يدق أبواب السوريين فصل الشتاء منذرا بمعاناة جديدة، تضاف إلى قائمة طويلة تقض مضاجعهم، في ظل أزمات وقود متعددة، وتحذيرات من أزمة كهرباء لما ستتعرض له من استجرار في محاولة لتعويض نقص وقود التدفئة وغاز الطهي، لتبقى بدائل تعتمد على حلول بدائية غالبا ذات أضرار صحية وبيئية، في حين تأخذ مؤسسات النظام المسؤولة موقف المتفرج.
ينتظر أبو عماد حمدون (53 عاما)، موظف في إحدى المؤسسات العامة في دمشق، منذ أكثر من أسبوع أن يصل إليه دور تعبئة حصته من مازوت التدفئة البالغة 200 لتر، قائلا في حديث مع "العربي الجديد"، "منذ إعلان مؤسسة المحروقات عن بدء توزيع المازوت في شهر أغسطس/ آب الفائت، وأنا أراجع المؤسسة بشكل أسبوعي وفي كل أسبوع يتم تأجيلي للأسبوع الذي يليه، وإلى اليوم لم يصل إلي الدور".
وأضاف حمدون: "هذه الـ200 لتر هي من ستعينني على تدفئة عائلتي، طبعا إضافة إلى الكهرباء، فهذه الكمية لا تكفي للتدفئة بشكل مستقل، ونحن لا نشعل المدفأة طوال اليوم فغالبا أنا وزوجتي في العمل والأطفال في المدرسة، ولا نشعل المدفأة إلا في المساء عندما تكون الكهرباء مقطوعة، ولا نتأخر في السهرة، فما إن ينتهي الأطفال من دراستهم وتناول عشائهم نؤوي إلى الفراش".
ولفت إلى أنه "يخشى أن يكون هناك أزمة مازوت كحال أزمة البنزين، ما يعني أنه قد يبدأ الشتاء ولا نكون حصلنا على المازوت"، هذا القلق دفع حمدون إلى أن يحاول جمع ما تيسر له من أغصان شجر وما قد يحصل عليه من بعض محلات النجارة القريبة عليه، إضافة إلى ما يصدفه بطريقه من ورق مقوى، ليستعين بحرقها على تأمين القليل من الدفء لأطفاله".
وفي الريف الغربي من دمشق، تبدو المخاوف أكبر والناس بدأت باكرا بالبحث عن بدائل تعوض عن نقص الوقود الذي بدأوا يلتمسونه باكرا، بحسب أبو جابر محمود (47 عاما)، قائلا: "الناس هنا لا يمكن أن تتدفأ على 200 لتر مازوت طوال فصل الشتاء، على الأقل نحتاج 600 لتر، لذلك الناس باكرا، منهم من اشترى المازوت من السوق السوداء وكان سعر اللتر في الصيف ما بين 350 و400 ليرة، في حين سعر اللتر الرسمي 180 ليرة (سعر صرف الدولار الأميركي = 3300 ليرة سورية)".
ويضيف: "أما اليوم نتحدث عن أسعار مضاعفة، وهناك من يتوقع أن يرتفع سعر لتر المازوت إلى أكثر من ألف ليرة مع بدء البرد وهطول المطر".
وتابع محمود: "هناك عائلات فقيرة ليس بمقدورها اليوم حتى أن تدفع ثمن حصتها من المازوت، فتجدها تجمع الورق المقوى وأغصان الشجر اليابس، وحتى أكياس النايلون، ومنهم من جلبوا إطارات مستعملة وقطعوها تجهيزا لحرقها في مدافئهم، بالرغم من رائحتها الكريهة ومخاطرها الصحية".
أما جاره، أبو أمين تقي الدين (37 عاماً)، يعمل في دكان صغير لبيع المواد الغذائية، بعد أن مر عليه أكثر من 70 يوما وهو ينتظر دوره لاستلام أسطوانة الغاز المنزلي، لجأ إلى الإنترنت ليصنع لزوجته موقداً يدعى "الصاروخ" وهو عبارة عن صفيحة حديد مثقوبة من الأعلى والجانب.
وضع تقي الدين بداخلها قساطل تستخدم مع المدافئ وقام بإحاطة القساطل بالرمل، وبآلية سهلة يشعل بعض العيدان في الفتحة الجانبية لتتشكل في المقابل نار جيدة يمكن أن يتم استخدامها في الطهي أو تسخين الماء وغيرها من الأمور.
وأضاف: "أسطوانة الغاز الرسمي بـ2700 ليرة، ويحق للعائلة أسطوانة كل 60 يوما، في حين هي بالكاد تكفي 30 يوما، بالطبع ذلك مع التقشف والاقتصاد، إضافة لاستخدام الطباخ الكهربائي"، لافتا إلى أنه "قبل الأزمة كانت هناك عائلات تستخدم الغاز في التدفئة على الأقل في غرفة الاستقبال، لكن كان الغاز متوفرا بأي وقت وسعر الأسطوانة 275 ليرة".
وأضاف: "هذا العام الناس تخشى أن يكون وضع الكهرباء أسوأ من العام الفائت، بالرغم من أن ساعات التقنين وصلت إلى أكثر من 16 ساعة قطع خلال الـ24 ساعة، وخاصة أن المسؤولين بدأوا باكرا الحديث عن أزمة كهرباء"، معتبرا أن "خيارات الناس محدودة جدا، وليس لديها الإمكانية المادية لتجد حلولا مثل أن تعتمد على الطاقة الشمسية للإنارة أو أن تشتري وقودا من السوق السوداء".
وكان وزير الكهرباء لدى النظام السوري، غسان الزامل، قال في تصريحات صحافية تم نشرها مؤخرا سيتوجه المواطنون للاعتماد على الكهرباء في مختلف جوانب حياتهم من طبخ وغسيل وغيره، نتيجة عدم توفر المحروقات والغاز، مضيفا: هناك معاناة بإصلاح منظومة التوليد الكهربائي، وصعوبات بالتعاقد مع الشركات لإعادة تأهيل وضع المنظومة، إلى جانب أنها تحتاج لمبالغ كبيرة.
ولفت إلى أن هناك تنسيقا دائما مع وزارة النفط لتأمين الغاز من أجل فصل الشتاء، ولكن هناك صعوبات كبيرة ونقص بالمادة، حيث نحتاج لـ 18 مليون متر مكعب من الغاز ليصبح واقع الكهرباء جيدا، ولكن الإنتاج يقتصر على 9 – 10 ملايين متر مكعب من المادة و8 آلاف طن من الفيول، مبينا أن حجم الإنفاق على الطاقة خلال السنوات الأربع الأخيرة بلغ نحو 226 مليار ليرة.