضاعفت الأسعار، خلال عام أكثر من 300% حصة 2020 منه 192% لتزيد تكاليف المعيشة من 380 إلى 732 ألف ليرة لأسرة مكونة من خمسة أشخاص، والأرقام والنسب لمركز "قاسيون" من وسط دمشق، وليس تهويلاً من بنات أفكار المتآمرين على نظام بشار الأسد.
كما من التسطيح وصف الحالة بالجنون، حينما يصل سعر كيلو الطماطم إلى 1500 ليرة والتفاح إلى 3 آلاف ليرة والأرز إلى 3500 ليرة واللحم إلى 25 ألفاً وسعر كيلو السمن إلى 40 ألفاً، ولا يزيد متوسط الأجور عن 60 ألف ليرة، فوقتذاك، ربما يصح، بدل الجنون التجنين، أي دفع السوريين ليفقدوا صوابهم وتوازنهم.
فأن يقول تقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP) بالأمس، إن حوالي 60% من السكان في سورية يعانون، من انعدام الأمن الغذائي، في "أسوأ حالة أمن غذائي شهدتها سورية على الإطلاق" فهذا ما يدفع السوريين، بواقع التفقير المتعمد، إلى الجنون.
وحسب التقرير الأممي، يعاني 12.4 مليون شخص سوري بالداخل، انعداما غذائيا، وهذا يعد أعلى نسبة سُجلت على الإطلاق، لتأتي تتمات دفع السوريين للجنون، عبر أرقام برنامج الأغذية العالمي، إذ 1.3 مليون شخص، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بزيادة قدرها 124% خلال سنة، وقُيّم 1.8 مليون شخص إضافي على أنهم معرضون لخطر الوقوع في انعدام الأمن الغذائي... وزاد، بواقع دفع السوريين للجنون، عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنسبة 57%، أي بمقدار 4.5 ملايين شخص في عام واحد فقط.
نهاية القول: لم يزل بعض السوريين محصنين من الجنون، لكن أمرين يقوم بهما نظام الأسد اليوم، سيسقطان على الأرجح، تلك التحصينات.

الأول تحويل كل من ينتقد الوضع المعيشي أو يتناول أركان نظام الأسد بالسوء، إلى المحاكم بتهمة جرائم أمن المعلوماتية ونشر أخبار توهن نفسية الأمة، وطريقة القمع وكم الأفواه الجديدة، طاولت حتى "شبيحة النظام" الذين ضاقوا ذرعاً بالغلاء واستحال عليهم تأمين سبل العيش، فتم سجن صحافيين ومقدمي برامج بالتلفزيون الرسمي، رغم ما لهم من تاريخ نضالي إلى جانب الأسد.
والأمر الثاني، في حين لم ينجع منع الكلام والشكايات من سوق سوريي الداخل للمصحات العقلية، هو سحب الدعم، عن المشتقات النفطية وما تبقى من سلع غذائية مدعومة، الخبز بمقدمتها، وتحرير الأسعار بسورية، مع بدل نقدي بمقدار 25 ألف ليرة، زيادة شهرية على الأجور.
حينئذ، وفق ما يحضره النظام الآن، بالتوازي مع حملة التوريث الرئاسية، يضمن الأسد جنون غير الموظفين بالسرعة الكلية، لأنهم سيدفعون ضريبة سحب الدعم من دون أن يتلقوا فتات التعويض... والذي يبقى بعقله ورشده من السوريين، تكون صفعة إعادة إنتاج الأسد وتجديد حكمه على كرسي أبيه لولاية رابعة، كفيلة بالإجهاز على الجميع.

المساهمون