اقترح رئيس هيئة الأوراق المالية في دمشق عابد فضلية اليوم الثلاثاء، تعويض المتضررين من الحرائق التي أصابت غابات وزراعات مدن الساحل السوري من الموازنة العامة للدولة، في الوقت الذي شكك فيه مختصون ومتضررون بجدية هذه التعويضات، معتبرين إياها تصريحات للاستهلاك الإعلامي.
وبعد شهر على حرائق غابات بثلاث مدن سورية "اللاذقية، حمص وحماة" التي أتت على مئات الهكتارات من الغابات والمحميات الطبيعية، وبعد حرائق لمواسم القمح تستمر منذ ثلاثة أعوام، عادت النيران لتحول غابات عمرها مئات السنين، إلى أثر بعد عين، بعد أن هددت آلاف السوريين من سكان مدن الساحل السوري ليختاروا الرحيل عن منازلهم حلاً، بعد أن وصلت إليها النيران.
واقترح فضلية أن يتم سحب مبلغ من احتياطي موازنة الدولة للعام الجاري لتعويض المتضررين من الحرائق، معتبراً أن المهمة ستكون شاقة على الحكومة في تعويضهم، كون حجم الكارثة كبيراً.
وطالب فضلية، خلال تصريحات صحافية، بوجوب تفعيل دور القطاع الخاص وأصحاب الفعاليات لتقديم الدعم والمساعدة للمتضررين "كونه واجباً وطنياً وحقاً إنسانياً".
وبعد مطالبة رئاسة مجلس الوزراء بحكومة بشار الأسد أمس، كل الوزارات والجهات التابعة لها والاتحادات والمنظمات الشعبية والفعاليات الاقتصادية والمجتمعية التي ترغب بتقديم مساعدات، تم حصر تسليمها للمحافظين ليصار إلى توزيعها عبرهم.
وتفاعلت جهات ومنظمات اقتصادية سورية غير حكومية مع أوجاع المتضررين من الحرائق الأخيرة، حيث أطلقت غرفة صناعة دمشق وريفها اليوم، مبادرة "برداً وسلاماً سورية" لمساندة المتضررين من الحرائق.
كما أعلنت رابطة المصدرين السوريين للألبسة والنسيج عن حملة "برداً وسلاماً يا بلدي" لجمع التبرعات، داعية رجال الأعمال والتجار للمساعدة، ونوهت بأن إيصال المساعدات سيكون بالتعاون مع "وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل".
وفي حين تكشف مصادر لـ"العربي الجديد" عن خطة من رجال الأعمال لإنشاء صندوق تبرعات خاص بالمتضررين من الحرائق، وأخرى من وزارة حماية المستهلك"، لفتح حساب جار لدى المصرف التجاري السوري بالتعاون مع اتحاد غرف التجارة السورية، لاستقبال التبرعات بهدف مساعدة متضرري الحرائق.
كما أعلنت غرفة صناعة حلب استعدادها لاستقبال كافة أنواع التبرعات، وإيصالها إلى النازحين من حرائق الساحل.
تعويضات وهمية
وقال نبيل أحمد من ريف مدينة اللاذقية لـ"العربي الجديد" إننا "سمعنا عن اجتماعات حكومية لمناقشة الأضرار والتعويضات، ولكن كما الحرائق السابقة، تعويض بالحكي أو بعض الأموال التي لن تعوض خسائرنا".
وقال إعلامي من دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، إن "الكارثة ستمر بعد الشعارات وردود الأفعال المرحلية، ولكن لن يصل للفلاحين والمتضررين جزء من خسائرهم"، مشككاً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" بنزاهة اللجان وعدالة إنصاف المتضررين.
ويتساءل الإعلامي، هل من العدالة إشغال الجهات بالتبرعات الشكلية، قبل أن يتم إقفال ملفات وتحقيقات الحرائق "أم أنها ستسجل ضد مجهول كما كل مرة".
