استمع إلى الملخص
- **الانقسام السياسي وتأثيره على المصرف المركزي**: يشهد المصرف انقساماً بين موظفيه حول تغيير القيادة، مع استمرار منظومة النقد الأجنبي في العمل بشكل طبيعي رغم الانقسام.
- **التأثيرات الاقتصادية للصراع السياسي**: حذر خبراء من تأثير الصراعات على إدارة المصرف، مما قد يؤدي إلى زيادة سعر الصرف وارتفاع تكلفة الواردات، وتفاقم العجز في الميزانية.
تتزايد مخاوف الاقتصاديين في ليبيا، من تداعيات استمرار الصراع الذي طاول إدارة المصرف المركزي للبلاد، خاصة ما يتعلق باستقرار سعر صرف العملة ومعدل التضخم وأثارهما بشكل مباشر على حياة المواطنين.
وبينما أعلن المجلس الرئاسي الليبي، أن مجلس مصرف ليبيا المركزي الجديد سيباشر مهامه بداية، من الأربعاء، مشيراً إلى تشكيله لجنة لتسليم المجلس الجديد مهامه الإدارية، بعد تكليف محمد عبد السلام الشكري محافظاً للمصرف، أعلن الصديق الكبير الذي أقاله المجلس الرئاسي استمراره في عمله بمعية نائبه مرعي البرعصي، مؤكدين في بيان لهما نُشر، الثلاثاء الماضي، على الموقع الإلكتروني للمصرف، أن المجلس الرئاسي جهة غير مختصة بإجراءات تغيير المحافظ ومجلس إدارة المصرف.
ويخيم الانقسام بين الأطراف السياسية على تعيين إدارة جديدة للمصرف المركزي برئاسة الشكري، إذ رفض مجلسا النواب والأعلى للدولة الليبيين، قرار المجلس الرئاسي، على الرغم من أن مجلس النواب (شرق البلاد) كان قد اتخذ قراراً قبل نحو ست سنوات بتعيين "الشكري" بدلاً من "الكبير" الذي كان يصر حينها على إقالته، بينما رفضت الحكومة في طرابلس ذلك.
وتسرب هذا الانقسام إلى موظفي المصرف المركزي، إذ التقت "العربي الجديد" بعدد منهم ليبدي بعضهم تأييده لتغيير قيادات المصرف من أجل تحقيق تحسينات في السياسة النقدية للبلاد وضمان إدارة أكثر فعالية للموارد المالية، بينما يرفض آخرون إجراء تغييرات، بدعوى أن القيادة الجديدة المكلفة لا تتمتع بكفاءة كافية، مشيرين إلى ضرورة الإبقاء على الصديق الكبير للحفاظ على استقرار السياسة النقدية وتجنب الاضطرابات المحتملة.
ووسط حالة الانقسام هذه، تؤكد مصادر في المصرف المركزي لـ"العربي الجديد" استمرار المصرف في أداء مهامه، لافتة إلى أن منظومة النقد الأجنبي تسير بشكل طبيعي، حيث تُعالج الحوالات والاعتمادات المستندية بانتظام. كما أشارت إلى أن هناك عمليات مبيعات ناجحة عبر الخدمات الإلكترونية المقدمة من المصارف التجارية، مما يعكس استقراراً نسبياً في النظام المصرفي.
لكن أحمد أبو لسين، مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية، حذر في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، من التأثيرات السلبية للصراعات الحالية حول إدارة المصرف المركزي، مؤكداً أن هذه التجاذبات قد تعرقل الأوضاع الاقتصادية في البلاد وتؤثر على حياة المواطنين بشكل ملموس، لافتا إلى أن النزاعات السياسية قد تؤدي إلى زيادة سعر الصرف في السوق الموازي، مما يرفع تكلفة الواردات ويزيد الضغوط الاقتصادية.
أضاف أبو لسين أن الصراعات الحالية قد تسهم في تفاقم معدلات التضخم، مما يضيف أعباء مالية إضافية على المواطنين، متوقعاً زيادة الإنفاق الحكومي، مما قد يفاقم العجز في الميزانية.
بدوره، رأى الخبير المالي عبد الحكيم عامر غيث، أن سلامة المالية العامة في الدولة في خطر، معتبراً أن أعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي الذين جرى تعيينهم يفتقرون إلى الخبرة الاقتصادية الكافية. وأشار إلى أن تجاهل الخبرات المتخصصة يثير تساؤلات حول الأثر المحتمل على الأوضاع المالية التي تمس حياة المواطنين.
تأتي هذه التوترات في وقت تعاني فيه ليبيا من حالة من الانقسام السياسي والصراع الداخلي، حيث تسعى الأطراف المختلفة لتعزيز سلطاتها ونفوذها. وبينما هدأ الصراع خلال السنوات الماضية حول اختيار محافظ المصرف المركزي، إلا أنه عاد بقوة في الأيام الأخيرة.
مند مارس/آذار 2022، تعاني ليبيا من انقسام سياسي، حيث توجد حكومتان متنافستان، الأولى تحظى باعتراف دولي وأممي، هي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومقرها العاصمة طرابلس، وتدير غرب البلاد بالكامل، والثانية برئاسة أسامة حماد، التي كلفها مجلس النواب وتدير شرق البلاد وبعض المدن في الجنوب من مقرها في بنغازي وتدعمها مليشيا خليفة حفتر.
وذكر المجلس الرئاسي في بيان، الأحد الماضي، أن تكليف مجلي إدارة جديدة للمصرف المركزي يأتي "في إطار تحمل مسؤوليته الوطنية للحفاظ على مقدرات البلاد ومنع تعرضها لأي ضرر"، لافتا إلى "تنفيذ قرار مجلس النواب الرقم 3/2018 بشأن انتخاب محافظ جديد للمصرف وتشكيل مجلس إدارة جديد"، في إشارة إلى قرار مجلس النواب بشأن تكليف محمد الشكري عام 2018 محافظ مصرف ليبيا المركزي وإقالة المحافظ الحالي الصديق الكبير. إلا أن رئاسة مجلس النواب عادت، قبل أيام، وأصدرت قراراً بإيقاف العمل بقرار تكليف الشكري "لمضي مدة تكليفه، وعدم مباشرة مهام عمله"، مع عودة تكليف الصديق الكبير محافظاً للمصرف.
وسجل سعر صرف الدولار في السوق الموازية ارتفاعاً في الأيام الماضية ليتجاوز 7.15 دنانير للدولار الواحد قبل أن يتراجع قليلاً عند نحو 7.05 دنانير للدولار، وفقاً لمتعاملين في السوق، بينما يبقى سعر العملة الأميركية ثابتاً عند 4.8 دنانير لدى المصرف المركزي، بينما سجل وفق السعر المشمول بضريبة النقد الأجنبي 6.11 دنانير.
وشهدت أسعار السلع ارتفاعاً كبيراً في الأيام الأخيرة، لاسيما على خلفية الاشتباكات التي شهدتها مناطق شرق العاصمة طرابلس بين فصيلين مسلحين وتحركات مليشيات حفتر جنوب غربي البلاد، إذ استغل "سماسرة أزمات" هذه التوترات للمضاربة في السلع الأساسية ورفع أسعارها، وسط قلق المواطنين من تراجع المعروض في الأسواق، وفق مواطنين وخبراء اقتصاد.