وأشار إلى وجود قوات إيرانية وأخرى روسية قريبة من الحرائق، لكن كلتا الدولتين لم تساهم بأي فعل لإطفاء الحرائق إلا حول مواقع تواجدها"، حيث قامت روسيا بإطفاء الحرائق حول مطار حميميم الذي تحتله".
كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد أشارت إلى أن نظام الأسد غير مُكترث بتخصيص موارد مادية أو بشرية في الحفاظ على ثروة سورية الطبيعية، بعد أن دمّر أحياءً بأكملها وشرّد مُدناً من سكانها بالكامل.
وقالت الشبكة خلال تقرير السبت، إنه ومنذ فجر 9 تشرين الأول/أكتوبر 2020، بدأت سلسلة من الحرائق المتتابعة وسط لامبالاة فظيعة من النظام السوري المُسيطر على تلك المناطق.
وتطابقت تصريحات عدة لسوريين بالداخل استطلع آراءهم "العربي الجديد"، تفيد أن الإهمال هو التهمة الأقل لنظام بشار الأسد، لأن التحذيرات مستمرة منذ أعوام، من عدم شق الطرق بين الغابات وقدم الآليات وقلة عدد الكوادر، ولكن ليس من أذن ومجيب.
كما تساءل سوريون عن قدرة نظام بشار الأسد على رمي براميل متفجرة من الطائرات، لقتل السوريين خلال تسع سنوات، في حين لا يتوفر بسورية طائرات لإطفاء الحرائق.
أيضا تساءل سوريون عن دور روسيا وإيران حليفي نظام بشار الأسد، متهمين إياهما "بوجود مصلحة لهما بالحرائق لتتملكا أراضي الدولة، وتحصلا ديونهما وثمن تأييدهما للأسد".
خسائر ضخمة
ويقول حسن البكري من منطقة الحفة بريف اللاذقية إن عدد الحرائق تعدى خلال الأيام الثلاثة الماضية، 150 حريقاً، لتفني غابات ومحميات معمرة، وتلتهم كروم زيتون وحمضيات، خاصة بمدينتي طرطوس، التي شهدت 50 حريقاً، واللاذقية التي زادت مواقع حرائقها على 75 حريقاً.
وحول المناطق التي طاولتها الحرائق، يؤكد البكري لـ"العربي الجديد" أنها عامة، ولا تستهدف مناطق محددة أو طائفة معينة، إذ تركزت في مدن ومناطق مختلفة بمدينتي طرطوس واللاذقية، ووصلت إلى مدن بريف حمص.
وأشار إلى أن معظم الحرائق تم تحويطها بجهود الأهالي ومساعدات قليلة من أفواج الإطفاء البدائية وعناصر جيش النظام بالمنطقة، وبدأ تبريد الأراضي المشتعلة لئلا تفور وتشتعل من جديد.
ويقول المهندس الزراعي، يحيى تناري، إن مساحة الغابات والثروة الحراجية بسورية، تناقصت من نحو 30% من مساحة سورية قبل خمسين عاماً، إلى أقل من نحو 3% اليوم.
وأضاف تناري لـ"العربي الجديد" أن الأخطر بالأمر، أن حرائق هذا العام أتت على محميات نادرة على مستوى المنطقة.
ويروي أحمد عن حجم الخسائر التي مني بها فلاحو المنطقة، فالحرائق لم تطاول أشجار الغابات بالجبال، بل وصلت إلى البيوت البلاستيكية والزراعات المحمية أيضاً.
ويشير أحمد إلى أن خسائر شجر الزيتون والحمضيات "ونحن على أبواب الموسم" لا تعوّض بالمال، لأنها بحاجة لسنين طويلة حتى تعود وتثمر كما كانت، مضيفا أن "متوسط إنتاج الحمضيات بمدن الساحل السوري يصل إلى 800 ألف طن، لكنه لن يصل إلى نصف هذا الرقم هذا العام".